سحر الشرق يفوح من شوارع ثاني أكبر المدن السورية

حلب الشهباء.. مدينة من «ألف ليلة وليلة»

حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم وتضم جوامع وأسواقاً شعبية متعددة. د.ب.أ

لطالما احتلت مدينة حلب مكانة أدنى من العاصمة السورية دمشق التي كانت مسرحاً لكثير من أحداث حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة؛ فهذه المدينة الواقعة في شمال البلاد والتي تُعد ثاني أكبر المدن السورية تتمتع بالجو الشرقي الساحر نفسه، وتزخر بتاريخ حافل، وتضم بين أركانها جوامع في غاية الجمال والروعة، وسوقاً ضخمة.

ويُخيل للسائح أن مدينة حلب (الشهباء) بأكملها عبارة عن سوق واحدة مترامية الأطراف، وتعد هذه السوق المكونة من شوارع تسوق مغطاة بالأسقف، والممتدة بطول 12 كيلومتراً أكبر أسواق الشرق الأوسط؛ إذ إن مساحتها تفوق مساحة أسواق دمشق والقاهرة وإسطنبول.

وتعتبر هذه السوق الشاسعة بمثابة متاهة لا تُعرف بدايتها من نهايتها؛ إذ تصطف آلاف المحال متناهية الصغر جنباً إلى جنب على مساحة 350 هكتاراً. ويفوح سحر الشرق من معظم أرجاء المدينة القديمة التي يحيط بها سور بطول خمسة كيلومترات، والتي أدرجتها «اليونسكو» على قائمة التراث العالمي عام .1986

تسمية

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/338420.jpg

يسأل السوري إبراهيم السيّاح «هل تعلمون حقاً أن سيدنا ابراهيم كان يحلب بقرته هناك فوق في المكان الذي تقف فيه القلعة؟». ويضيف أن هذا هو أصل تسمية مدينة حلب بهذا الاسم. وباللغة السوريانية تسمى المدينة «حلب الشهباء»، أي المكان الذي «حلب فيه سيدنا إبراهيم بقرته».

سوق

في هذه السوق ينادي البائعون بأعلى صوتهم، ويمتدحون بضائعهم التي تتنوع ما بين تحف فنية رائعة، وصناديق مجوهرات خشبية فاخرة ونارجيلة ومشغولات من النحاس الأصفر والأحمر. وتُشكل السوق زخماً كبيراً من الأصوات والبشر والروائح. وخلال التجول في السوق يجد السائح دائماً وأبداً شوارع جانبية صغيرة ومداخل بوابات تؤدي إلى كتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، وخانات القوافل، وحمامات تركية. وعبر بوابة جانبية يصل السائح مباشرة إلى صحن الجامع الأموي «الجامع الكبير» والذي يشتهر بمئذنته التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً.

وفي جميع أرجاء السوق تفوح رائحة التوابل والقهوة والنارجيلة والأعشاب والمكسرات، وكذلك رائحة اللحم والفواكه والخضراوات الجافة. وفي حقيقة الأمر تم تنظيم السوق تبعاً للمهن والحرف والبضائع، ومع ذلك يجد المرء فيها أقمشة فاخرة معلقة إلى جوار رؤوس الخراف، وكتباً جنباً إلى جنب مع ملابس داخلية وأحذية وبضائع كثيرة رديئة الجودة ورخيصة السعر مكتوب عليها «صنع في الصين».

أويتساءل سياح أوروبيون وهم يمسكون بخريطة في أيديهم قائلين: «لماذا لا نوجد في حارة تجار التوابل التي ينبغي أن تكون هنا طبقاً لما تشير إليه الخريطة؟». ويقترب مواطن سوري يدعى (ابراهيم) من السياح بعدما رأى علامات الإحباط واليأس ترتسم على وجوههم، وهم ينظرون إلى الخريطة ويسألهم مبتسماً «هل هذا هو أول يوم لكم هنا في السوق؟ أم ماذا؟». ويدعو (ابراهيم) الذي يتسم بشخصية ودودة، السياح إلى الجلوس على المقاعد الموجودة أمام محل العصير الذي يمتلكه، ويقول لهم وهو يحضر لهم عصيراً من ثمار الرمان: «هل لي أن أسدي لكم نصيحة؟ ضعوا الخريطة جانباً وتجولوا في السوق ببساطة». وينصحهم أيضاً بأنه من المهم أن يلجأوا إلى الناس الذين يسيرون في الشوارع ليسألوهم عن الطريق من دون أي خوف أو رهبة منهم.

وتؤتي هذه النصيحة ثمارها. فعندما يسأل السائح عن الطريق يدعوه الناس إلى تناول كوب من الشاي. وأثناء ذلك يقص السائح من أين أتى، ويقضي 15 دقيقة لخفض سعر الصابون الحلبي الشهير المصنوع يدوياً من زيت الزيتون بمقدار النصف من دون أن يشعر البائع بالضيق.

تاريخ

تعد مدينة حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم على مر الزمان، وهي تُعد أيضاً منذ العصور القديمة بمثابة نقطة ربط مهمة بين طريقين تجاريين يربطان بين بلاد بعيدة عن بعضها بعضاً. لذا توافد التجار الأجانب على حلب عبر التاريخ. وتُعد البوابة الأثرية لخان القوافل الذي يحمل اسم «الوزير» شاهداً على تاريخ مدينة حلب باعتبارها مركزاً تجارياً قديماً؛ فقبل قرون عدة كانت القوافل تفرغ وتشحن حمولاتها هنا.

حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم و تضم جوامع و أسواقا شعبية متعددة .

وفي عام 2006 كانت حلب أول مدينة تحصل على لقب «عاصمة الثقافة الإسلامية». وكي يكوّن السائح صورة عن المدينة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ يجدر به زيارة قلعة حلب التي تُعد أكثر الحصون الإسلامية المنيعة في الشرق الأوسط. وتقع هذه القلعة المنيعة في وسط المدينة وتشرف على السوق بارتفاع 60 متراً. وقد قام السلوقيون، أسرة حاكمة خلفت الإسكندر الأكبر، بتشييد هذه القلعة الحصينة في القرن الرابع قبل الميلاد.

غير أن شكلها الحالي يعود في المقام الأول إلى القرن الـ،15 وبالمثل قام الإغريق والرومان والفُرس والبيزنطيون والعثمانيون بتشييد معابدهم على الأراضي التي تقع أعلى المدينة. ومن فوق القلعة تتبدى للسائح إطلالة بانورامية رائعة على مدينة حلب؛ حيث يمكن من هنا أيضاً رؤية أبراج الكنائس الواقعة في الحي المسيحي، أحد أحياء المدينة الذي يشبه المتاهة والذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى.

تويتر