"رجال الكبريت" في إندونيسيا ..الطريق إلى الجحيم

يحمل أديس وسوكارنو، سعفتيهما المصنوعتان من الخيزران على كتيفهما، ويدخنان سيغارة القرنفل، ويتجهان نحو فوهة بركان "إيغين" في جزيرة جاوا الإندونيسية، للحصول على لقمة العيش الممزوجة بدخان الكبريت الأصفر، حيث إنهما يقطعان يوميا مسافات طويلة، ويسلكان طرقاً وعرة، ومنعرجات خطيرة، ومنزلقة على ارتفاع 2600 متر، فوق سطح البحر، للوصول إلى البحيرة الكبريتية الموجودة أعلى المرتفع الشاهق، ووسط غيوم من غاز "الكبريتيك" السام، يقتلاعان الأحجار الكبريتية الصفراء اللون، التي تشبه الذهب، قيمة ولوناً، كونها تدخل في عمليات تصنيعية عدة.

ويضطر عاملا مناجم الكبريت، أديس وسوكارنو، يوميا لحمل 100 كيلوغرام من حجارة الكبريت، الأمر الذي لا يتحمله بشر، حيث يرفعانها فوق كتفيهما، وينزلان بها إلى القاع ومنه يصعدان، ثلاث مرات يوميا، ولمدة ستة أيام في الأسبوع، وعبر مسالك خطيرة أقل زلة قدم تؤدي بهما إلى الموت، وكل ذلك مقابل مبالغ زهيدة.

ويقول أديس "إنه ونحو 300 عامل من عمال مناجم الكبريت الأخرى، يقطعون مسافة 3.5 كيلومترات في رحلتهم اليومية نحو فوهة بركان "إيغين"، لإحضار سعف الكبريت، وحملها فوق ظهورهم المنهكة، مقابل مبلغ لا يتجاوز 10 و15 دولاراً يومياً".

هذه المعاناة لم تقتصر على أديس وسوكارنو، بل كل عمال مناجم الكبريت في جاوا الشرقية، عانوا من ظروف عمل قاسية، وبراتب لا يتناسب مع هذه المهنة الخطرة، التي تترك آثاراً سلبية في جسد العمال الذين يترنحون أصلا على حافة هاوية الحياة والموت.

ويعاني العمال من السعال المستمر، فضلا عن إصابتهم بحروق وتقرحات جلدية، إضافة إلى انحناء الكتفين وسحق عظامها، ناهيك عن تسمم الرئتين بأدخنة الأحماض الكبريتية، و الإصابة بالعمى، بسبب أبخرة الهيدروجين المركزة، وغازات الكبريت التي تحرق عيونهم، وتذيب عاج أسنانهم.

وتشير الأرقام إلى أن نحو 70 عاملاً لقوا حتفهم اختناقا على فوهة "إيغين"، خلال العقود الأربعة الماضية، بدخان الكبريت المتصاعد بكثافة من شقوق الحجر، كون هؤلاء العمال لا يملكون أدوات الأمان والسلامة، لحماية أنفسهم من المخاطر المحيطة بهذه المهنة، حيث يستعملون فقط قطع ملابسهم الرثة، لتغطية أفواههم وعيونهم، لمواجهة أدخنة وزوابع الكبريت الكثيفة.

ويرتدي أديس وسوكارنو الأحذية المطاطية الرخيصة لمنع الحروق، ويؤكدون أن سعالهم القوي والمستمر ليس بسبب سجائر القرنفل، التي يدخنونها لتمضية الوقت والتخفيف من مشاق عملهم، بل بسبب دخان الكبريت.

وقال أديس "ردائي يحميني من الدخان، ومن زوابعه التي تهب فجأة"، مشيراً إلى وشاحه الرث، الذي يستعمله ككمامة".

ويصف الأطباء مهنة استخراج الكبريت بمهنة الموت البطيء، ويكشفون أن الأشخاص الذين تعرضوا للكبريت وغازاته السامة، خلال فترات طويلة من الزمن، يكون متوسط أعمارهم المتوقع 30 عاما فقط.

ومع بزوغ خيوط الفجر، التي ترسم لوحة فنية رائعة باللونين الوردي والأرجواني فوق البحيرة الكبريتية، يصطف عمال مناجم الكبريت في مسيرة رجل خلف الآخر، حاملين معاولهم، ويمشون على حافة بركان "إيغين" الذي لايزال نشطاً، ولم يخمد كلياً، فمن فوهاته يخرج غاز الكبريت، الذي يتحد بعوامل البرودة فيصبح حجراً.

ويتم الحصول على مادة الكبريت، من خلال تكثيف الأبخرة، التي تنشرها البحرية الجبلية بالقرب من الفوهة، من خلال تمريرها في أنابيب من الأحجار والسيراميك، للحصول على مادة الكبريت، بعدما تتكثف الأبخرة، وتتحول إلى مادة سائلة حمراء اللون، تترك لتجف، وتصبح قطعا صلبة، ومن ثم يقوم كل عامل بحمل أكبر كمية ممكنة، والانتقال بها إلى الأسفل لمسافة تتجاوز الـ 3 كيلومترات.

ويعمل أديس البالغ من العمر 33 عاماً بمنجم الكبريت منذ 4 سنوات، ولا ينوي التوقف عن هذا العمل في الوقت القريب، لأنه حسب قوله "لديَّ زوجة وثلاثة أطفال في بيتي، في بانيووانغي، أنا أعمل من أجلهم".

بينما زميله سوكارنو، يعتبر أقدم من أديس في المنجم، حيث يقوم بتصنيع سلاحف صفراء صغيرة من الكبريت المنصهر، لكسب دخل إضافي، قائلا إن "عمله وبيعه لتحف الكبريت الصغيرة، التي يصنعها للسياح الفضوليين، الذين يزورون المنطقة، للتمتع بالطبيعة ورؤية رجال الكبريت الخارقين، يوفر له العيش الكريم".

يشار إلى أن صناعة الكبريت، التي يستخرجه عمال المناجم والفقراء، تدخل في عدد من الصناعات المهمة، كصناعة مستحضرات التجميل، وصناعة أعواد الثقاب، والأسمدة الكيماوية للزراعة، وصناعة البارود، كما يتم استخدامها لتبيض وصقل السكر.

تويتر