معرض لـ 13 فناناً في «جميل للفنون» بدبي

«ذاكرة المبتور» يرصد العلاقة مع التراث المادي

أعمال المعرض تناقش موضوعات ملحة بوسائط متنوعة. تصوير: أحمد عرديتي

يطرح معرض «ذاكرة المبتور» الذي افتتح أول من أمس، في مركز جميل للفنون بدبي، تساؤلات كثيرة حول علاقتنا التي نعايشها مع التراث المادي، اذ تتناول الأعمال التي يقدمها 13 فناناً موضوعات ملحة في هذا المجال، ومنها كيفية كتابة التاريخ، وتسليح التراث، وترسيخ معانٍ وهمية للثقافة المادية. وتتنوع الوسائط الفنية التي يقدمها الفنانون في هذا المعرض، فيما يطغى على الأعمال الجانب التركيبي. ويتطرق المعرض إلى عملية توزيع الآثار وصولاً إلى تخريب المساحات المعمارية، خصوصاً أن قضية التراث المادي كانت قد اكتسبت اهتماماً عالمياً، ولكنها أشد إلحاحاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تلقي خلفيات الاستعمار والحروب وصراعات الهيمنة الثقافية، بظلالها الثقيلة على الموضوع.

معالجات متنوعة

تتنوع المعالجات الفنية للموضوعات، ما بين مجسمات وتركيبات فنية ومقاطع فيديو وصور فوتوغرافية ورسوم ثلاثية الأبعاد، لكنها جميعها تهدف الى تشجيع المتلقي على الاسترسال بخيالاته لتحيله إلى بناء مفهوم جديد لهذا التاريخ الذي يقدم اليه عبر لغة الفن، فيما نجد في أعمال الفنانين أصداء حقيقية وثقافية تتمثل فيما يلازم حاضرنا من أمور جرى محوها عنوة في الماضي.

الفنان الفلسطيني خليل رباح شارك بلوحة جسد فيها عمل الفنان سليمان منصور «جمل المحامل»، وكيف يكون العمل خلال تبلوره، وقال لـ«الإمارات اليوم»: «اخترت هذا العمل لأقدمه من جديد بعد أن وجدت صورة صغيرة له خلال ممارستي لعملي الفني، اذ أجد أحياناً صوراً عبر الانترنت بحجم صغير، كما ان هذه اللوحة لا يعرف عنها الجميع، فقد دمرت في غارة أميركية في منزل معمر القذافي». ولفت إلى أن «البوستر» يوضح كيف نقوم بإعادة النسخ عن اللوحة، منوهاً بأنه اليوم يرغب في تقديم الكثير من الرسومات، فهو يضع التفاصيل ويقدم مكانتها كلوحة، موضحاً أنه كان معنياً بتوضيح من هو ذلك الرجل. وأضاف أن «جمل المحامل لوحة رمزية، فقد بنيت منها تماثيل، والتمثال يحتاج الى اختراع كل التفاصيل، كما أن الرجل فيها يصعب فهمه، ولكن يمكن فهم الرمز الذي يحمله، ولهذا أردت أن أقول إن هناك وقتاً للرمزية ووقتاً للواقعية، ويمكن من خلاله التعبير عن السبب وراء الرسم». ونوه بأن وجود عمل له في المركز أمر مهم بالنسبة له، خصوصاً أن المعرض متميز، نظراً لكونه يجمع أعمالاً كثيرة من السطح للعمق.

مئذنة عانة

الفنانة العراقية رند عبدالجبار، قدمت عملاً بعنوان «والنهر يداعب قدميها»، وقالت عن العمل: «هذا العمل جزء من بحث أقوم به عن مبنى يسمى (مئذنة عانة)، وهي مدينة في العراق قريبة من الحدود مع سورية، وقد بدأت البحث لأنني كنت أبحث عن المدن التي هدمها (داعش)، وقد جذبتني لأن جدي من عانة، كما أعرف قصة مدينة غرقت بالكامل بعد بناء سد وانتقل سكانها الى مدينة جديدة، وفي عام 2012 أعادوا بناء المدينة، ثم في عام 2016 دمرها (داعش) مرة أخرى، لذا القوالب هي الشيء الوحيد الذي بقي من هذه العمارة». وأضافت: «عملت مع عالم آثار، وقدمت ثماني قطع من الجص، وجزء من هذه القوالب نفذ في العراق وسيبقى في العراق»، مشيرة إلى أنه كان مهماً بالنسبة لها ان تقدم عملاً يعد جزءاً من ذاكرة المدينة، وهو الشيء الوحيد الذي تبقى من المدينة. ولفتت الى ان الأفلام التي تساند العمل، قد حصلت عليها من عالم الآثار الذي ساندها في العمل وهو يوسف الدهان، موضحة أن تعاونها معه أتى بعد مرحلة طويلة من البحث عن مصدر يدعمها في تقديم مشروعها. وحول العمل على مشروع يحمل الكثير من الذكريات، لفتت عبدالجبار إلى أن العمارة لفتتها وجذبتها، إذ تجد فيها طريقة للتواصل مع المدينة والتاريخ المشترك، ويوضح العمل التقاطع بين التاريخ العائلي والتاريخ الوطني العمومي. أما الفنان الفرنسي تيو ميسي فقد عمل على مجموعة من الأقنعة. وقال عن الفكرة: «أجمع الأقنعة من إفريقيا وفرنسا، وهي أقنعة تعرضت للكسر خلال نقلها، فهي تصنع في غرب إفريقيا للسوق الفرنسية، ولكن عبر نقلها تتعرض مجموعة منها للكسر». وأكد أن هذا العمل يأتي على خط متوازٍ بين القصص البشرية وقصص القطع، لافتاً إلى أنه يعمل على المشروع منذ أربع سنوات، والمجموعة المعروضة هي جزء من مجموعة كبيرة، وأن هذه الفكرة هي جزء من الحوار الذي يقام لبناء الذاكرة والتاريخ.

عمل لم يصل

لم يصل عمل الفنان الفلسطيني من أصول أرمنية، بنجي بويدجيان، إلى المعرض حتى الآن، إذ مازال عالقاً في لندن بعد خروجه من فلسطين 48 إلى لندن. وأشار بنجي إلى أن ذلك جعله يضع خريطة عن طبيعة العمل الذي يجسد فيه عمله في القدس وعلاقته بوادي شامي، والذي قضى طفولته فيه، حيث تم القضاء على الغابة المحيطة به، من أجل بناء المستوطنات، وهو المكان الأخير بالقدس الذي لم يتم البناء فيه. ولفت إلى أنه جمع من خلال مشروعه وعبر 10 سنوات أشياء كثيرة من هذا الوادي والمكان، ومنها أشياء من الأرض، ووضعها في صندوق يفتح على شكل أبواب كثيرة. ونوه بأن أحد تلك الأشياء هو جزء من قنبلة تعود لحرب 1967، وربما هذا السبب وراء بقاء العمل بلندن. واعتبر بنجي العمل مشروعاً يقوم على العمل من أجل الفن وليس بالضرورة أن يكون الهدف منه مادياً أوالبيع دائماً.

تويتر