«الندوة» ناقشت كتابي المرزوقي وسالم عن الرياض ونيجيريا

«أدب الرحـلات» المحلي.. مشاهدات بـــعيون إماراتية

صورة

لم يغب الواقع الإماراتي عن مخيلة الكتاب الذين سعوا إلى رصد ثقافات وبيئات مغايرة في رحلاتهم، وكانت الخصوصية المحلية حاضرة دوماً لدى الكتاب الذين سافروا لرصد مشاهداتهم، من خلال عقد مقارنات باطنية لا يتم الإفصاح عنها بشكل مباشر، في معظم نتاج أدب الرحلات الذي كتبه إماراتيون.

فُتحت الخزانة

أثنى عدد من حضور مناقشة كتابي «إماراتي في الرياض» و«إماراتي في نيجيريا» على اختيار ندوة الثقافة والعلوم للعملين من أجل مناقشتهما، معتبرين ذلك التفاتة مقدرة لحاجة المكتبة الإماراتية للإمداد بهذا النوع المهم من الأدب.

واستبشر البعض أن يكون الكتابان بمثابة «إعادة فتح لخزانة كتب أدب الرحلات من أجل محاولة إثرائها بأعمال جديدة».

وجاء الاستعداد لطبعات جديدة من الكتابين بعد نفاد الطبعة الأولى من أحدهما، والثانية من الآخر، ليؤكد نهم القارئ وشغفه بأدب الرحلات، الذي يشكل إلى جانب متعته الأدبية، إضافة حقيقية لمعلومات تاريخية وجغرافية ومجتمعية للقارئ.

صورة نمطية

في مقابل صورة نمطية قد ترسخها في أذهان الكثيرين ممارسات محدودة لدى البعض، وقد تكون مضللة، رصدها المرزوقي في تناوله للرياض، أشار طلال سالم في كتابه «إماراتي في نيجيريا» إلى أن الإعلام هو أكبر مساهم في صناعة الصورة النمطية المغلوطة عن الحياة في نيجيريا

وأكد سالم أن هناك حالة مبالغة شديدة في رسم صورة الفوضى أو عدم توافر الأمان هناك، مضيفاً «جميع الهواجس في هذا الشأن تبددت بمجرد احتكاكي بالناس في الشارع، وعلمت بعد ذلك أن مشكلة هذا البلد تكمن في التفاوت الطبقي الرهيب بين أكثرية شديدة الفقر، وأقلية فاحشة الثراء».

ورأى سالم أن أحد أهم الأدوار المهمة لهذا الأدب هو هذا التصحيح لما قد يسود من مغالطات، مؤكداً أنه لا يشغل نفسه بطبيعة الجنس الأدبي أثناء الكتابة، وما إذا كان العمل سيدخل تماماً تحت عنوان أدب الرحلات أو مسمى آخر.

خفة ظل

احتاج الكاتب محمد المرزوقي سبع سنوات كاملة كي يكتب «إماراتي في الرياض»، وجاء الكثير من مشاهداته عكس الصورة النمطية التي يرى أنها ارتبطت بالشخصية السعودية بشكل مغلوط لدى الآخر.

ووصف المرزوقي الشخصية السعودية بـ«خفة الظل»، وفي حين رأى أن الشخصية الإماراتية أقرب لنظيرتها الانجليزية في ما يتعلق بالصرامة والحزم، رأى أن «السعودية» أقرب إلى الشخصية الأميركية في هذا الجانب.

هذه هي إحدى الأفكار الرئيسة التي تناولتها المداخلات والكثير من الآراء التي تدفقت خلال استضافة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، أول من امس، مناقشة كتابي «إماراتي في نيجيريا» للشاعر طلال سالم الصابري، و«إماراتي في الرياض» للكاتب محمد المرزوقي، وأدارتها الشاعرة الشابة شيخة المطيري.

ورغم الشح الذي تعانيه المكتبة الإماراتية في هذا الباب، على الرغم من أن السياحة والسفر يبدوان ظاهرتين أساسيتين لدى الكثير من شرائح المجتمع، إلا أن هذا لا يتناسب مع تطلع الجمهور وشغفه بأدب الرحلات عموماً، حيث يجري إعداد طبعات إضافية للكتابين، بعد نفاد نسخهما المطروحة في المكتبات.

ولعل من اللافت اختيار المرزوقي عاصمة ليست غريبة عن الكثير من قرائه، وهي العاصمة السعودية الرياض، كي تكون موضعاً لاهتمامه، وسرده الإبداعي، رغم أننا اعتدنا في هذا النوع أن يذهب الكاتب بعيداً لنقل تفاصيل تجربة لا تخلو من الغرابة ومتعة المفاجأة.

هنا يشير المرزوقي، الذي أمضى قرابة سبع سنوات في المملكة، إلى أنه يعي وجود هذا القدر الكبير من التماثل الذي ينفي التناقض بين البلدين، لكنه اهتم أيضاً برصد المختلف، ويتناول بعض الفروق والاختلافات في المجتمعين، سواء على مستوى تركيب الشخصيتين الإماراتية والسعودية، أو على مستوى السلوك الاجتماعي، وغيرها من العوامل.

وأوضح المرزوقي أن الكتاب توقف عند بعض القضايا، التي تمثل جوهر الفروق أو الاختلافات في المجتمعين، مثل دور رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وقضية «قيادة المرأة للسيارة»، و«غياب السينما والمسرح» والكثير من أدوات الترفيه في السعودية، ما يجعل الأسر السعودية تتقاطر بعشرات الآلاف على الطريق إلى البحرين في عطلة نهاية الأسبوع.

وذكر المرزوقي أنه رصد وجود أفكار مسبقة لا تساهم في رصد الحقيقة دائماً بالنسبة للشخصية السعودية، بذهن العابر بسبب الممارسات المعروفة لمنتسبي «هيئة الأمر بالمعروف»، التي تختلف كثيراً عن صورة المطوع المعروفة في المجتمع الإماراتي على سبيل المثال.

ويضيف «من خلال رصدي الذي ورد في الكتاب فإن الشخصية السعودية عموماً تتميز بالتلقائية والعفوية واللطف الشديد، بل ربما تأتي بعد الشخصية المصرية، في ما يتعلق بصفتي خفة الظل وروح الدعابة، وإذا ما كان هناك مجال لمقارنة أخرى فإنها أقرب للشخصية الأميركية في هذا الجانب، في مقابل اقتراب الشخصية الإماراتية من البريطانية في مجال الجدية والحزم الشديد».

وبعيداً عن تجاربه الشعرية يجيء كتاب «إماراتي في نيجيريا» ليدخل طلال سالم إلى عالم السرد في تجربة مغايرة رأها أكثر صعوبة، لاسيما عندما تكون مرتبطة بتغيير شخصي دفعه لقرار الاتجاه إلى التغيير الجذري في بيئة العمل، لتكون أفغانستان هي التجربة الأولى، قبل أن يقوده القرار إلى نيجيريا محور كتابه. وبمفهوم المقارنة أيضاً، التي تعقد ذهنياً لدى المشاهد لتفاصيل مختلفة عن وطنه، وهو ما يسود بالفعل أدب الرحلات الإماراتي، يضيف سالم أن التوجس من الاختلاف الشديد في البيئة زال سريعاً بمجرد الاحتكاك مع أبناء المجتمع في العمل والشارع، الذين تأقلم معهم قبل أن تمتد رحلته إلى ستة أشهر. ورصد سالم أن ثمة مبالغات وصوراً مغلوطة تبقى حاجزاً حينما تكون وسائل الإعلام غير ناقلة لحقيقة الأوضاع في بلد ما، وهو ما يتعلق بالحالة الأمنية التي رآها مبالغاً فيها لجهة وصفها بالسوء، لكنه رصد ما هو أخطر من ذلك وهو التباين الطبقي الشديد بين أغلبية مدقعة الفقر، وأقلية ثرية، وهو أيضاً تباين لم يتم بعيداً عن ذهنية المقارنة مع الواقع الإماراتي. وقدمت الكاتبة صالحة عبيد قراءة نقدية للعملين عنونتها بـ«الذاكرة باعتبارها كائناً مكتوباً»، مشيرة إلى أن تقنية السرد في نص «إماراتي في نيجيريا» تعتمد على الصوت الواحد مع حوارات سريعة راوحت بين الفصحى والعامية في مواضع بسيطة جداً، بينما روح الشاعر في الكاتب كانت مهيمنة على الإيقاع السردي للعمل.

ورأت عبيد أن عبارات الكاتب اكتست في معظم الأحيان بالمجاز والاستعارة ما أفقد النص الكثير من الإفصاح بدقة عن التفاصيل، وهو ما جعل النص يفتقد البعدين التاريخي والسياسي المطلوبين في هذا النوع من الأدب. وأثنت عبيد فيما يتعلق بكتاب «إماراتي في الرياض» على حس المقارنة المجتمعية، الذي ساهم في رسم حقيقة المشاهد أمام القارئ، مشيرة إلى أهمية المدخل التاريخي الذي اعتمده المرزوقي، لكها استغربت ورود تفاصيل نظرية تخرج العمل عن جمالياته الأدبية.

 

 

 

 

تويتر