«كلمات العالم».. موسوعة تجمع اللغات

غلاف الكتاب. من المصدر

أصدر مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاباً جديداً بعنوان «كلمات العالم.. منظومة اللغات الكونية» للمؤلف أبرام دوسوان، ونقله للعربية المترجم الدكتور صديق محمد جوهر، على هامش معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ.30

ويتألف الكتاب الجديد - الذي يعتبر موسوعة بحثية تجمع لغات العالم في دراسة واحدة - من تسعة فصول ومقدمة تمهيدية، ويدور النقاش في هذا الكتاب عن المجموعات اللغوية على مستوى العالم أو ما سمّاه المؤلف بظاهرة التكوكب اللغوي الكوني التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي، وبما ينطوي عليه ذلك من أن المجموعات اللغوية تعد ظاهرة اجتماعية عالية الخصوصية يمكن فهمها في ضوء نظريات العلوم الاجتماعية، وهذا أيضاً أمر جديد، وإن كان غير فريد في سوابقه.

يستعرض الكتاب التنافس والتواؤم بين المجموعات اللغوية العالمية عبر دراسة اللغات من وجهتي نظر كل من علم الاجتماع السياسي وعلم الاقتصاد السياسي، أما الأول فيركز على بنية النظام اللغوي وأنظمته المحيطة كما يعنى بما يسمى «الغيرة اللغوية» بين الجماعات المختلفة، واحتكار النخبة للغة الرسمية، وإقصاء الأميين وغير المتعلمين، كما يولي اهتمامه لاستخدام اللغة وسيلة لتحقيق الحراك الاجتماعي الصاعد، أما العلم الثاني فيتصدى لتحليل الطرائق التي يحاول الناس بها تعظيم فرصهم في الاتصال، وكيف أن هذه المحاولات تصادف معضلات في العمل الجمعي إلى الدرجة التي قد تدفعهم دفعاً للنزوح الجماعي نحو لغة أخرى والتخلي عن لغتهم الوطنية، كما يتطرق هذا العلم إلى ما يجري في علاقات التبادل غير المتكافئ بين المجموعات اللغوية الصغيرة والكبيرة، ويتعين القول إن الكثير من هذه الأفكار المستقاة من علمَي الاجتماع والاقتصاد لم تطبق أبداً من قبل في مجالَي دراسة اللغات والمجموعات اللغوية المختلفة، بيد أنهما معاً (علمَي الاجتماع والاقتصاد) يشكلان إطاراً نظرياً متسقاً يساعد على تفسير وقائع تخص مجموعات لغوية عالمية متباينة، كما في الهند وإندونيسيا، وشبه الصحراء الإفريقية وجنوب إفريقيا، أو الاتحاد الأوروبي.

ويرى المؤلف أن الجنس البشري يتفرع لما يربو على 5000 جماعة يتحدث كل منها لغة مختلفة ولا يفهم أياً من لغات الآخرين، ورغم كل هذه الوفرة اللغوية جلبت البشرية على نفسها بلبلة لغوية جمة، بيد أنه وبالرغم من ذلك ظل الجنس البشري بأنواعه مترابطاً، إذ تخطى هذا الانقسام من يتحدثون أكثر من لغة فضمنوا الاتصال بين الجماعات المختلفة، وبذلك حفظت التعددية اللغوية اتصال البشرية التي فرقت بينها كثرة اللغات.

ويؤكد المؤلف أن روابط التعدد اللغوي بين المجموعات اللغوية المختلفة لم تظهر اعتباطاً، ولكنها على خلاف ذلك، أقامت شبكة اتصال قوية فعالة مدهشة تربط بشكل مباشر أو غير مباشر بين البلايين من سكان الأرض.

إن ما يشكل نظام اللغة العالمي هو هذا النموذج الإبداعي للروابط بين المجموعات اللغوية التي تشكل منظومة اللغات العالمية. إن هذه المجموعات اللغوية جزءٌ لا يتجزأ من نظام اللغة الكوني، كما أنها تمثل قطاعاً من النظام العالمي ذاته.

ويتزايد الاعتقاد حالياً بأن كل اللغات الجاري استعمالها على الأرض تنتمي إلى أصل مشترك، وأنها تطورت على الأرجح في أعقاب المسيرة التطورية للبشر الحاليين المتحدرين من سلالة جينية مشتركة خلال ما يقارب 120 ألف عام، وفي الوقت الراهن وفي ظل تقدم علم الدراسات الجينية وعلوم اللغات المقارنة والآثار القديمة، ظهرت مجموعة متلاحقة ومتنامية من البراهين التي تثبت هذا الأصل المشترك.

وأخيراً، يرى المؤلف أن الناطقين الأصليين باللغة الإنجليزية محظوظون لأن لغتهم أصبحت لغة عالمية عابرة للحدود، ولذلك أتاحت لهم هذه الخاصية العديد من الفرص العظيمة، كما وفرت عليهم الكثير من الجهود. ومن ناحية أخرى بذل مئات الملايين من البشر جهوداً مضنية من أجل الاستفادة من اللغة الإنجليزية، باعتبارها لغة أجنبية ناقلة للفكر الكوني، وليس هناك لغة إنجليزية واحدة وإنما مجموعة من اللغات الإنجليزية ذات القواسم المشتركة التي ظهرت في أماكن متفرقة حول العالم، ومع ذلك لا يتمتع المتحدثون باللغات الإنجليزية الفرعية بالمكانة التي يحظى بها المتعلمون من أبناء اللغة الأصليين في بريطانيا والولايات المتحدة.

يشار إلى أن ابرام دوسوان عالم اجتماع أوروبي من أصول هولندية تقلد العديد من المناصب الأكاديمية والعلمية المهمة في دول الاتحاد الأوروبي، كما عمل في جامعة أمستردام بهولندا وجامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأميركية وجامعة أوتفوش لوران في بودابست بالمجر والكلية الفرنسية في فرنسا، وله العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال الدراسات الدولية والأوروبية واللغوية.

تويتر