5 دقائق

عطري!

د.سعيد المظلوم

«الصبر مفتاح الجنة».. مثل تركي.

ولدت «عائشة» في أسرة كبيرة (11 أخاً) حفظهم الله، لكنها عاشت وترعرعت وحيدة عند جدتها «شمسة» في مدينة العين، لتكون قرة عين لها. كانت الجدة شمسة «عطارة»، لذا كانت رائحة بيتها على الدوام «خنينة» كما نقول، وكانت أيضاً تعرف بالزين كله، راقية في حديثها، متأنية في قراراتها، وهذه صفات كانت خير معين لعائشة في رحلة حياتها. عشقت «عائشة» القراءة منذ صغرها، وفي مكتبتها اليوم كتب يقدر عددها بالآلاف، إلا أن الشغف تحول بتأثير من الجدة «شمسة» إلى مزج العطور وصنع الدخون مع العود المعطر.

• «دفعها حبها للعطر إلى تدريب المهتمين بهذا المجال، بعد أن أعدت نفسها بدورات في فن الخطابة والإلقاء».

عشقت «عائشة» هذه الهواية الجديدة، لتركز شغفها بالقراءة في مجال العطور، فكانت تمزج عطرها وتهدي هذا وذاك حتى انتشر صيتها بأن لها روحاً جميلة في العطر وأسراره. وفي عام 2004 شاركت في مشروع «مبدعة» بتنظيم من غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، ففازت مع 14 فتاة من المتميزات، فأُقِيمَ لهن معرض لتسويق منتجاتهن الفائزة، وكانت المفاجأة حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الافتتاح، وعندما وقف أمام منتجاتها، قال لها بوخالد: «هل هذا أقصى حد وصلتِ إليه؟ أم لديك مزيد؟».

كان هذا الحوار السريع نقطة انطلاق لعائشة، إذْ سافرَتْ للكثير من البلدان، مثل: بريطانيا، ولبنان، والهند؛ لتتعلم أصول «مزج العطور»، واختتمت ذلك بشهادة معترف بها من فرنسا. ثم بدأت مشروعها التجاري «عطري» لتلاقي النجاح المأمول، ثم تنتقل بين دول الخليج فتكتب بحثاً متخصصاً في «العطر التراثي»: أصوله ومكوناته وأشهر العطارة في الخليج. وقد دفعها حبها للعطر إلى تدريب المهتمين بهذا المجال، بعد أن أعدت نفسها بدورات في فن الخطابة والإلقاء.

العام الماضي ـ و«عائشة» في قمة سعادتها ونجاحاتها ـ تم تشخيص حالتها الصحية بأنها مصابة «بسرطان الثدي» من الدرجة الثانية، تقول «عائشة»: لم أصدق الخبر في البداية، فكيف يصيبني هذا المرض؟! لكن حدث الذي حدث، فغادرتُ إلى أميركا في رحلة علاج استغرقت عاماً كاملاً. كانت البداية قاسية، وكنتُ أسأل نفسي كل يوم: هل سأموت؟! وبدأت العلاج الكيماوي، وما يصاحبه من أعراض مجنونة تهد الجبال، لكنني وجدت الحل عندما رأيت حب الناس لكل كلمة أنطق بها أو أكتبها، فكان ذلك حافزاً لي بأن أتخطى هذه المرحلة بكل قوة، وشرعتُ في تغيير أسلوب حياتي فأصبح أكثر نشاطاً، وأكثرت زياراتي إلى المرضى هناك لدعمهم، ثمّ بدأت أعود للطبخ، وممارسة الرياضة، وزيارة أماكن جديدة حتى رجعتُ للوطن قبل أشهر بحمد الله.

اليوم لم أعُدْ إلى شغفي بالعطور فقط، بل أصبحت أتنقل بين المدارس والجهات الحكومية، أحكي لهم تجربتي مع المرض لأعلنها بكل يقين: أنا اليوم أكثر تسامحاً، أكثر عطاءً، أكثر سعادة، وهذا من فضل ربي!

madhloom@hotmail.com

@Saeed_AlSuwaidi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر