أبواب

البقاء للألطف

محمد حسن المرزوقي

يقول علماء التطوّر إن الإنسان تعب يوماً من المشي على أربع فانتصب واقفاً على قائمتين، ومنذ ذلك اليوم، الذي يقدّر بآلاف السنين، أعلن الإنسان الأحكام العرفية في الأرض، ونصّب نفسه حاكماً ومالكاً لكل ما يدبّ عليها من حيوانات وحشرات ونباتات!

ثم ازداد الإنسان انتصاباً، حتى لم يعد يرى ما يدبّ تحت قدميه، أو ــ بتعبيرٍ أدقّ ــ يراه دون أن يكترث إن دهسه بكعب حذائه (المصنوع غالباً من جلد تمساح أو ثعبان).

قاعدة «البقاء للأقوى» هي التي أوصلت الإنسان إلى ما هو عليه اليوم، لكن قاعدة أخرى، هي قاعدة «البقاء للألطف»، ستضمن بقاءه، فبقاؤنا مرهون بحفاظنا على حيوانات ونباتات الأرض ورعايتها.

الحيوان لا يخطف حيواناً آخر كي يغتصبه، كما أنه لا يقتله أو يلقيه في الصحراء كما يفعل الإنسان، فلماذا نصرّ على وصف مرتكبي هذه الجرائم بالحيوانات؟

فالإنسان، منذ استطالت قامته، صادر الأرض بما فيها ومن عليها، وغرس في خاصرتها لافتة كتب عليها «ملكيّة خاصة»، متناسياً أن البشر بكونهم خلفاء الله في الأرض، يجب أن يحيوا ويسمحوا لغيرهم بالعيش.

إننا نسخر دائماً من عبارة «حقوق الحيوان» التي يرددها أشخاص نعتقد أنهم مجانين، وكأننا نرفض ضمناً أن يكون هنالك حقوق لكائنات أخرى غير الإنسان، كونه ــ أي الإنسان ــ يجلس وهو يضع قدماً على أخرى وبيده سيجارة، على قمة السلّم التطوري، لكن لنتخيل لدقائق أن الأمور لم تجرِ على هذا النحو، أو جرت وفق سيناريو آخر دخل فيه طرف آخر، فلو فرضنا أنّ الجنس البشري قد صادف يوماً ما أنواعاً أخرى من الحياة العاقلة أكثر تطوّراً منه، كأن يأتي زائر من المريخ وبيده صك ملكية يمنحه حق التصرف بكل ما يملأ الكرة الأرضية، بما فيها البشر، فإن «حقوق الإنسان» ستبدو عندها أضحوكةً بالنسبة له، كما تبدو «حقوق الحيوانات» بالنسبة لبعضنا اليوم!

لكن بعيداً عن السيناريو المحتمل لقصص الخيال العلمي يجب علينا الإدراك أن كل مخلوقات الله لها قيمة وتالياً حقوق، ويجب ألا يتم التجاوز عليها وعلى حقوقها أو السخرية منها، ويجب كذلك ألا نجعلها تعاني من دون ضرورة كما يقوم بعض العابثين، إلا إذا وافق من يقطع ذيل قطة بغرض المتعة أن يأتي كائنٌ متخيل من المريخ ويبتر إحدى ساقيه، أو يحرقه حياً كما يحرق البعض ثعالب وكلاباً وقططاً، ويصورون جرائمهم وينشرونها على الملأ دون خوف من حساب أو عقاب!

يزعم العالم النفساني فيكتور نيل، أن القسوة سلوك بشري بشكل حصري، وفي تعريفه للقسوة، يقول «القسوة هي تعمّد إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بكائن حي، وأكثر سماته إثارة للاشمئزاز الاستمتاع الذي يتجلّى عند مقترفها». ومع ذلك لا يخجل الإنسان من تنصّله من هذه الصفة واتهام الحيوان بها (ربما لأن الحيوان لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أمام افتراءات البشر)، فنلجأ ــ لا شعورياً ــ عند الحديث عن جريمة ارتكبها أحد أبناء آدم وحواء إلى وصفه بـ«الحيوان»، نضعها هكذا بين هلالين مزدوجين كوحش، يقبع وراء القضبان، نخشى أن يهرب، مع أننا لو فكرنا ملياً فسنجد أن الحيوان لا يخطف حيواناً آخر كي يغتصبه، كما أنه لا يقتله أو يلقيه في الصحراء بعد ذلك كما يفعل الإنسان، فلماذا نصرّ على وصف مرتكبي هذه الجرائم بالحيوانات؟

إذا كان علماء التطور يقولون إن قاعدة «البقاء للأقوى» هي التي أوصلت الإنسان إلى ما هو عليه اليوم، فإن قاعدة أخرى، هي قاعدة «البقاء للألطف» ستضمن بقاءه، فبقاؤنا مرهون بحفاظنا على حيوانات ونباتات الأرض ورعايتها.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر