5 دقائق

أحمد الزارعي

د.سعيد المظلوم

ما إنْ أنهى روبن شارما – الخبير في القيادة وتطوير الذات – محاضرته لإحدى كبرى شركات الاتصالات في أميركا حتى تقدمتْ نحوه امرأة، وهي تمسح دموعها، فتبادره بالقول: حضرت لك الكثير من الندوات، وقرأت كل كتبك، لأنك كنتَ ولاتزال تذكرني بوالدي! الذي توفي قبل أشهر! ثم أردفتْ قائلة: هل تصدق أن عدد الذين حضروا لتشييع جنازته فاق الـ5000 شخص، بل لقد ودّعه كل سكان مدينتنا بلوعة وحزن! فقال لها مستغرباً: هل كان والدك غنياً، أو سياسياً، أو كاتباً مشهوراً، أو ذا منصب كبير؟ هل كان من المشاهير؟ أجابتْ: لا، أبداً لم يكن من هؤلاء. والدي كان إنساناً عادياً، طبيعياً لا يملك مالاً وفيراً، ولا منصباً مرموقاً، لكنه كان يملكُ ابتسامة عريضة، وكان يحترم الإنسان، ويُعينُ المحتاج..! باختصار: كان أبي رجلاً صالحاً.

يظنون أن أطيبَ الناس أضعفُهم! ولا يدرون أن أقوى الناس أطيبُهم قلباً.

في المرحلة الثانوية، توطّدت أواصر الصداقة بيني وبين شاب لطيف مهذب وعلى خلق، إنّه «أحمد الزارعي» صاحب الصوت الشجي الذي يتذكره جيداً أهل مسجد أسماء بالشارقة وفي رمضان خصوصاً، وأنا شخصيّاً لا أنساه ما حييت، فأوّل مناسك عمرة أدّيتها في حياتي كانت بصحبته، وأوّل سعي بين الصفا والمروة كان برفقته، كان يرتل الآية ـ بصوته الرخيم ـ وأنا أردد وراءه: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا...».

منذ بضع سنوات وافاه أجله في حادث سيْر، فكان نبأً مفجعاً لكل أحبابه! نعم، لقد فارقنا «أحمد» بجسده، لكنه لم يفارقنا بروحه، أعرف من أطلق على ولده البكر «أحمد» وأعرف من بنى له مسجداً، وكفل عنه يتيماً، وأعرف من لا يفارقهم ذكره بالدعاء، باختصار: كان أحمد رجلاً صالحاً.

نعود إلى روبن شارما حين يقول: يظنون أن أطيبَ الناس أضعفُهم! ولا يدرون أن أقوى الناس أطيبُهم قلباً. فمن السهولة جداً أن تكون أنانياً، أو كثير الشكوى، أو غاضباً عابساً! لكن ليس من السهل أن تجد طيبَ القلب! ثمّ يختم كلامه قائلاً: القيادة لا تعني الفوز بمحبة الجميع، إنها القدرةُ على فعل الصواب! والصوابُ هو: «أن تترك ذكرى طيبة».

madhloom@hotmail.com

@Saeed_AlSuwaidi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر