‏‏

‏أقول لكم‏

‏مقاومة التوقيع هي التي تجعلنا حتى اليوم، نقول إن القدس الشرقية يجب أن تعود، وأن الأقصى المبارك يجب أن يتحرر، كان الفارق الزمني لا يتجاوز بضع ثوانٍ، وكلنا نستطيع أن نقدرها بالقياس ونحن نوقع كل يوم على أوراقنا، فليس هناك أسهل من التوقيع وأسرع منه، هي «شخطة قلم» كما نقول، ولكن في «كامب ديفيد» وعند ياسر عرفات، رحمه الله، كانت تلك «الشخطة» شيئاً عظيماً، وقد أثبتت الأيام أنها أعظم من الحياة نفسها، ومن رغد عيشها، فالمقابل كان أكبر من الحياة وأكبر من الاختيار، ولهذا كان القرار سهلاً، فوضع الرجل قلمه في جيبه وعاد إلى مصيره راضياً بكل شجاعة.

أذكر أن مفاوضات جرت في النصف الثاني من التسعينات لبحث قضية الحل النهائي والقدس، يوم تسربت أنباء عن قدس جديدة للعرب في «أبو ديس» واحتفاظ إسرائيل بالبؤر الاستيطانية في الضفة، وإدارة مشتركة للحرم القدسي، أو دولية، مع مرور المسلمين عبر طريق ضيق فقط، وكانت نسبة الأرض التي ستعود ترتفع وتنخفض حسب المساومات، يومها سألت أحد معاوني ذلك المسؤول الفلسطيني الذي شارك في المفاوضات عن حجته لقبول مثل هذا الاتفاق ، فقال «فلان يقول هذا ما قدرت عليه ومن يستطع أن يحصل على أكثر من ذلك مستقبلاً فليفعل»، ورددت بأن التنازل والتوقيع على الاتفاق سيمنح الإسرائيليين وثيقة أبدية يحاجون بها الأمة والعالم، وستكون تلك الاتفاقية بمثابة منح حق لليهود لم يحلموا به أبداً»، وحملت المعاون رسالة إلى ذلك المسؤول، قلت له «أخبره بأن تلك الأرض أُخذت من غيره، وهو غير مسؤول عن استعادتها، ولن يحاسبه أحد إذا فشل في استرجاع الأرض، ولكنه سيحاسب إذا تنازل عن شبر واحد، فهذه ليست أرضه، ولم يتملكها والده، ولا يحق له التصرف فيها»، وقد يكون المسؤول مازال مسؤولاً، ولكنه لم يوقع أي اتفاق يعطي الغاصب ما لا يملك، ولن يفعل أبداً، فهذه مقاومة تستحق أن نشيد بها لا أن نقول إنها «كلام فارغ»، فكل فعل يؤكد الحقوق ويرفض الخضوع للإغراءات والتهديدات هو فعل مقاوم، ولن يكون أقل تأثيراً من مقاومة تلك الأم الثكلى التي تقف فوق نعش ابنها وعيناها عصيتان على الدمع.‏

‏myousef_1@yahoo.com

 

تويتر