توفر للمستخدمين بيئة تصفّح خالية من الإزعاج.. لكنها تضر بالبنية الاقتصادية الداعمة للويب
أدوات حجب الإعلانات.. وسيلة للمُطالبة بترويج أفضل على الإنترنت
يُمكن اعتبار الإعلانات في الإنترنت سبباً رئيساً في مشكلاته، وأيضاً الحل للكثير منها، فالإعلانات تُمثل مصدر التمويل الأساسي للمواقع والصحف الإلكترونية والكثير من التطبيقات والألعاب والشركات الكبيرة والناشئة التي باتت مُنتجاتها جزءاً أساسياً من تجربة استخدام الإنترنت؛ وفي المُقابل، تعتمد الإعلانات على جمع بيانات المستخدمين بشراهة من خلال آليات التعقب، لتُشكل أحد أكثر ممارسات الإنترنت تعدياً على خصوصية الأفراد.
وحالياً يهرب أعداد كبيرة من مُستخدمي الإنترنت من سيل الإعلانات الذي يُحاصرهم أينما حلوا في الشبكات الاجتماعية والمواقع والفيديو، مُتسلحين بأدوات حجب الإعلانات التي تُوفر لهم تجربة تصفح خالية تقريباً من جميع الإعلانات التي تحول بينهم وبين المحتوى المنشود، وتُوفر لهم أكثر من ميزة؛ فتسمح بعمل متصفحات الإنترنت بشكل أسرع، واستهلاك قدر أقل من النطاق الترددي، وبالتأكيد تجربة تصفح أقل إزعاجاً وازدحاماً.
وتتأكد بمُضي الوقت وتراكم البيانات شعبية أدوات حجب الإعلانات التي بدأت قبل سنوات، وارتفعت في الفترة الأخيرة لدرجة يراها بعض العاملين في مجال الإعلانات ذات تأثيرات كارثية في البنية الاقتصادية التي تدعم الويب. الأمر الذي أثار نقاشاً حول الجانب الأخلاقي في إضافات حجب الإعلانات.
ويرى بعض الناشرين والمُعلنين أن استخدام مثل هذه الأدوات يخل بالعقد الضمني الذي يُنظم الإنترنت، ويمنح المستخدمين محتوى مجانياً نظير تسامحهم مع السيل الجارف من الإعلانات، بحسب ما تناول فرهاد مانجو في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
لكن على المدى الطويل، ربما تكمن فائدة خفية للناشرين والمعلنين في استخدام أدوات حجب الإعلانات؛ فقد تُسهِم في نهاية المطاف في إنقاذ صناعة الإعلانات من أسوأ تجاوزاتها، وفي حال انتشر حجب الإعلانات فسيدفع إلى تقديم إعلانات أكثر بساطة وأقل تغلغلًا في تجربة الاستخدام، كما سيصير قطاع الإعلان أكثر شفافية بشأن أسلوب التعامل مع بيانات المستهلكين، ومن دون ذلك قد يُخاطر بتقبل حجب الإعلانات إلى الأبد.
ولفت المُتحدث باسم شركة «إيو»، التي تُصدر إضافة «آد بلوك بلس»، الأداة الأكثر رواجاً لحجب الإعلانات، بن ويليامز، إلى ما يُعانيه نظام الإعلانات من مُشكلات، وقال: «ما نحتاج إليه هو تغيير جذري في الصناعة لنبلغ وضعاً فيه قدر لا بأس به من الإعلانات الجيدة، إعلانات يتقبلها المُستخدم».
وفي الواقع، ربما لا تملك صناعة الإعلانات رفاهية الانتظار فترة أطول.
وأظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي، عن شركتي «أدوبي»، و«بيغ فير» الأيرلندية الناشئة، أن هذه الأدوات ستُكلف الناشرين 22 مليار دولار من العائدات خلال العام الجاري. وقدر عدد مستخدمي أدوات حجب الإعلانات بـ200 مليون شخص، وهو رقم يشهد تصاعداً سريعاً بمعدل 41% على المستوى العالمي سنوياً.
وفي الوقت الراهن، يتركز استخدام إضافات حجب الإعلانات في متصفحات الويب للحواسيب المكتبية، لكن هذا الوضع في سبيله للتغير قريباً، حين تُطلق «أبل» الإصدار الأحدث لنظام تشغيل أجهزتها المحمولة «آي أو إس 9» خلال شهر سبتمبر المُقبل، وستسمح بدعم تطبيقات حجب الإعلانات.
وبالفعل يعمل العديد من مُطوري إضافات حجب الإعلانات على تطوير تطبيقات للنظام الجديد، ستسمح للمستخدمين بالتخلص من الإعلانات في نسخة متصفح «سفاري» لهواتف «آي فون» وربما في التطبيقات الأخرى التي تقود إلى صفحات ويب.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «بيغ فير»، المعنية بمتابعة أدوات حجب الإعلانات، شون بلانشفيلد: «من المُرجح أن 200 مليون شخص يستخدمون أدوات حجب الإعلانات الآن، دعنا نقول أن نصفهم يمتلك (آي فون)، وسيُثبتون واحداً من هذه التطبيقات».
وأضاف: «سيبدأون إخبار جميع أصدقائهم عن هذا التطبيق المذهل الذي يُوفر في طاقة البطارية وفي البيانات، ويُسرع تصفح الويب، ومن المُرجح أن ينتشر على نطاقٍ واسع، وسيعتاد الكثير من الأشخاص نيل تجربة استخدام في المحمول خالية من الإعلانات».
وتبيع الشركة لناشري مواقع الإنترنت تقنية تسمح لهم بعرض الإعلانات لمُستخدمي إضافات حجب الإعلانات.
وأشار بلانشفيلد إلى اختبار عدد من المواقع الكبيرة لبرمجية شركته، التي تعتمد على استخدام تقنية الشبكات على مستوى منخفض للالتفاف على برمجيات حظر الإعلانات، فيما رفض الإفصاح عن تفاصيلها لضمان الاحتفاظ بالسبق على شركات الإعلانات.
ويبدو الإصرار على عرض الإعلانات لأشخاص قرروا اللجوء إلى أدوات حجبها، أشبه إلى حدٍ كبير بالبريد الإلكتروني المُزعج. لكن من نظرة أخرى قد يقود إلى عرض إعلانات أفضل من ناحية النوعية.
وقال بلانشفيلد إن استراتيجية شركته تكمن في تخفيف غضب المستخدمين بإظهار إعلانات غير مُتطفلة، ما يعني إعلانات تخلو من الصور المتحركة، ولا تحجب صفحات المحتوى الذي يودون قراءته أو مُشاهدته، كما لن تتضمن آليات لتعقب تصفح المستخدمين للإنترنت.
ومن خلال اتجاه الشركات إلى عرض إعلانات بسيطة والالتزام بالشفافية، قال بلانشفيلد إن «بيغ فير» ستُعيد التعقل إلى قطاع الإعلانات: «نحن كصناعة خسرنا ثقة مستخدمينا، وهم محقون؛ فهناك الكثير من الإعلانات بالغة السوء، لدينا فرصة واحدة للقيام بذلك على نحوٍ صحيح».
وتُعد «بيغ فير» واحدة من بين شركات أخرى تُحاول بناء نظام يُوفر إعلانات ذات نوعية أفضل، وبعد خلافات حول تأثير أدوات حجب الإعلانات في صناعة النشر، أصدر مطورو «آد بلوك بلس» مُبادرة باسم «إعلانات مقبولة» تسرد معايير عدة للإعلانات التي ستسمح الأداة بعرضها لمستخدميها.
وتشمل «الإعلانات المقبولة» تلك الخالية من الصور المتحركة، والتي لا يُمكنها حجب المحتوى المطلوب. وتحصل «إيو» على رسوم من بعض الشركات الكبيرة نظير السماح بعرض إعلاناتها، فمثلًا تدفع «غوغل» مُقابل إظهار إعلان محرك البحث لمُستخدمي إضافة «آد بلوك بلس».
وتُوفر شركة «جوستري» Ghostery للمُستخدمين إضافة تحجب أدوات التعقب على الإنترنت. وبحسب الشركة، توسع استخدام طرق التعقب خلال السنوات الأخيرة؛ نظراً إلى سهولة تطبيق برمجيات التسويق المُستخدمة في تحليل سلوك المستهلكين عن ذي قبل.
ورصدت «جوستري» 22 أداة تتبع في صفحة من موقع «سليت»، و18 في صفحات «بيزنس إنسايدر»، و22 إضافة في موقع صحيفة «وول ستريت جورنال»، ووصل العدد في صفحات «نيويورك تايمز» إلى 26 أداة تعقب. ولا تُشير مثل هذه الأدوات فقط إلى محاولات تكوين ملفات شخصية مُفصلة عن سلوكيات المستخدمين، لكنها أيضاً تُهدر الوقت، ويُمكن اتهامها في كثيرٍ من الأوقات بالتسبب في بطء تحميل صفحات الإنترنت.
وتهدف «جوستري» إصلاح هذا الوضع، وتُرسل مقابل الحصول على رسوم مالية تقارير إلى ناشري المواقع التي تُبطئ آليات التعقب عرض صفحاتهم، وهو ما قد يُسهِم في تحسين سُبل عرض الإعلانات. كما ستُطلق الشركة قريباً أداة «جوستري سكور» التي تُبين للمستخدمين المواقع التي يُمكنهم الوثوق بها استناداً إلى آليات التعقب التي تعتمدها.
وتتضح المفارقة في موضوع حجب الإعلانات أن شركات «بيغ فير» و«جوستري» وأداة «آد بلوك بلس» جميعها تعتمد بدرجات مُتفاوتة على اهتمام المستهلكين بتصفح الإنترنت من دون إعلانات، ويسعون جميعاً إلى ابتكار طرق لعرض إعلانات أفضل.