يُطور من المهارات الحسابية واللغوية للأطفال وقدراتهم على حل المشكلات

«سكراتش جي آر».. تطبيق البرمجة لمرحلة رياض الأطفال

صورة

من الممكن أن يُلائم وصف «جيل الشاشات اللمسية» الجيل الحالي من الأطفال؛ إذ يبدأ كثيرٌ منها في اكتشافها مبكراً جداً مع خطواتهم وكلماتهم الأولى وأحياناً قبلها. وتألف أناملهم الرقيقة التعامل مع الأصوات والحركات مباشرةً ودون وسيط مثل لوحات المفاتيح والفأرة، كما هي الحال في أجهزة الكمبيوتر التقليدية.

وينشأ الأطفال حالياً على اعتبار الحوسبة شيئاً طبيعياً وفورياً، ويعتمد هذا النوع من التفاعل السلس بالأساس على التطبيقات المتنوعة التي تتوافر للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إلا أن التفاعل المستمر الذي يبدأ مبكراً أحياناً ما يُفقد الأطفال تقديرهم لما وراء التطبيقات وكيفية تطويرها، والتفكير في تطوير تطبيقات مماثلة لها، أي أن يتذكر الأطفال أنهم يتعاملون مع آلة، وليس بوابة سحرية.

وربما يُمثل هذا عيباً في تعامل الأطفال مع الشاشات اللمسية؛ فنظراً لأن استخدامها يبدو طبيعياً جداً، فقد ينسى الأطفال أنها آلات ابتكرها وصممها أشخاص آخرون، فيكتفون بمكانهم في جانب المستهلكين. وبحسب ما كتب ماركوس ولسون في مقال نشره موقع «ويرد»، لا تعد هذه الحركة التي تسير في اتجاهٍ واحد بدايةً جيدة للجيل المُقبل في ما يتعلق بالتكنولوجيا.

ويعمل تطبيق جديد طوروه باحثون في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» على علاج هذا الجانب؛ إذ يهدف «سكراتش جي آر» ScratchJr إلى تعليم الأطفال الصغار كيفية البرمجة من خلال الوسيط الذي ألفوه، وهو كمبيوتر «آي باد» اللوحي. ويُشجع الأطفال على إنشاء قصص وألعاب تفاعلية باستخدام قوالب أو مربعات برمجة رسومية.

ويجمع الأطفال كتلاً رسومية معاً لتحريك الشخصيات، لتقفز أو تغني أو ترقص، كما يُتيح التطبيق لمستخدميه الصغار تعديل الشخصيات بأدوات الرسم، وإضافة أصواتهم الخاصة وحتى صورهم واستخدام قوالب البرمجة لتحريكها.

وبحسب ما قال مدير مجموعة أبحاث «رياض الأطفال مدى الحياة» في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، ميتشل ريسنيك، فإن «هذه أداة يمكن استخدامها لإخراج أصواتهم إلى العالم، وليس فقط استهلاك ما يقوم به الآخرون».

ويعتمد تطبيق «سكراتش جي آر» على لغة البرمجة «سكراتش» التي قدمها المعهد قبل سنوات، وتُتيح للصغار تطوير ألعاب ورسوم متحركة من خلال التحكم في مربعات على الشاشة، ويستخدمها ملايين الأطفال في مختلف أنحاء العالم لتعلم البرمجة.

ويستند كلا المنتجين على الفرضية نفسها؛ فعوضاً عن استخدام النصوص والتعليمات البرمجية، تعتمد «سكراتش» على تركيب واختيار قطع ملونة تُحاكي البُنى والمهام المنطقية القائمة في لغات البرمجة العادية، وتُقدم البرمجة للأطفال بعيداً عن الجمل الغامضة، على أمل جذب اهتمامهم.

وأعاد فريق «سكاتش جي آر» تصميم الواجهة، وتطوير لغة «سكراتش» لتتلاءم مع التطور المعرفي والاجتماعي والعاطفي للأطفال في هذه المرحلة. ويتسم التطبيق الجديد بقدرٍ أقل من التعقيد؛ فبينما تستهدف لغة «سكراتش» الأطفال في عمر الثامنة وأكثر، يُركز التطبيق على الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الخامسة والسابعة.

ويُمكن للأطفال التحكم في تطبيق «سكراتش جي آر» بشكلٍ كامل تقريباً بالاعتماد على الرسوم، ما يجعله مناسباً للأطفال الصغار قبل إجادتهم القراءة. وربما المرة الوحيدة التي يتطلب «سكراتش جي آر» استخدام لوحة المفاتيح تكون إذا ما رغب الطفل في تغيير الكلمات التي تظهر على لسان الشخصيات. ومع ذلك يتمكن الأطفال من تطوير ألعاب وبرامج بسيطة وممتعة فقط من خلال لمسات على الشاشة، وهو نشاط محبب بالنسبة لكثيرٍ منهم.

وفي الوقت نفسه، لا يغفل التطبيق تعليم المهارات الحسابية الأساسية مثل التسلسل والتكرار، وهي قيم أساسية في هدف لغة «سكراتش» في تعليم البرمجة، باعتبارها نوعاً من القراءة والكتابة. وقال ميتشل ريسنيك: «البرمجة هي محو الأمية الجديدة، وكما تساعدك القراءة على تنظيم تفكيرك والتعبير عن أفكارك، ينطبق الشيء نفسه على البرمجة».

وأضاف: «في الماضي، كان يُنظر إلى البرمجة كأمر بالغ الصعوبة بالنسبة لمعظم الأشخاص، لكننا نعتقد أن البرمجة ينبغي أن تكون للجميع تماماً مثل الكتابة».

ويُؤكد «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» للآباء والمعلمين أن «سكراتش جي آر» يُقدم ما هو أكثر من تعليم الأطفال البرمجة، فيُطور من المهارات اللغوية والرياضية للأطفال، وكذلك قدرتهم على حل المشكلات.

وقالت الأستاذة في قسم «إليوت-بيرسون» لدراسة الطفل والتنمية الإنسانية في «جامعة تافتس»، مارينا أوماسشي بيرز: «بينما يبرمج الأطفال الصغار بواسطة (سكراتش جي آر)، فإنهم يُنمون مهارات التصميم وحل المشكلات التي تُعد أساسية للنجاح الأكاديمي في ما بعد».

وأضافت بيرز، التي تدير مجموعة أبحاث «التقنيات التنموية» التي شاركت في تطوير التطبيق، أن مع استخدام الرياضيات واللغة في سياقٍ هادف، يُطور الأطفال الحساب ومعرفة القراءة والكتابة في مرحلةٍ مبكرة.

وبدأ مشروع «سكراتش جي آر» بحملة عبر موقع «كيكستارتر» للتمويل الجماعي، نجحت في جمع نحو 77 ألف دولار، وتجاوز الهدف المحدد بجمع 25 ألف دولار خلال يومين فقط.

وشارك في تصميم وتطوير التطبيق مجموعة أبحاث «رياض الأطفال مدى الحياة» التابعة لمختبر «وسائط الإعلام» في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، وفريق «التقنيات التنموية» في «جامعة تافتس» الأميركية، فضلاً عن شركة «بلايفول إنفشن» في مدينة مونتريال الكندية، كما أسهم في تمويل المشروع جهات منها «مؤسسة العلوم الوطنية»، و«مؤسسة ليغو»، وشركة «الاتصالات البريطانية».

ويتوافر تطبيق «سكراتش جي آر» مجاناً لأجهزة «آي باد» اللوحية، ويعمل مطوروه على توفير نسخة أخرى لنظام تشغيل «أندرويد» في وقتِ لاحق من العام الجاري، وهو ما وعدوا به حال جمعوا مبلغ يزيد على 60 ألف دولار عبر حملهم في «كيكستارتر». كما يعمل الفريق على إضافة خصائص جديدة لمشاركة المشروعات، وإعداد منهج ومواد مساعدة يستفيد منها الآباء والمعلمون.

وينضم تطبيق «سكراتش جي آر» إلى عددٍ من تطبيقات الهوتف الذكية والأجهزة اللوحية التي تحاول تعليم الأطفال مهارات البرمجة، ومنها «تينكر» Tynker الذي يتوافر لنظاميّ «آي أو إس» و«أندرويد»، وتطبيقات «Move The Turtle»، و«Hopscotch HD»، و«Lightbot».

وفي وقتٍ لاحق من العام الجاري، ستضيف شركة «آي بلاي» الأميركية تطبيقاً لتعليم البرمجة يُرافق روبوتين للأطفال هما «بو» و«يانا»، ويُمكن للأطفال التعلم من خلال إعطاء أوامر للروبوت بالعزف، أو الحركة، أو تمثيل قصص معينة. كما ستبدأ شركة «كان» البريطانية بشحن عدة للأطفال لبناء الكمبيوتر. وبدأت كلتا الشركتين بحملتين ناجحتين في مواقع التمويل الجماعي.

وحالياً يحظى تدريس علوم الكمبيوتر والبرمجة باهتمامٍ كبير؛ سواءً من حكومات تسعى إلى إضافتها إلى المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم، أو من أسر ترى في تعليم الأطفال البرمجة ضماناً لدراسة وعمل مربح مستقبلاً. وفوق ذلك كله، يبدو من الصعب تجنب التقنيات الرقمية التفاعلية كعنصر أساسي في نمو الأطفال هذه الأيام.

ولذلك يظل الجانب الأهم هو محاولة تشكيل علاقة الأطفال بالتكنولوجيا؛ كأن يعرفوا أن ما يروه من روبوتات يُمكنهم تفكيكها وتركيبها، وأن بمقدورهم تطوير تطبيقات وألعاباً تماماً كتلك التي يستخدمونها، ما يعني أنه ليس عليهم القيام دائماً بدور المتلقي السلبي.

تويتر