حسم اختلاف الآراء لم يعد لمصلحة الحجة الأقوى أو الخبرة الأطول

الاختبارات الإحصائية تُغيّر شكل مواقع الإنترنت وأسلوب اتخاذ القرار

صورة

يقف وراء عشرات التصميمات، التي نشاهدها يومياً في مختلف مواقع الإنترنت، تجارب متعددة لمصممين ومطورين، ونقاشات مطولة حول درجة اللون الأفضل والصورة الأنسب لمحتوى الموقع، وبينما كان من المعتاد حسم اختلاف الآراء بين أفراد فريق العمل لمصلحة الحجة الأقوى أو الخبرة الأطول، يلجأ ناشرو الإنترنت بصورة متزايدة إلى التجارب والاختبارات، لاتخاذ القرار وتحديد التصميم الأفضل.

ويعتمد الناشرون في ذلك على تقنيات لاختبار أداء نسختين أو أكثر من الموقع، وأحياناً تكون الاختلافات بينهم طفيفة جداً كإطار حول الصورة أو درجة اللون، ثم يحددون التصميم النهائي بحسب نجاح كل نسخة في تحقيق الهدف المرجو منها كإقناع الزوار بالتسجيل في الموقع، أو الاشتراك في النشرة البريدية.

ومع ما تقدمه مثل هذه الحلول الأشبه بالتجارب العلمية من مساعدة للمواقع، بتجنب تضارب الآراء، فإنها تؤثر شيئا فشيئاً في شكل وذوق مواقع الإنترنت عموماً، كما تُعيد تشكيل طريقة اتخاذ القرارات لدى الناشرين والمصممين، بحسب ما أشار إليه أنطونيو ريجالادو في مقال نشره موقع مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» الأميركية.

وأشار المقال إلى تجربة شركة «1-800-دينتست» الأميركية، المتخصصة بالبحث عن أطباء الأسنان، فطالما واجه المسؤولون عن الموقع حيرة كبيرة، وخاضوا نقاشات طويلة وعديمة الجدوى لاختيار الصورة الأفضل، لحث المستخدمين على التسجيل بالاسم ورقم الهاتف، وبدلاً من الاختلافات المعتادة لجأت إلى اختبار نسختين من الصفحة، وبعد زيارة آلاف عدة من المستخدمين، تحسم قرارها باختيار النسخة التي نجحت في جذب العدد الأكبر من المستخدمين.

وقال مدير تحليلات الويب والاختبار في شركة «1-800-دينتست»، إليوت خاركاتس، إنه كان من المعتاد نشوب معركة بين الآراء المختلفة في الشركة، فينزعج المصمم ويتدخل رئيس الشركة، لكن لم يعد هذا الأمر يحدث مجدداً، ولا يوجد من يتمسك بنسخته ورأيه؛ لأن الاختبارات أظهرت مراراً وتكراراً خطأ أذكى أفراد فريق العمل. كما أن النتائج تُمثل مفاجأة، وتنجح إحدى الصور التي لم يتوقع أحد نجاحها. وتُعرف الاختبارات التي تستعين بها «1-800-دينتست» باسم اختبارات «أيهبي» أو «أب»، وعادةً تستخدم في مجال تطوير مواقع الإنترنت وتحسين تجربة المستخدم، وهي تجارب إحصائية تختبر تأثير متغير أو أكثر في تصميم الموقع، لاختيار أكثرها نجاحاً وتحقيقاً للهدف، وأجرتها شركة «أوبتيميزلي»، التي أسسها قبل أربع سنوات مديرا المنتجات في شركة «غوغل»، دان سيروكر وبيتي كومين، والتي تستخدم هي الأخرى هذا النوع من الاختبارات على نطاقٍ واسع لتقييم كيفية عرض نتائج البحث.

وتقول «أوبتيميزلي» أنه يمكن تحديد التصميم الفائز بعد عدد قليل من الزيارات مثل 100 زيارة، لكن الواقع العملي يختلف، واختبرت «1-800-دينتست»، التي تتخذ من مدينة لوس أنجلوس مقراً لها، النصوص والصور لنسخ مختلفة عدة من صفحات الهبوط، وقدرت الحاجة إلى 150 ألف زيارة لاكتشاف الفارق، وهو ما يمكن أن يستغرق شهوراً، بحسب خاركاتس. وتعتقد شركة «أوبتيميزلي» أنه يمكن استخدام تقنيات التحسين مع أي موقع، سواءً كان كبيراً أو صغيراً، وكانت الشركة قد حظيت ببعض الشهرة مع مشاركة سيروكر الوثيقة مع حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما عام 2012، وهي الحملة التي حطمت أرقاماً قياسية في جمع التبرعات عبر موقعها على الإنترنت.

وأسهمت اختبارات «أيهبي» في تحسين موقع الحملة بشكل مستمر، وتقييم كل تغيير في الصفحة المخصصة لجمع التبرعات، واكتشاف تحسينات مؤثرة، ومن بين ما توصلت إليه الاختبارات مع مضي السباق الانتخابي لبعض الوقت، أن إضافة رسالة شخصية من أوباما مثل «قف معي، اعمل معي...» أدت إلى زيادة في تبرعات زوار الصفحة بنسبة 11.3%.

ومع ذلك، فكثيراً ما أحبطت نتائج الاختبارات مسؤولي الحملة، فلم تكن نتائجها مضمونة دائماً. وأشار رئيس قسم التحسين في «أوبتيميزلي» والمسؤول عن اختبارات موقع حملة أوباما، كايل راش، إلى أنه قال ذات مرة: «أدخلنا تعديلات وستُقلل من معدل التحويل بنسبة 30%، لمدة ثلاث ساعات»، وهو ما تسبب في حالة من الذعر، وأشار إلى أن السبب يرجع إلى رغبة الحملة في تجنب المخاطر، وهو ما لا يجب أن يوجد لدى الشركات.

ويتزايد عاماً بعد آخر إقبال مواقع الإنترنت على استخدام اختبارات «أيهبي» لتحسين تصميماتها، وحالياً تستخدم ما لا يقل عن 15% من أهم 10 آلاف موقع هذه الاختبارات، وفق بيانات شركة «بيلت ويز» الأسترالية التي تفحص المواقع لتحديد برمجيات الطرف الثالث المستخدمة فيها.

ومن بين مستخدمي اختبارات «أيهبي» مؤسسة «ويكيميديا»، التي تنشر موقع «ويكيبيديا»، واختبرت تعديلات مختلفة لرسالتها لجمع التبرعات في عام 2013، ووصف المتحدث الرسمي نتائج الاختبارات بأنها «رائعة»، وقالت المؤسسة إنه كلما زادت فاعلية نداءاتها، كلما احتاجت إلى نشر عدد أقل منها.

ومع المزايا التي توفرها مثل هذه الاختبارات، يتخوف البعض من أن يؤدي شيوعها وتزايد الاعتماد عليها إلى طغيان ذوق المجموع، وتقليص أهمية آراء المهنيين أو الفنانين. وفي عام 2009، استقال المصمم الأول في «غوغل» دوجلاس بومان، من الشركة شاكياً عدم قدرتها على الاختيار بين درجتين من اللون الأزرق، ما دفعها لاختبار 41 درجة مختلفة لاختيار الأفضل أداءً، وفي حين أن «غوغل» قالت إن رواية المصمم للقصة ليست دقيقة تماماً، إلا أن هموم المهنيين من التعدي على أدوارهم حقيقية. وأشار كايل راش من شركة «أوبتيميزلي»، أنه يمكن الآن لأي شخص يمتلك البيانات أن يتخذ القرار، ما اعتبره أمراً مخيفاً جداً لكثير من المنظمات، خصوصاً شركات الإعلام التقليدية؛ ففي كثيرٍ من الأحيان، لا يمتلك الناشرون غايات واضحة مع المحررين والمصممين ومندوبي المبيعات، ويدعم كلٌ منهم أهدافاً مختلفة. وقال راش: «في غياب هدف واضح، لن تُساعدك البرمجيات». لكن بعض ناشري الإنترنت يضعون مهمة تحسين مواقعهم في قلب عملية اتخاذ القرار، ومنهم موقع «بَزفيد» الذي بدأ قبل ثمانية أعوام، ويُتقن طرقاً عدة لزيادة مشاهدات صفحاته باستخدام اختبارات «أيهبي» وسواه من التقنيات الإحصائية، ويزور مقالاته المعروفة باسم «ليستكلز»، وهي مقالات تتضمن قوائم من 10 نقاط أو أكثر مثل «10 مشكلات تفهمها فقط الفتيات قصيرات القامة»، 130 مليون شخص شهرياً، وهو ما يزيد على أربعة أضعاف قراء صحيفة «ذا نيويورك تايمز». وفي الواقع تُغير الاختبارات المتكررة تصميمات صفحات الإنترنت، وفي الوقت نفسه لا تفوز التصميمات التي تنجح في الاختبارات الإحصائية بجوائز على المستوى الفني، كما لا تحصل مقالات القوائم «ليستكلز» على جوائز «بوليترز» في الصحافة، وحتى المدافعون عن هذه الاختبارات يعترفون بأنها يمكن أن تقود في النهاية إلى مواقع بسيطة ومتشابهة المظهر.

 

تويتر