الاختلافات اللغوية بين الصين وهونغ كونغ وتايوان زادت من حدة اختلاف الآراء

«ويكيبيديا الصينية».. ساحة للاختلاف حول الثقافة والسياسة

صورة

انطلقت قبل نحو 10 سنوات النسخة الصينية من موسوعة «ويكيبيديا» على الإنترنت، وخلال هذه الفترة نمت تدريجياً لتتضمن حالياً نحو 700 ألف مقال، يعكس بعضها وجهات نظر متعارضة بشأن التاريخ والسياسة والثقافة التقليدية واللغة داخل الصين، البلد الضخم مساحةً وسكاناً، الذي يقع ضمن منطقة تتمتع بقدر كبير من التنوع السياسي والثقافي.

وكثيراً ما تظهر اختلافات المحررين الذين ينتمون إلى الصين وهونغ كونغ وتايوان، داخل المقالات وساحات النقاش، نسخاً مختلفة من الصين، وتزيد الاختلافات اللغوية القائمة من حدة النزاعات، وأحياناً ما تُشعِل مقالات تتناول موضوعات عادية نقاشات حادة بين المساهمين في الموسوعة، فضلاً عن الأحداث السياسية والتاريخية الخلافية، بحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

ومن نماذج المقالات التي تثير الجدل باستمرار، المقال الخاص بالتظاهرات التي قادها الطلبة في ميدان «تيانانمين»، أو «السلام السماوي» في العاصمة الصينية، بكين، بين منتصف إبريل وحتى الرابع من يونيو من عام 1989 للمطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير ومحاربة الفساد، في حين اعتبرتها الحكومة «أعمال شغب معادية للثورة». وانتهت التظاهرات، التي عمت مدناً أخرى، باقتحام قوات الجيش الميدان، ما تسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، تختلف بشأنها التقديرات بين بضع مئات وحتى آلاف الأشخاص. ومنذ بداية النسخة الصينية من الموسوعة، صُنف مقال تظاهرات ميدان «تيانانمين» ضمن فئة «حرب التحرير»، التي تُشير إلى نزاع أو أكثر حول تحرير أحد المقالات وسعي كل طرف إلى تعديل الصفحة لإثبات وجهة نظره، وإلى الآن يتجادل محررو الموسوعة حول ما إذا كانت الأحداث تُصنف باعتبارها مذبحة، أم أن جيش التحرير الصيني قمع الاحتجاجات بالقوة، أم أن السلطات الصينية أخفت حقيقة ما جرى.

من جانبها، تؤكد «ويكيبيديا» أنها لم تفرض رقابة على هذا المقال، على الرغم من حساسية الصينيين تجاه هذا الموضوع، ونقل تقرير «ذا نيويورك تايمز» عن ممثل «ويكيميديا»، المؤسسة الأم لموسوعة «ويكيبيديا»، في هونغ كونغ، تانغو تشان، قوله: «لا تستجيب (ويكيبيديا) لسياسة الرقابة الذاتية التي تنتهجها الحكومة الصينية، يقيناً لا تفعل».

وفي الوقت نفسه، اعترف «تشان» بصعوبة الوصول إلى بعض مقالات «ويكيبيديا» من داخل الصين، بسبب ما يعُرف باسم «الجدار الناري العظيم»، وهي أداة قوية طورتها الحكومة الصينية للرقابة على استخدام شعبها للإنترنت، وبإمكانها تصفية الكلمات الحساسة التي تحددها مسبقاً. ومن بين الموضوعات المطروحة للنقاش على الدوام بين محرري «ويكيبيديا» في الصين، جنسية مواطني منطقة هونغ كونغ، وهي مستعمرة بريطانية سابقة عادت إلى الحكم الصيني عام 1997، وما يزيد تعقيد هذه المسألة أن جوازات السفر التي يمتلكها مواطنو هونغ كونغ تؤهلهم للدخول دون تأشيرة لعددٍ كبير من دول العالم بعكس جوازات السفر الصينية.

وأشار تقرير الصحيفة إلى نموذج لأحد الخلافات الأخيرة حول الموضوع، حين أصرّ بعض المساهمين على استخدام علم جمهورية الصين الشعبية للدلالة على جنسية مواطني هونغ كونغ، إذ كما يعتقد البعض، فإن «هونغ كونغ ليست دولة، ولذلك لا توجد جنسية الصين هونغ كونغ»، ما أغضب مساهمين من هونغ كونغ، وكتب أحدهم باسم «أونيم» قائلاً: «البت في جنسية شخص ليس شيئاً ينبغي لمحرري ويكيبيديا أن يقوموا به».

وتابع: «ليس بإمكان المحررين افتراض أن جميع الأشخاص لديهم جنسية محددة بناءً على قانون الجنسية، خصوصاً أن البعض يتمتع بازدواج الجنسية».

وأسهمت الاختلافات اللغوية في زيادة خلافات المحررين، فبينما تُعد «الماندرين» اللغة الرسمية في البر الرئيس للصين، يتحدث معظم السكان في هونغ كونغ اللغة «الكانتونية»، كما يعتمد البر الرئيس الحروف المبسطة، في حين تستخدم تايوان وهونغ كونغ الحروف الصينية التقليدية.

وبدأت النسخة الصينية من موسوعة «ويكيبيديا» على الإنترنت، عند انطلاقتها في عام 2002، بنسختين، إحداهما بالحروف الصينية المبسطة، واعتمدت الثانية الحروف التقليدية، وبعد نحو سنة اندمجت النسختان في موقع واحد، وسرعان ما وجد أوائل المحررين أن الاختلافات اللغوية تسببت في اندلاع الصراع داخل الموقع.

وفي محاولة من «ويكيبيديا» لعلاج المسألة، قدمت برنامجاً لتحويل اللغة عام 2004، وهي الحالة الوحيدة التي اسُتخدم فيها مثل هذا البرنامج داخل مواقع الموسوعة، وحالياً تتوافر النسخة الصينية من «ويكيبيديا» على خمسة إعدادات للغة، منها الحروف الصينية التقليدية لتايوان، ولهونغ كونغ، وأيضاً لـ«ماكاو»، والحروف المبسطة للبر الرئيس للصين، وكذلك لكلٍ من سنغافورة وماليزيا.

واعتبر مدير الاتصالات العالمية في «ويكيبيديا»، ماثيو روث، برنامج تحويل اللغة مثالاً على مبدأ الحياد الذي تتبعه «ويكيبيديا»، إذ تجمع محررين ينتمون إلى أنظمة سياسية مختلفة، وتتيح لهم إجراء المناقشات المثمرة والتعاون في ما بينهم.

كما رأى الباحث التايواني في «معهد أوكسفورد للإنترنت»، لياو هانتينج، أن «ويكيبيديا» تتيح فرصاً نادرة لجميع المتحدثين بالصينية ليندمجوا في النقاش.

وعموماً، يُرجع البعض سبب اختلاف الرأي في النسخة الصينية من «ويكيبيديا» إلى تنوع الخلفيات التعليمية والثقافية التي ينتمي لها المحررون، وبحسب ستيفن وونج، من هونغ كونغ، تلقى المساهمون الذين ينتمون إلى مناطق مختلفة تعليماً مختلفاً، كما تأثروا بأيدلوجيات سياسية مختلفة.

وقال وونغ، الذي يُسهم في تحرير «ويكيبيديا» الصينية منذ أربعة أعوام: «اكتشفنا أننا نختلف تماماً عن بعضنا بعضاً في الأشياء التي تعلمناها في صغرنا».

ويرى رئيس مؤسسة «ويكيميديا» في تايوان، تيد تشين هسيانج ـ تاي، أنه في حين شهدت الموسوعة في بدايتها مشاحنات كثيرة، اتجهت نقاشات المساهمين للنضوج بوتيرة سريعة بعد عام 2009. وقال: «نشط جيل جديد من المحررين على (ويكيبيديا) الصينية منذ عام 2009، وجلبوا أفكاراً جديدة، وكانوا أقل تأثراً بالإيدلوجيات السياسية، لذا كانت أحكامهم أفضل منا».

كما يرى المستخدمون أنفسهم أن قواعد التحرير في «ويكيبيديا» تُحدث فرقاً وتغييراً في داخلهم، ونقلت الصحيفة عن ويلسون يي، وهو شاب في الـ17 من عمره من مدينة شنغهاي الصينية، وبدأ تحرير مقالات الموسوعة قبل أربع سنوات، قوله: «عندما انضممت للمرة الأولى لويكيبيديا الصينية، كنت شاباً غاضباً، استشيط غضباً حين أمر على مصطلحات مثل تايوان وجمهورية الصين، لكن بعد مزيد من التفاعل تفهمت كيف يفكر الناس في تايوان، وصرت أكثر تسامحاً».

وأضاف «يي»، الذي رُقي إلى رتبة «إداري» التي تُمكنه من حظر بعض المساهمين وإغلاق الصفحات: «في الحياة الحقيقية لدي موقفي السياسي الخاص، لكني لن أدخله إلى (ويكيبيديا»).

وأرجع كاتب في «مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع» في جامعة «هارفارد» الأميركية، إسحق ماو، نضج النقاشات إلى أنه بمرور الوقت وبالتدريج يتعلم عدد متزايد من المستخدمين القواعد والأسس التي تقوم «ويكيبيديا»، ومنها الصحة، والدقة، والحياد في عرض وجهات النظر، واستخدام المراجع.

 

تويتر