«مسلم برو».. رأسٌ طافٍ من «جبل ثلج» يؤثر في أكثر من مليار شخص

«سمسرة البيانات».. بيئة عمل تخلط «التجارة» بـ «السياسة»

كود التطبيق يلتقط بيانات موقع المستخدمين وينقلها إلى خوادم «إكس مود». ■ غيتي

لم تكن فضيحة تطبيق «مسلم برو»، الذي أثيرت حوله شبهة التجسس على مواقع أعضائه المسلمين أثناء تأديتهم الصلاة، ونقل بيانات مواقعهم إلى جهات متعددة تتاجر بها لأغراض مختلفة، سوى رأسٍ صغيرٍ طافٍ لـ«جبل ثلج» عملاق مترامي الأطراف يغطي أرجاء الكرة الأرضية، ويؤثر في أكثر من مليار شخص، ألا وهو بيئة العمل المتكاملة العملاقة للسمسرة والمتاجرة في البيانات الشخصية، لمستخدمي معدات التقنية المختلفة، وأبرزها الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، التي تعمل بها مؤسسات تقنية واقتصادية وتجارية وخدمية، ووكالات حكومية، وعصابات إجرامية، وتتنوع أدواتها من مجرد أكواد صغيرة لالتقاط البيانات، تزرع خفية داخل تطبيقات وبرامج وأجهزة التقنية ولا يلاحظها أحد، إلى أنظمة فهرسة وتخزين وتحليل معقدة تبنى عليها قرارات تجارية وإدارية وأمنية مختلفة.

تحليل «ذا فيرج»

هذا ما كشف عنه تحليل أعده كبار محللي موقع «ذا فيرج» المتخصص في التقنية theverge.com، ونشر في 13 ديسمبر الجاري، حول ملابسات وتداعيات قضية تطبيق «مسلم برو»، الذي أنتجته وتديره شركة مقرها سنغافورة، وقيل إنه ينقل بيانات مستخدميه إلى الجيش الأميركي.

بيئة عمل متكاملة

من بين عشرات التحليلات والتقارير التي تناولت الواقعة، تميز تحليل «ذا فيرج»، بكونه ناقشها في سياقها الأعم والأعمق، وهو: «بيئة عمل متكاملة» تكاد تغطي العالم أجمع، وتضم أطرافاً متنوعة، تعمل على مدار اللحظة في التقاط وجمع وتخزين وفهرسة وتحليل البيانات الشخصية لمستخدمي التقنية، بطرق وأغراض مشروعة ومعروفة، وأخرى خفية وغير مشروعة.

ووصف المحللون بيئة العمل هذه بأنها تتجاوز حواجز اللغة والدين والعرق، ولا تعمل على أساسها، بل تشمل كل شيء، لتختلط بالتجارة والسياسة والجريمة في بقاع العالم المختلفة، فموفّرو خدمات السمسرة في البيانات، يشملون شركات تقنية عملاقة، ومطورين مستقلين، وشركات بنية تحتية واستضافة، وشركات تحليل بيانات، وشركات إعلانات رقمية، وشركات نظم وشبكات تواصل اجتماعي، أما الزبائن فهم تقريباً من كل القطاعات والتخصصات القائمة ببيئة العمل العالمية، فيما تأتي تطبيقات المحمول في صدارة أدوات سماسرة البيانات، لانتشارها الواسع بين البشر، وربطها بين سلوك الشخص وموقعه الجغرافي، بصورة لحظية متزامنة.

بيع البيانات

في حالة تطبيق «مسلم برو»، تبين أن سلسلة السمسرة والمتاجرة في البيانات، بدأت بمطوري التطبيق والشركة المسؤولة عنه، التي اعتبرت الحلقة الأولى في سلسلة السمسرة، بعدما أعلنت قبولها العمل بمبدأ وضع كود خارجي داخل برنامجها أو تطبيقها، لخدمة أغراض خارج مهام التطبيق نفسه، نظير حصولها على مقابل مادي، وكانت هذه أول حلقة في سلسلة السمسرة، وهي عرض التطبيق باعتباره محطة إنتاج للبيانات الخام الأولية.

أما الحلقة الثانية للسمسرة، فكانت شركة «إكس مود»، وهي واحدة من أشهر شركات السمسرة والمتاجرة في البيانات، وبنت الكود الخاص بالتقاط بيانات الموقع الخاص بمستخدم التطبيق على مدار اللحظة، وسلمته لمطوري «مسلم برو» الذين وضعوه بدورهم داخل كود التطبيق، ليلتقط بيانات موقع المستخدمين، ثم ينقلها إلى خوادم «إكس مود»، بصورة قابلة للتخزين والفهرسة والتحليل، وكانت هذه أول حلقة لبيع البيانات بعد توليدها.

وتمثلت الحلقة الثالثة للسمسرة في شركة تدعى «فايس»، وهي أيضاً إحدى شركات السمسرة والاتجار في البيانات، التي اشترت البيانات من «إكس مود»، وتعاملت معها بمزيد من الفهرسة والتحليل، ثم أعادت بيعها لزبائن استخدموا البيانات مباشرة في أغراض تخصهم، لتتوقف حلقات السمسرة عند هذا الحد، وحدث ذلك عند بيع البيانات للجيش الأميركي، فيما باع البعض الآخر من الزبائن البيانات لآخرين جدد، كحلقة رابعة من حلقات السمسرة، وحدث ذلك مع شركات متخصصة في الإعلانات والتسويق الرقمي.

400 تطبيق

وفقاً للبيانات التي تم الحصول عليها بعد انكشاف القضية، فإن السمسار الأول في هذه السلسلة، وهو شركة «إكس مود»، تمكن من وضع أكواد التقاط وجمع البيانات الشخصية في نحو 400 تطبيق من تطبيقات الهاتف المحمول على متجر «غوغل بلاي»، الخاص بالأجهزة والهواتف المحمولة العاملة بنظام تشغيل «أندرويد»، ومتجر «أب ستور» الخاص بالأجهزة والهواتف المحمولة العاملة بنظام تشغيل «آي او إس» من «أبل»، وأهمها هواتف «آي فون»، وأجهزة كمبيوتر «آي باد» اللوحية. يذكر أن مستخدمين فرنسيين للتطبيق، أعلنوا سابقاً عن قرارهم رفع دعوى على الشركة المطوّرة له، في وقت أعلنت الشركة المطورة لـ«مسلم برو» أنها ستعلّق مشاركة بياناتها مع شركات أخرى، وقالت إنها فتحت تحقيقاً داخلياً في المسألة.

ردّ فعل «أبل» و«غوغل»

نظراً إلى أن هناك نحو مليار شخص يتعاملون مع التطبيقات على متجرَي «غوغل بلاي» و«أب ستور»، فقد دفع الأمر «أبل» و«غوغل» إلى إصدار قرار بحظر تشغيل أي تطبيق يتعامل مع أكواد «إكس مود» بأي صورة من الصور.

وأصدرت الشركتان تنبيهاً لجميع المطورين الذين يضعون تطبيقات على متاجرهم، بأن عليهم إزالة أكواد «إكس مود» من تطبيقاتهم على الفور، وإعادة تحميلها مرة أخرى على متجرَي التطبيقات.

ومنحت «أبل» المطورين أسبوعين فقط لتنفيذ هذه الخطوة، وإلا سيتم إيقاف تشغيل التطبيقات على هواتف «آي فون»، وأجهزة «آي باد»، فيما منحت «غوغل» المطورين أصحاب هذه التطبيقات أسبوعاً واحداً فقط للقيام بالأمر نفسه.

تويتر