باحث يحذر من سقوط الولايات المتحدة في فخ التراخي والتخلف عن تطورات المنطقة

طموحات الصين تهدد تحالفات أميركا مع جزر المحيط الهادئ

بايدن مع زعماء جزر المحيط الهادئ في صورة بالبيت الأبيض تعود لعام 2023. أرشيفية

احتاجت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى أربعة أشهر من المفاوضات الشاقة مع مجلس الشيوخ لتجديد تمويل اتفاقيات أمنية مع ثلاث جزر رئيسة في المحيط الهادئ، وهو ما يشير إلى عدم إدراك بعض دوائر صناعة القرار الأميركي المخاطر التي تهدد المصالح الأميركية الحيوية في هذه المنطقة، في حين يتزايد النفوذ الصيني فيها.

وحذر الباحث بمركز الدراسات الآسيوية، التابع لمؤسسة هيرتيدج الأميركية، أندرو هاردينغ، من سقوط الولايات المتحدة في فخ التراخي والتخلف عن التطورات التي تشهدها المنطقة، مؤكداً أهمية تحرك واشنطن بسرعة، وبشكل استباقي في مختلف أنحاء المحيط الهادئ، لمواجهة الصين وحماية مصالح الأمن القومي الأميركي فيها. فالاتفاقيات المعروفة باسم «مواثيق الارتباط الحر» التي وجدت معارضة داخل مجلس الشيوخ لتجديدها، تمنح الولايات المتحدة امتيازات عسكرية حصرية في هذه الجزر، مقابل مساعدات اقتصادية، والاستفادة من البرامج الاتحادية لمساعدة ولايات ميكرونيزيا الاتحادية وجزر مارشال وجزر بالاو. وتلعب هذه الاتفاقيات دوراً مهماً في الاستراتيجية العسكرية الأميركية، حيث تسمح للجيش الأميركي بإجراء اختبارات صاروخية، وإقامة منشآت عسكرية في مواقع مميزة بالمحيط الهادئ، والتصدي للطموحات الصينية في المنطقة.

كما تمنح هذه الاتفاقيات الولايات المتحدة «حقوق المنع الاستراتيجية» التي تسمح لواشنطن بمنع دخول أي قطع بحرية عسكرية تابعة لدول أخرى مثل الصين إلى المياه الإقليمية للدول الثلاث الموقعة على الاتفاقيات. وفي الوقت نفسه، فإن أراضي دول الاتفاقية تمنح الولايات المتحدة تمدداً للأغراض الدفاعية لتغطية مساحة من المحيط الهادئ أوسع من الولايات الأميركية المتجاورة، البالغ عددها 48 ولاية، والتي تمتد من هاواي إلى الفلبين وإندونيسيا.

ويقول هاردينغ مؤلف كتاب «الانتصار في الحرب الباردة الجديدة.. خطة لمواجهة الصين»، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إن الكونغرس والإدارة الأميركية حريصة على تمديد البنود الاقتصادية الرئيسة في الاتفاقيات، لمدة 20 عاماً إضافية. وإذا كان من حق الكونغرس والبيت الأبيض الامتناع عن تمديد البنود الاقتصادية الرئيسة في الاتفاقيات لمدة 20 عاماً أخرى، فيجب ألا يشعر صناع السياسة الأميركيون بالرضا عن النفس. وبدلاً من ذلك عليهم مواصلة التحرك لتعزيز الشراكات الأميركية في المنطقة. وإذا لم تستفد الولايات المتحدة، من الفرصة الجديدة لكي تكون شريكاً يعتمد عليه في منطقة المحيط الهادئ، منذ الآن حتى أوائل أربعينات القرن الـ21، فإن فوائد الاتفاقيات الجديدة لن تتحقق بالكامل.

ويرى هاردينغ أنه على الولايات المتحدة البدء بإعادة بناء الثقة مع دول المنطقة. فالتأخيرات والتحديات السياسية التي واجهها إقرار التمويلات الجديدة، أثارت مخاوف قادة جزر المحيط الهادئ. وحذرت رئيسة جزر مارشال، هيلدا هاين من أن علاقات بلادها مع الولايات المتحدة «تتدمر تدريجياً»، بسبب تأخير تجديد الاتفاقيات. كما أرسل سفيرا أستراليا ونيوزيلندا لدى واشنطن خطاباً إلى الكونغرس يعربان فيه عن قلقهما من تباطؤ عملية تجديد الاتفاقيات. وأرسل سفير اليابان خطاباً إلى الكونغرس للتأكيد على أهمية «مواثيق الارتباط الحر» لكل الشركاء أصحاب الفكر الواحد.

ويمكن أن تخفف واشنطن هذه المخاوف من خلال تعزيز صورتها كشريك اختياري للمنطقة، من خلال ثلاث نقاط. أولاً منح أولوية كبرى للاتفاقيات أو المبادرات مع دول المحيط الهادئ، ومنها كثير من البرامج في إطار الشراكة الاستراتيجية لأميركا والمحيط الهادئ. كما يجب على كبار مسؤولي الحكومة الأميركية زيارة دول المنطقة بانتظام، في حين لم يزر أي رئيس أميركي أياً من جزر المحيط الهادئ حتى الآن.

ثانياً، يجب توسيع نطاق الاتفاقيات لتشمل مجالات أخرى مشتركة، ومنها محاربة الصيد غير المشروع، وتوفير الأمن البحري لإنفاذ القوانين والتصدي لتهريب المخدرات، وتطوير مشروعات لتحسين الأوضاع البيئية، وجذب الاستثمارات الجديدة.

أخيراً، وفي حين يجب أن تحظى دول «مواثيق الارتباط الحر» بعلاقة خاصة مع الولايات المتحدة، على واشنطن السعي لتعزيز شراكاتها في مختلف أنحاء المنطقة. ومن دعم الاتفاقيات مع دول المحيط الهادئ، إلى تعزيز الشراكات القائمة من خلال مبادرة «شركاء في المحيط الهادئ الأزرق»، حيث يمكن للولايات المتحدة تعظيم تفوقها على الصين من خلال هذه التحالفات، وتأكيد التزامها طويل المدى تجاه المنطقة.

وإذا فشلت الولايات المتحدة في تحقيق ذلك، فستفقد نفوذها لمصلحة الصين التي أصبحت أكثر عدوانية في المحيط الهادئ. فالصين تستخدم حالياً حركة السياحة الإقليمية كسلاح، إلى جانب التدخل في وسائل الإعلام، وانتهاك القوانين المحلية، في محاولة لإقناع دول جزر المحيط الهادئ، بالاعتراف بالصين، وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان. كما حققت الصين تقدماً في مفاوضاتها لتوقيع اتفاقيات تعاون مع جزر المنطقة، وأبرزها مع جزر سولومون التي سمحت بنشر قوات أمن صينية في المنطقة، إلى جانب صفقات البنية التحتية لدول المحيط الهادئ التي تحتاج إليها بشدة. معنى ذلك أن النفوذ الأميركي في منطقة المحيط الهادئ لم يعد أمراً مفروغاً منه، في مواجهة التحدي الصيني المتزايد.


اتفاقية الارتباط الحر في خطر

حاملة طائرات صينية تهدد نفوذ واشنطن في المحيط الهادئ. أرشيفية

معظم الأميركيين لا يعرفون مطلقاً جزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو، وعلى أحسن الفروض لا يعرفون كثيراً عنها. ولكن على الرغم من أن عدد سكان هذه البلدان مجتمعة أقل من مليون نسمة، إلا أنها تشكل مئات الجزر التي تمتد على جزء استراتيجي متنازع عليه بشكل متزايد في المحيط الهادئ. وقد تجلت أهميتها خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قاتلت القوات الأميركية لتحريرها من السيطرة اليابانية. وبعد أن أصبحت جزراً مستقلة، أبرمت اتفاقيات مع واشنطن، تسمى اتفاقيات الارتباط الحر، حيث تقدم لها الولايات المتحدة المساعدة الاقتصادية وتدافع عنها في حالة أي اعتداء.

وقد تفاوضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن بحكمة على تجديد اتفاقيات الارتباط الحر في العام الماضي. ولكن يتعين على الكونغرس أن يخصص بعد ما يقرب من ملياري دولار اللازمة للوفاء بشروط الاتفاقيات الجديدة التي تبلغ مدتها 20 عاماً. وبحلول سبتمبر، ستكون الاتفاقيات الثلاث السابقة قد انتهت صلاحيتها (اثنتان انتهت صلاحيتهما بالفعل). ويقول السفير جوزيف يون، الذي قاد المفاوضات كمبعوث خاص لوزارة الخارجية الأميركية، إن التأخير يقوض علاقات الولايات المتحدة في وقت سيئ للغاية. ويضيف، «بالنسبة للجزر الثلاث، فإنها تدرك فوائد وجود علاقة معنا، وتريد استمرار العلاقة معنا، لكنها محبطة للغاية، ففي كل يوم يمر تتعرض مصداقيتنا معها لضربة قوية».

. إذا كان من حق الكونغرس والبيت الأبيض الامتناع عن تمديد البنود الاقتصادية الرئيسة في الاتفاقيات مدة 20 عاماً أخرى، فيجب ألّا يشعر صنّاع السياسة الأميركيون بالرضا عن النفس.

. تمنح هذه الاتفاقيات الولايات المتحدة «حقوق المنع الاستراتيجية» التي تسمح لواشنطن بمنع دخول أي قطع بحرية عسكرية تابعة لدول أخرى مثل الصين إلى المياه الإقليمية للدول الثلاث الموقعة على الاتفاقيات.

تويتر