تنتج 80% من الألواح الشمسية و95% من رقائق السيليكون على مستوى العالم

الصين تسعى للتفوق في أسواق الطاقة النظيفة مع تصاعد التنافس التجاري دولياً

صورة

قبل عقد من الزمن، كانت مجموعة تونجوي تقوم بتصنيع أغذية الأسماك وأعلاف الماشية. واليوم، أصبحت الشركة، التي يقع مقرها في هذه المنطقة الشهيرة بالغيوم في جنوب غرب الصين، أكبر منتج للخلايا الشمسية في العالم، وهي مكونات الألواح التي تحوّل ضوء الشمس إلى كهرباء.

وفي منشأتها التي تبلغ كلفتها 2.8 مليار دولار، والواقعة على مشارف مدينة تشنغدو، تقوم الأذرع الآلية بتحميل الخلايا الدقيقة على عربات مستقلة، تتنقل بين مراحل الإنتاج. وتقول الشركة إن الإنتاجية ارتفعت بنسبة 161%، وانخفض عدد العمال بنسبة 62%، وذلك بفضل معدات الجيل الخامس من شركة هواوي العملاقة للتكنولوجيا المحلية.

لدى تونجوي الآن طموحات أكبر، فهي تعمل على توسيع وتحديث ست منشآت إنتاج بسرعة، وتهدف بحلول نهاية هذا العام إلى إنتاج ما قيمته 130 غيغاواط من الخلايا سنوياً، أي أربعة أضعاف إجمالي قدرة الطاقة الشمسية المثبتة في الولايات المتحدة في عام 2023. ويقول مؤسس ورئيس مجلس إدارة تونجوي، ليو هانيوان، إن الصين، من خلال شركات الطاقة الشمسية، ستكون بلا شك «القوة الرئيسة التي تقود تحول الطاقة العالمي».

مثال للطاقة النظيفة

وتعكس تونجوي مثالاً واضحاً لهيمنة الصين على أسواق التكنولوجيا النظيفة العالمية. وتنتج الصين 80% من الألواح الشمسية على مستوى العالم، مقارنة بالولايات المتحدة التي تبلغ 2%، وتصنع نحو ثلثي السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وبطاريات الليثيوم أيون في العالم.

ويأمل الناشطون في مجال المناخ أن تؤدي استثمارات الصين المتزايدة في التكنولوجيا النظيفة إلى ترجيح كفة الميزان قريباً، ووقف ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد، التي تعادل ضعف انبعاثات الولايات المتحدة تقريباً. وفي العام الماضي، قامت الصين بتركيب عدد من الألواح الشمسية أكبر مما فعلته بقية دول العالم مجتمعة.

قلق أوروبي وأميركي

بيد أن الهيمنة الصينية الساحقة أثارت قلق المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يقولون إنهم يشعرون بالقلق من أن يؤدي تدفق المنتجات الصينية الرخيصة إلى تقويض جهودهم لتنمية صناعات الطاقة المتجددة الخاصة بهم، خصوصاً إذا كان لدى الشركات الصينية ما يعتبرونه ميزة غير عادلة.

وتقول وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التي من المتوقع أن تزور قريباً بكين للمرة الثانية في أقل من عام، في خطاب ألقته الأربعاء الماضي، إنها ستضغط على الصين لمعالجة «القدرة الفائضة»، بما في ذلك الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والبطاريات، التي «تؤثر على الأسعار العالمية»، و«تضر الشركات والعمال الأميركيين». كل ذلك قد يثير شبح حرب تجارية أخرى، كما يقول الناشطون، يمكن أن تؤثر على حمائية الكوكب.

نقطة مضيئة في اقتصاد الصين

تحول الصين إلى عملاق التكنولوجيا النظيفة جاء بأوامر من القمة، فقد جعل الرئيس شي جين بينغ دعم الصناعات «الخضراء بشكل أساسي» أولوية، الشهر الماضي، في إطار محاولته منع ثاني أكبر اقتصاد في العالم من التباطؤ. وتعتبر الطاقة النظيفة نقطة مضيئة في التوقعات الاقتصادية الصينية القاتمة، فقد ارتفعت صادرات الصين من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم أيون ومنتجات الطاقة الشمسية بنسبة 30%، لتصل إلى 146 مليار دولار في العام الماضي. وتفوقت شركة «بي واي دي» على شركة «تسلا» في عام 2023 لتصبح صانع السيارات الكهربائية الأكثر مبيعاً في العالم.

وقد ساعد ذلك في جعل صناعة الطاقة المتجددة أكبر مسهم في اقتصاد البلاد، قبل كل القطاعات الأخرى، فقد حدث هذا التحول بفضل دعم الدولة إلى حد كبير. ولأكثر من عقد من الزمن، استخدمت بكين تدابير، بما في ذلك الإعانات والإعفاءات الضريبية، لإنشاء العشرات من التكتلات الضخمة التي تهيمن على صناعات الطاقة المستدامة.

منشأة تونجوي مملوكة بنسبة 15% من قبل اثنتين من الشركات الاستثمارية التي تديرها الدولة في مدينة تشنغدو. وفي الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، أعلنت الشركة عن حصولها على دعم بقيمة 125 مليون دولار من الدولة، بزيادة قدرها 240% على عام 2022.

وقد أدى هذا إلى تشبع السوق المحلية، وهو أمر جيد، كما يقول نشطاء المناخ، مع تحول أكبر ملوث في العالم إلى الطاقة المتجددة، بعد أن أنتج المصنعون السيارات الكهربائية، والبطاريات، والألواح الشمسية، وتوربينات الرياح بشكل أسرع مما تحتاجه الصين. وقد أجبرهم ذلك على البحث عن الأرباح في الخارج، حيث يوجد عدد أكبر من المشترين المستعدين لدفع أسعار أعلى.

ويقول النقاد إن هذا قد يدفع المنافسين الأميركيين والأوروبيين إلى الخروج من السوق العالمية. وفي هذا الشهر، قالت المفوضية الأوروبية إنها وجدت أدلة كافية على أن الإعانات تعزز صادرات السيارات الكهربائية الصينية، وحذرت من أنها سترفع الرسوم الجمركية على الأرجح في وقت لاحق من هذا العام. جاء ذلك بعد أن حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من «السباق نحو القاع» في مجال التكنولوجيا النظيفة، وسط منافسة غير عادلة من قبل الشركات الصينية.

ومع تصاعد درجة حرارة التجارة، بدأت بكين في اتهام الحكومات الغربية بمحاولة عرقلة شركاتها الأكثر تقدماً، وهو جزء مما تعتبره حملة أوسع لإبقاء الصين في تراجع. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، في مقال نُشر أخيراً، أن المخاوف بشأن الصادرات الصينية «ليست أكثر من محاولة لعرقلة التحديث الصناعي في الصين، واستخدام وسائل غير عادلة لحماية المصالح الخاصة لبعض الدول الغربية».

كما حث رئيس تونجوي أوروبا على إنهاء «الإجراءات الحمائية». وقال في إجابات مكتوبة على أسئلة الصحيفة، بعد رفض إجراء مقابلة، إن صناعة الطاقة الشمسية في الصين «تجاوزت بشكل شامل» أوروبا والولايات المتحدة. وكتب أنه «ليس واقعياً حقاً» أن يصل العالم إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول منتصف القرن دون احتضان التصنيع الصيني. إن موقف الصين الدفاعي يحفزه شعور بأن رهانها الكبير على التكنولوجيات المنخفضة الكربون بدأ يؤتي ثماره للتو.

ويقول الباحث في معهد مركاتور للدراسات الصينية، نيس غرونبيرغ، وهو مركز أبحاث مقره برلين: «من وجهة النظر الصينية، نجحت سياستهم الصناعية بالفعل، وبدأوا الآن في ضرب الجدران»، كناية على تجاوز حدود بلادهم.

انتقام اقتصادي

ويقول المحلل في شركة جافيكال للأبحاث، يانمي شيه، إن هذا قد يعني أن الصين ستلجأ الآن إلى «قواعد اللعبة التي تدربت عليها جيداً في ما يتعلق بالضغط والتهرب». وقد لجأت إلى قواعد اللعبة هذه في العقد الأول من القرن الـ21، أثناء النزاعات التجارية المتعلقة بالألواح الشمسية لإبقاء الحواجز التجارية منخفضة، وهددت في الآونة الأخيرة بتقييد المعادن المهمة مثل الجرافيت، وهو المعدن اللازم لتشغيل السيارات الكهربائية.

وتزداد حدة هذه المخاوف عندما يتعلق الأمر بالطاقة الشمسية، التي يتوقع العلماء أن تصبح المصدر الرئيس للطاقة على مستوى العالم بحلول منتصف هذا القرن. وتسيطر الصين على أكثر من 80% من التصنيع، وتصنع أكثر من 95% من رقائق السيليكون في العالم، وهو مكون رئيس، لكن كسر احتكار الصين لأجزاء من سلسلة توريد الطاقة المتجددة لن يكون سهلاً أو رخيصاً. ستحتاج الدول الغنية إلى إنفاق نحو ستة تريليونات دولار بين عامي 2023 و2050 لإنشاء بدائل قابلة للتطبيق لمنتجات التكنولوجيا النظيفة الصينية، وفقاً لشركة وود ماكنزي، وهي شركة استشارات عالمية في مجال الطاقة، وذلك لأن الشركات الصينية لديها بالفعل مثل هذه البداية الكبيرة في إنشاء سلاسل التوريد المتكاملة بشكل جيد، واكتسبت موطئ قدم كبيراً لها في الأسواق الدولية. عن الـ«واشنطن بوست»

. تحول الصين إلى عملاق التكنولوجيا النظيفة جاء بأوامر من القمة، فقد جعل الرئيس شي جين بينغ دعم الصناعات «الخضراء بشكل أساسي» أولوية، الشهر الماضي، في إطار محاولته منع ثاني أكبر اقتصاد في العالم من التباطؤ.

. الهيمنة الصينية الساحقة أثارت قلق المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يقولون إنهم يشعرون بالقلق من أن يؤدي تدفق المنتجات الصينية الرخيصة إلى تقويض جهودهم لتنمية صناعات الطاقة المتجددة الخاصة بهم، خصوصاً إذا كان لدى الشركات الصينية ما يعتبرونه ميزة غير عادلة.

تويتر