المرصد

رمضان والإعلام الرقمي

في مطلع الشهر الكريم، خرجت المذيعة الرقمية «ليلى»، العاملة بتقنية الذكاء الاصطناعي على تطبيق «تيك توك»، لتعتذر للجمهور عن غيابها، لانشغالها في اجتماعات «خيمة رمضان الرقمية»، التي ستتضمن مناقشة موضوعات مهمة بمشاركة كبار المتخصصين، وختمت «ليلى» أنه إذا كان لدى المتابعين اقتراحات، فليتقدموا بها لتنفيذها.

ويمثل هذا الوجه من الإعلام (الرقمي)، الذي يمزج بين الواقعي والافتراضي، وبين الحقيقي والمتخيل، صفحة جديدة للإعلام الرمضاني، الذي بدا خجولاً مطلع القرن الفائت، بتغطية صحافية لتفاصيل استطلاع هلال رمضان (وفي اليوم التالي للاستطلاع)، لينتهي اليوم على يد الذكاء الاصطناعي إلى الصورة الرقمية في شكلها المذكور، ذلك الوجه الذي كان فيه المتابع (قارئ ثم مستمع ثم مشاهد) مجرد متلقٍ صامت.

ويستقبل خبراء الإعلام هذا الزحف الرقمي بشيء من الحذر، والذي يتضاعف منذ نشوء تطبيقات مثل «فريمام» و«مسلم برو» منذ نحو عقد ونصف. وطبقاً لخبير الذكاء الاصطناعي، عادل عبدالصادق، فإن هذا التطور «بينما يساعد في زيادة ضخ المعلومات الدينية للجمهور، وتقديم الرد على الشبهات والتساؤلات الخاصة بالدين وممارساته، وزيادة نشر المحتوى الديني للمسلمين وغير المسلمين، فإنه يفتح الباب لدخول هذه التطبيقات الرقمية الدينية، من قبل البعض من خارج دائرة الفقهاء والمتخصصين، وممن يريدون دخولها من بوابة الاستثمار»، بما يتسبب ربما في تقديم معلومات ومفاهيم خاطئة.

على صعيد المحتوى الاجتماعي، فإن التشاؤم يسود عوالم القنوات التلفزيونية والفضائيات ومكانتها الحالية في تقديم الدراما، ويرى الإعلامي السعودي ناصر حبتر، في إفادة له بـ«الشرق الأوسط» أن «القنوات التلفزيونية تواجه حالياً مصير الصحافة المكتوبة، لذا فإن هذه القنوات إلى أفول، ولم يعد لدى الجمهور وقت لمتابعتها، لذا انصرف إلى منصات المشاهدة». بينما يرى الإعلامي خالد البرماوي أن «المنصات غيرت بالفعل العادات التقليدية للجمهور الذي كان يتحلق حول الشاشة».

وتدفع غزارة وقوة دفع الحالة الرقمية الكثيفة وتأثيراتها إلى موقف عكسي، وهو الدعوة من قبل البعض إلى استغلال الشهر الكريم في الامتناع عن متابعة المنصات الرقمية وإدمانها، أو فيما يسميه الكاتب الصحافي العماني حسني محمد نصر بـ«الصيام الرقمي»، تعزيزاً للصيام الديني الواجب والمفروض، باعتبار أن «الإدمان الرقمي» و«إدمان الإنترنت» وصل إلى حد الخطر، والشهر الفضيل فرصة للحصول على استراحة منهما، والتخلص من «السموم الرقمية» قيمة إيجابية.

ويبدو بعض الأفكار في هذا الاتجاه تحليقاً بعيداً عن الملموس، فالإعلام الرقمي أصبح واقعاً يجب أن يُرشّد ولا يلغى، و«ليلى» الافتراضية أو «الرقمية» أصبحت لا تقل واقعية ووجوداً من «ليلى الأخيلية» ذاتها، التي حكت لنا عنها كتب التاريخ.

تويتر