في تحول مثير للاهتمام.. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية

الناخب الأميركي أصبح أكثر اهتماماً بما يحدث في العالم

صورة

ظل الناخب الأميركي لسنوات عدة غير مكترث كثيراً بما يحدث في البلدان الأخرى، ففي عام 2010، أشار المحرر المخضرم لمجلة فورين أفيرز، جيم هوج، إلى أنه «على مدى فترة طويلة من الزمن (100، 150، 200 عام)، كان الجمهور الأميركي غير مهتم غالباً، أو على الأقل مهتماً بشكل عرضي فقط، بما يحدث في بقية أنحاء العالم»، والآن فقد حان الوقت للشعب الأميركي ليغير سلوكه ذاك.

والآن يبدو أن الناخبين الأميركيين لم يهتموا بما يحدث في العالم فحسب، بل أصبحوا يشعرون بالقلق للغاية بما يحدث خارج حدود الولايات المتحدة، بدءاً من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان، حيث انتقد ناخبون دعم الرئيس جو بايدن لإسرائيل، ودعوا للضغط عليه لتغيير سياساته، وصولاً إلى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، حيث انتقدت المرشحة الرئاسية للحزب الجمهوري، نيكي هيلي، منافسها الرئيس السابق دونالد ترامب، واستهجنت تعليقاته التي «تقشعر لها الأبدان»، والتي قال فيها إنه سيشجع روسيا على غزو حلفاء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بسبب عدم اهتمامهم بالإنفاق الدفاعي.

وعلى نحو متزايد، أصبح عام 2024 بمثابة انتخابات للسياسة الخارجية. وحتى في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، فإن إحدى أهم القضايا هي الهجرة، وهي المنطقة التي تتقاطع فيها السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.

اختلاف الرأي لدى المرشحين

الرجلان اللذان من المرجح أن يتواجها في الانتخابات، الرئيس جو بايدن وترامب، لديهما خلافات أكثر حدة حول دور أميركا في العالم، وحول السياسة الخارجية الأميركية، مقارنة بمرشحي الحزبين الرئيسين في أي انتخابات في الذاكرة. ولعل هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الناخبين يركزون على الشؤون العالمية. ولا يتعلق الاختلاف بين المرشحين بسياسات محددة، بقدر ما يتعلق باعتقاد أساسي حول ما تمثله الولايات المتحدة في العالم، وهي إحدى السمات المميزة للبلاد منذ تأسيسها.

وبالفعل، يعمل ترامب الانعزالي بنشاط على تخريب المساعدات الأميركية لأوكرانيا، ويضغط على مساعديه في الكونغرس لمنعها، كما يظهر ازدراءه الصريح لحلفاء الولايات المتحدة، إلى جانب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وغيره من الأعداء المفترضين لأميركا.

وعلى النقيض من ذلك، يدعو بايدن إلى دور قوي للولايات المتحدة في العالم. لقد عمل بالفعل على تعزيز تحالفات الولايات المتحدة، وتعهد بمواصلة القيام بذلك، في حين يحتضن الناشطين الديمقراطيين، ويستخف ببوتين وغيره ممن يكنون العداوة لبلاده. ومع اندلاع حربين - بين روسيا وأوكرانيا، وبين إسرائيل و«حماس» - أصبحت البلاد بالكامل مهتمة بشدة بالشؤون العالمية.

ويؤكد على ذلك أحد أبرز استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة، حيث سأل مركز بيو لاستطلاعات الرأي الأميركيين عما إذا كانوا يعتبرون أن الحرب بين «حماس» وإسرائيل، وبين روسيا وأوكرانيا، والتوترات بين الصين وتايوان، مهمة بالنسبة للمصالح الأميركية. وقال نحو 75% إنها إما مهمة إلى حد ما أو مهمة جداً للمصالح الوطنية للولايات المتحدة.

ويبدو أن الشق التالي من الأسئلة لافت للنظر، فعندما سئلوا عما إذا كانت الصراعات مهمة بالنسبة لهم شخصياً، وافقت الأغلبية على أنهم مهتمون بكل الصراعات. وفي ما يتعلق بالحرب بين إسرائيل و«حماس»، قال 65% إنها ذات أهمية شخصية لهم، وقال 59% بالمثل في ما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، و57% في ما يتعلق بالصين وتايوان.

لا شك أن السياسة الخارجية تنطوي على قدر كبير من المنافسة في أذهان الناخبين. ففي نهاية المطاف، هذه هي الانتخابات الأولى في تاريخ البلاد التي يواجه فيها أحد المرشحين لوائح اتهام جنائية عدة. وإضافة إلى الهجرة، يشعر الأميركيون بالقلق إزاء الاقتصاد والتضخم بشكل خاص. وتعتبر القضايا الاجتماعية، مثل تشريع الإجهاض، حاسمة أيضاً، لكن السياسة الخارجية لاتزال ذات أهمية كبيرة باعتبارها مصدر قلق رئيساً.

انقسام بين الأميركيين

عندما سأل استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن» البالغين الأميركيين عما إذا كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة تفعل الكثير، أو القليل جداً، أو القدر المناسب لمساعدة إسرائيل في حربها ضد «حماس»، كانت إحدى أبرز النتائج هي أن 1% فقط من المشاركين قالوا إنهم «ليس لديهم أي فكرة». ومن المفارقات أن الاستطلاع أظهر أيضاً أن معظم المستطلعة آراؤهم يرون أن الدولة منقسمة من المنتصف حول العديد من القضايا بسبب سلوك بايدن، حيث يقول عدد متزايد من الأميركيين إن الحملة الإسرائيلية ضد «حماس» في غزة «ذهبت إلى أبعد من ذلك»، وأن الدعم لإسرائيل لايزال قائماً. وقال واحد فقط من كل ثلاثة إن الولايات المتحدة تفعل «الكثير» لمساعدة إسرائيل، بينما قال 66% إنها تفعل «القليل جداً» أو «القدر المناسب». وأظهر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة «غالوب»، أخيراً، نتائج مماثلة للغاية، حيث أظهر 62% أن الولايات المتحدة تفعل «القدر المناسب» أو «القليل جداً» لإسرائيل، في حين يرى 36% أن مستوى الدعم الحالي «أكثر من اللازم». كما أظهر استطلاع آخر، أجرته جامعة هارفارد وهاري، أن 82% من الأميركيين يؤيدون إسرائيل، مقابل 18% يؤيدون «حماس».

وهذا يوضح مدى التعقيد الذي أصبحت عليه سياسة إسرائيل و«حماس» بالنسبة لبايدن، فإذا تحرك بعيداً في اتجاه المعسكر المناهض لإسرائيل، فإنه يخاطر بخسارة مؤيدي إسرائيل، وهم يمثلون العدد الأكبر. وعلى كل حال فمن الصعب المبالغة في تقدير حجم التحول في الاهتمام بالشؤون العالمية بين الناخبين.

الصورة النمطية

في عام 2013، عندما أطلق الرئيس السابق، باراك أوباما، فترة ولايته الثانية، استمعت إلى خطاب تنصيبه، وبدأت أبحث عن أدلة حول سياسته الخارجية. وكتبت «الجزء الأكثر إثارة للدهشة هو كيف تجاهل إلى حد كبير بقية العالم. وفي خطابه الذي استغرق 20 دقيقة، خصص ربما دقيقة واحدة للسياسة الخارجية». وقال إن بلاده «ستحاول حل خلافاتها مع الدول الأخرى سلمياً»، و«ستظل مرسى للتحالفات القوية»، لكن خطابه ركز على قضايا أخرى. ومع ذلك كان هدف أوباما هو التركيز بشكل مباشر على القضايا الداخلية التي تتماشى مع مشاعر البلاد. وكان الناخبون يضعون القضايا العالمية في أسفل قائمة الأولويات. فقد تسببت الحربان في العراق وأفغانستان في ألم كبير للناخبين الأميركيين، وتركتهم منهكين، ومعنوياتهم محبطة، بشأن تورط بلادهم في مناطق أخرى من العالم. إن عودة اهتمام الناخب الأميركي بالقضايا الدولية مدفوع جزئياً بوسائل التواصل الاجتماعي، التي تجلب صوراً حية لمعاناة بعيدة، ربما كانت مخفية من قبل.

وفي الواقع، فإن فوز ترامب لن يغير الولايات المتحدة فحسب، بل ستكون له أيضاً أصداء دائمة تعيد تشكيل الكثير من الأمور في العالم. ويشعر الأميركيون بالقلق إزاء ما يحدث في العالم، والدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في توجيه هذا المسار. وفي نهاية الأمر، يبدو وكأن الناخب الأميركي بدأ يتخلص من الصورة النمطية التي تتمثل في عدم اهتمامه ببقية العالم.

* صحافية سابقة في الـ«سي إن إن»

عن الـ«سي إن إن»

. الرجلان اللذان من المرجح أن يتواجها في الانتخابات، الرئيس جو بايدن وترامب، لديهما خلافات أكثر حدة حول دور أميركا في العالم، وحول السياسة الخارجية الأميركية، مقارنة بمرشحي الحزبين الرئيسين في أي انتخابات في الذاكرة.

. فوز ترامب لن يغير الولايات المتحدة فحسب، بل ستكون له أيضاً أصداء دائمة تعيد تشكيل الكثير من الأمور في العالم، ويشعر الأميركيون بالقلق إزاء ما يحدث في العالم، والدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في توجيه هذا المسار.

تويتر