تحت ضغط القوات الروسية المتفوقة   

سقوط المئات من الأسرى والمفقودين الأوكرانيين خلال انسحاب عشوائي من أفدييفكا

صورة

المئات من الجنود الأوكرانيين يُخشى أنهم أصبحوا في عداد الأسرى أو المفقودين نتيجة تقدم الوحدات العسكرية الروسية نحو مدينة أفدييفكا، أو أنهم اختفوا خلال التراجع العشوائي للقوات الأوكرانية من شرق مدينة أفدييفكا، وفق كبار المسؤولين الغربيين والجنود الذين يقاتلون لصالح أوكرانيا، وهي خسارة مدمرة يمكن أن تكون بمثابة ضربة لمعنويات هذا الجيش الذي يعاني معنويات مرهقة أصلاً.

ويمثل استيلاء الروس على مدينة أفدييفكا خسارة رمزية مهمة للقوات الأوكرانية، وإشارة إلى التأثير الميداني لفشل «الكونغرس» الأميركي حتى الآن في الموافقة على تقديم مزيد من المساعدات، بالإضافة إلى أن تناقص كمية القذائف المدفعية يزيد من صعوبة المحافظة على مواقع الجيش الأوكراني.

وتختلف التقديرات بشأن عدد الجنود المفقودين أو الواقعين في الأسر، كما أن العدد الدقيق لهم غير ممكن حتى تتمكن أوكرانيا من تعزيز خطوط دفاعية خارج المدينة، لكن جنديين مطلعين على انسحاب القوات الأوكرانية يقولان إن العدد يراوح ما بين 850 و1000 جندي تم أسرهم أو أنهم في عداد المفقودين. وقال المسؤولون الغربيون إن هذه الأرقام صحيحة.

انتكاسة

ويقول المسؤولون الأميركيون إن خسارة أفدييفكا ليست انتكاسة استراتيجية مهمة، مشيرين إلى أن مكتسبات روسيا في شرق أوكرانيا لن تؤدي بالضرورة إلى انهيار الخطوط الدفاعية الأوكرانية، وأن موسكو ليس من المرجح أن تكون قادرة على متابعة القيام بهجوم رئيسي آخر.

ولكن أسر المئات من الجنود يمكن أن يغير هذه الحسابات. وقال مسؤولون أميركيون في الأيام الأخيرة إن «معنويات الجيش الأوكراني ضعفت أصلاً في أعقاب فشل الهجوم المعاكس الأوكراني العام الماضي، وتغيير قائد كبير في الجيش»، ونظراً لهذه المشكلات قال المسؤولون، إن «الجيش الأوكراني يكافح من أجل تجنيد المزيد من الجنود الأوكرانيين».

وقال المسؤولون في الجيش الأوكراني إنهم ينوون تجنيد نصف مليون جندي إضافي، ولكن هذا الطلب واجه رفضاً سياسياً وتم رفضه في البرلمان. ويبدو أن أسر المئات من الجنود، خصوصاً أولئك الذين يتمتعون بخبرة في القتال، سيجعل الحاجة إلى تجنيد مزيد من الجنود أكثر إلحاحاً ويزيد من تعقيد الجهود لتجنيد المزيد، وبناء عليه فإن سقوط أفدييفكا ربما أكثر أهمية مما بدا في البداية. واعترفت قيادة الجيش بأن بعض الجنود تم أسرهم أثناء الانسحاب من أفدييفكا، ولكنها حاولت التقليل من تعدادهم وأهمية ذلك.

الانسحاب وفق الخطة المرسومة

وقال الجنرال أولكساندر تارنافسكي، قائد الجيش الأوكراني الذي يقاتل في المنطقة، على مواقع التواصل الاجتماعي، إن الانسحاب تم وفق الخطة المرسومة له، ولكن «في المرحلة الأخيرة من العملية ونتيجة الضغوط من القوات المعادية المتفوقة وقع بعض الجنود في الأسر»، ولم يكشف عن عدد الجنود الذين وقعوا في الأسر.

وأكد مسؤول أوكراني كبير أن نحو ستة جنود وقعوا في الأسر خلال الانسحاب من المدينة، وهؤلاء الجنود من اللواء الهجومي الثالث، وتم أسرهم بعد نفاد ذخيرتهم وفقدان الاتصال مع الجيش الأوكراني.

ولكن بعض الجنود والمسؤولين الغربيين قالوا إن الفشل في تنفيذ الانسحاب والفوضى التي سادت يومي السبت والجمعة الماضيين إثر انهيار الدفاع، كانا مسؤولين بصورة مباشرة عما تلا ذلك من أسر عدد كبير من الجنود. وأضاف هؤلاء أن «الانسحاب الأوكراني تم التخطيط له بصورة سيئة وبدأ متأخراً للغاية». وكان الجنود والمسؤولون الغربيون يتحدثون دون ذكر أسمائهم لحساسية ما يقولون بالنظر إلى أنه يتناقض مع ما صرحت به حكومة كييف.

مناورات عسكرية صعبة

ويعتبر الانسحاب تحت وابل القذائف المدفعية وطائرات الدرون والقصف الجوي أحد أكثر المناورات العسكرية صعوبة، ويمثل تحدياً للقادة العسكريين في عملية تقليل خسائر الأرواح، والسماح للوحدات بالانسحاب دون التنازل عن مزيد من الأرض أكثر مما هو مطلوب. وحسب المقابلات التي أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مع الجنود فقد كانت القوات الأوكرانية غير مستعدة للسرعة التي تقدم بها الجيش الروسي إلى أفدييفكا الأسبوع الماضي. وحاولت أوكرانيا كسب بعض الوقت لانسحاب قواتها النظامية عن طريق استخدام القوات الخاصة لتغطية الانسحاب، ولكنها لم تتمكن من إبطاء التقدم الروسي الكاسح.

وقال كبار المسؤولين الأوكرانيين إن الجيش الروسي تكبد خسائر كبيرة في هذه المعركة، واستولت روسيا على المدينة بقوات كثيفة أدت إلى انهيار الدفاعات الأوكرانية، وقتل الكثير من الجنود الروس، وفق المسؤولين الأوكرانيين.

وكان من الممكن تجنب الخسائر الأوكرانية لو بدأ الانسحاب في وقت مبكر وعلى نحو منضبط ومحسوب، لكن الأوكرانيين تأخروا كثيراً حتى بدأوا الانسحاب.

طريق الحياة

وزاد من صعوبة الانسحاب من أفدييفكا حقيقة أن الروس أحاطوا بها من ثلاث اتجاهات، وظل شارع معبد واحد هو الطريق الأمثل للدخول والخروج من المدينة، وتعرض هذا الشارع الذي أطلق عليه الأوكرانيون طريق الحياة، لتهديد مباشر في وقت مبكر من الشهر الجاري، ما جعل الانسحاب أكثر خطورة.

ولدى انسحاب القوات الأوكرانية ظهرت تسجيلات فيديو تعرض صور وحدات تتراجع تحت قصف المدافع، حيث تتطاير أشلاء الجثث على طول الطرق، وعانت الوحدات الأوكرانية خلال التواصل في ما بينها لأنها غالباً ما يكون لديها معدات لاسلكية مختلفة. وقال الجنود المطلعون على الانسحاب: «أدت مشكلات الاتصالات إلى أسر الجنود وقتلهم، وجرح البعض».

وقال جنود أجرت معهم صحيفة «نيويورك تايمز» مقابلات، إن بعض الوحدات انسحبت قبل الأخرى وكانت مدركة للانسحاب، وهذا ما جعل الوحدات المتأخرة تحت خطر الحصار من قبل القوات الروسية.

طائرات الدرون

ومنذ بدء الحرب قبل عامين حاولت القوات الروسية محاصرة القوات الأوكرانية وقتلها، إلا أن طائرات الدرون منعت حدوث ذلك، ولكن في أفدييفكا نجح الروس في القيام بهذا الحصار، ما أدى إلى وقوع الأوكرانيين في الأسر وفق المسؤولين الغربيين.

ويبدو أن «الكرملين» ذاته لم يكن مستعداً لسرعة انهيار الأوكرانيين في أفدييفكا. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فلتر لابس للذكاء الاصطناعي» جوناثان تيوبنر، إن آراء «الكرملين» ينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن مع انهيار دفاعات أفدييفكا، بدأت المناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي الروسية تتغير قبل أن يستقر «الكرملين» على رسائل جديدة. وقال تيوبنر: «روسيا لم تكن مستعدة لانهيار الدفاعات الأوكرانية، لكنها مع ذلك لم تتمكن عند ذلك من إطلاق حملة إعلامية منسقة حتى الآن».

ويعتبر أسرى الحرب أحد أكبر التحديات لمعنويات الجيش في الحرب، ولطالما ضغطت أوكرانيا على روسيا مرات عدة لتبادل الأسرى، وفي نوفمبر الماضي قالت حكومة كييف إن روسيا لديها 3574 أسير حرب أوكرانياً.

وفي يناير الماضي استخدمت أوكرانيا صاروخ باتريوت من المساعدات الغربية كي تسقط طائرة شحن روسية اعتقد المسؤولون أنها كانت تحمل صواريخ وذخيرة، ولكن المسؤولين الروس قالوا إنها كانت تنقل سجناء حرب أوكرانيين. وقال المسؤولون الأميركيون: «من الواضح أن بعض الأسرى الأوكرانيين كانوا على متن الطائرة فعلاً».

عن «نيويورك تايمز»

. كان من الممكن تجنُّب الخسائر الأوكرانية لو بدأ الانسحاب في وقت مبكر وعلى نحو منضبط ومحسوب.

. يمثل استيلاء الروس على مدينة أفدييفكا خسارة رمزية مهمة للقوات الأوكرانية، وإشارة إلى التأثير الميداني لفشل «الكونغرس» في تقديم مزيد من المساعدات.

تويتر