التطورات السياسية في سيؤول تلعب دوراً في تحولات السياسة الخارجية لبيونغ يانغ

كوريا الشمالية ترفض الوحدة نهائياً مع «الجنوبية»

صورة

خلال خطاب ألقاه في مجلس الشعب الأعلى في يناير الماضي، قال زعيم كوريا الشمالية كيم جونع أون، إن الوحدة مع كوريا الجنوبية لم تعد محتملة، وإن جارته يجب أن تمثل الآن «العدو الرئيس الذي لا يتغير».

ويعتبر ذلك بمثابة محور نادر في السياسة الخارجية لبيونغ يانغ، التي كانت تهدف باستمرار إلى إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية منذ تقسيمها في الهدنة التي أنهت الحرب الكورية التي دارت رحاها بين عامي 1950 و1953.

وتم تفسير موقف بيونغ يانغ الجديد تجاه الجنوب على نطاق واسع بأنه دليل نوع من إعلان الحرب من جانب الشمال. وعلى النقيض من ذلك، يتم تصوير الجنوب دائماً على أنه جارة طيبة لا تريد إلا الخير لجارتها، ولا ترغب في التهديد بالعدوان، لكن الأمر ليس بهذه البساطة التي يتصورها كثيرون.

وعندما يتعلق الأمر بالتحولات في السياسة الخارجية لكوريا الشمالية، تلعب التطورات السياسية والرأي العام في الجنوب دوراً رئيساً، وإن كان بأقل من قيمته الحقيقية في كثير من الأحيان، ويجب على بيونغ يانغ أيضاً أن تأخذ في الاعتبار العوامل الداخلية لجارتها عند الإدلاء بتصريحات حول العلاقات في شبه الجزيرة الكورية.

السياسة في كوريا الجنوبية

تعتبر العلاقات مع الشمال من أكثر القضايا الشائكة في السياسة الكورية الجنوبية، ويمكن أن تؤدي التغييرات في السلطة بين الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان إلى تحولات في سياسة سيؤول من العداء إلى المصالحة ثم العودة إلى العداء، ويطلق على الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الودية في شبه الجزيرة الكورية اسم «سياسة الشمس المشرقة» في سيؤول.

ويحدد النظام الرئاسي المعمول به في كوريا الجنوبية مدة ولاية الرؤساء بفترة تستمر خمس سنوات، ما يعني أن الرؤساء المهتمين بتحسين العلاقات مع بيونغ يانغ لا يملكون سوى بضع سنوات لإحراز أي تقدم قبل ترك مناصبهم.

ويعتمد الرئيس الحالي، لضمان الاستمرارية، على أن يكون خليفته ذا تفكير مماثل وربما أن يكون جزءاً من الفريق الدبلوماسي في دور مبتدئ أو استشاري، وهو معروف بالفعل لدى الكوريين الشماليين.

وعلى الرغم من صعوبة تصنيع هذه الظروف، فإن معظم ما يتم الاتفاق عليه بين الجنوب والشمال خلال الأوقات الأكثر ودية ليس أكثر من بناء جسور بسيطة أو مؤقتة، ما يشكل إحباطاً كبيراً للشمال.

وعلى سبيل المثال خطت بيونغ يانغ وسيؤول خطوات نحو تحسين العلاقات خلال رئاسة مون جاي إن الأخيرة التي استمرت خمس سنوات بين عامي 2017 و2022، وأدى ذلك إلى لحظة تاريخية في أبريل 2018 عندما التقى الزعيمان في المنطقة المنزوعة السلاح على طول خط عرض 38، ودخل كل زعيم إلى بلد الآخر، وتحدث كيم خلال المؤتمر الصحافي اللاحق ولو بطريقة خرقاء من خلال الملاحظات المكتوبة أمامه ورأسه مطأطئ عن الكوريتين باعتبارهما «أمة واحدة»، وعن رغبته الشخصية في رؤية إعادة التوحيد. وأدلى مون بتصريحات مماثلة بشأن المزيد من التعاون، وتم انتقاد جهود مون للحوار مع الشمال على نطاق واسع دون الحصول بالمقابل على التزامات بيونغ يانغ الملموسة بنزع السلاح النووي، واعتبرها خصومها نوعاً من الضعف.

مكاسب مالية

وكان هذا أحد الأسباب الرئيسة لخسارة حزبه الديمقراطي الانتخابات الرئاسية عام 2022 حتى إن النقاد أشاروا إلى جهود مون على أنها «سياسة لغو». وفي ما يتعلق بموقف الجنوب نحو الشمال من المهم أن ندرك أن شركات تصنيع الأسلحة تشارك في جهود ضغط متطورة وممولة بشكل جيد في جميع أنحاء العالم، وعادةً ما تكون هذه الأحداث مصحوبة بحملات إخبارية وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير مراكز الأبحاث، ما يعكس اهتمام البعض بإبقاء التوترات مرتفعة لتحقيق مكاسب مالية.

وفي أعقاب فترة رئاسة مون اتخذت الإدارة الجديدة بقيادة يون سوك يول من حزب قوة الشعب (التي استمرت من عام 2022 إلى الآن) موقفاً أكثر صرامة تجاه كوريا الشمالية، وقد طالب بـ«نزع السلاح النووي أولاً» قبل أي تحسين في العلاقات. وانتقد يون أيضاً القدرة العسكرية للجنوب على التعامل مع العدوان الكوري الشمالي، وتعهد بزيادة الإنفاق على التقدم التكنولوجي.

ولتحقيق هذا الهدف فإن الموقف المتقلب للجنوب تجاه الشمال إلى جانب القيود المفروضة على التقدم الناجم عن نظامها السياسي، لابد أن يحظى باعتراف أكبر باعتباره عاملاً مساهماً في قرار بيونغ يانغ إعلان وفاة احتمال إعادة التوحيد.

مخاوف الشمال

تعتبر كوريا الشمالية من أكثر المجتمعات عسكرة في العالم، ويتم هذا بطريقتين: أولاً بسبب عدد الأشخاص الذين ترتبط سبل عيشهم بالجيش بشكل أو بآخر، وثانياً من حيث المساحة الثقافية المهمة التي يشغلها الجيش في الحياة العامة. ويحظى الجيش الكوري الشمالي بالاحترام والعشق على نطاق واسع داخل البلاد، ولا تنتقد وسائل الإعلام الرئيسة التي تسيطر عليها الدولة المؤسسة العسكرية رغم أنها تعترف عندما تفشل التجارب الصاروخية على سبيل المثال، ويتمثل الترفيه المسائي على التلفزيون الكوري الشمالي بانتظام في تجمع للجوقات العسكرية أو الأفراد العسكريين الذين يكملون دورات القتال والتحديات الرياضية الأخرى.

وعادةً ما تكون العطلات الرسمية مثل التاسع من سبتمبر (ذكرى تأسيس الجمهورية عام 1948) مصحوبة بمواكب عسكرية وأخبار عن تطور عسكري كبير، مثل الاختبار الناجح للقنبلة النووية في التاسع من سبتمبر 2016.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 20% إلى 25% من إجمالي الناتج المحلي لكوريا الشمالية يذهب إلى الإنفاق العسكري، مع إنفاق المزيد من قبل الدولة على تصنيع الهيبة العسكرية من خلال المحتوى الإعلامي للثقافة الشعبية وبث المهرجانات. وبالمقارنة تنفق معظم دول أوروبا الغربية ما بين 1% و3% من إجمالي ناتجها القومي سنوياً في أوقات السلم على القضايا العسكرية، وهناك مساحة ثقافية أكبر لمجموعة من وجهات النظر حول المؤسسة العسكرية.

ولذلك يجب الاعتراف بأن كيم جونغ أون يواجه ضغوطاً محلية في ما يتعلق بحفاظه على السلطة في عائلته، ولهذا يجب النظر إليه باعتباره يتصرف بحسم، ويجب أن يكون لديه إعلان عسكري مرموق للخطب رفيعة المستوى في الأعياد الوطنية، وقد ورث هذا الوضع عن أبيه وجده، ولم يُظهر أي رغبة في التغيير.

عن «آسيا تايمز»

. يمكن أن تؤدي التغييرات في السلطة بين الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان إلى تحولات في سياسة سيؤول من العداء إلى المصالحة ثم العودة إلى العداء.

20% إلى 25% من الناتج المحلي لكوريا الشمالية يذهب إلى الإنفاق العسكري،

. مع إنفاق الدولة المزيد على تصنيع الهيبة العسكرية.

تويتر