المرصد

الصحافة التشاركية

أظهرت الحروب الأخيرة في المنطقة، وخصوصاً الحرب في غزة والسودان قيمة نوع جديد من الأخبار، فرضت نفسها بالواقع والممارسة وهي «الأخبار التشاركية».

فالحرب لم تعد إعلاناً عسكرياً، ولا «جاءنا البيان التالي»، وأصبح خبر الحرب، يصنعه مع تصريحات القيادات المتحاربة، وفي نفس اللحظة تقريباً، المحلل التلفزيوني، والمشاهد المدني، والحقوقي المتابع لانتهاكات المعارك، ومدقق الحقائق الـ(فاكت تشيكر)، الذي يفرز طوال الوقت الفارق ما بين الحقائق والأكاذيب و«البروباغندا» التي يبثها المتحاربون.

ويُعرّف الباحث بالمركز الإعلامي للمعهد الأميركي للصحافة، إس باومان الصحافة التشاركية بأنها «هي تلك التي يلعب فيها الجمهور دوراً نشطاً في جمع المعلومات أو إبلاغ الأخبار أو تحليلها». ويشير الخبير الإعلامي دان غيلمور في كتابه «نحن الإعلام» إلى أن «الصحافة تتطور من محاضرة إلى محادثة»، وأن «الأشكال التفاعلية الجديدة لم تعد تضع حداً بين منتجي الأخبار وجمهورهم»، وأن مصطلح «الجمهور عفا عليه الزمن، ويجب إعادة تسميتهم بالمشاركين».

ويشير مراقبون إلى أن «الصحافة التشاركية» نشأت مع كارثة تسونامي عام 2004، حيث اعتمدت وسائل الإعلام على شهود العيان وصورهم ورواياتهم في نقل الحدث، وكما ذكرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية وقتها فإن قنوات التلفزيون العالمية كانت تبعث بمراسليها ومصوريها التلفزيونيين ليس إلى موقع الأحداث، بل إلى المطارات التي يتواجد فيها مواطنون مسافرون قادمون من أماكن الكارثة.

ويرى بعض خبراء الإعلام، أن «الصحافة التشاركية» كما جاءت محملة بالمزايا فإنها تحمل عيوباً قاتلة أيضاً، فهي مثل الصحافة التقليدية، يمكن أن تضلل الجمهور، لأن من يكتبها هم أشخاص لهم أهواء ومصالح.

كذلك فإن الصحافة التقليدية تملك مفتاحاً سحرياً للحقيقة، لا تملكه الصحافة التشاركية، وهي نقل الخبر على لسان مصدر يمكن الرجوع إليه والتثبت منه، وهي ميزة تعطي المعلومة مصداقية نسبية. وطبقاً لرواية ذكرها مسؤول بمتحف الأخبار الأميركي هو بول سبيرو عن تفجير «ماراثون واشنطن»، الذي وقع في 15 أبريل 2013، وحضره أكثر من 27 ألف شخص، وقُتل فيه ثلاثة أشخاص وأصيب 183، فإنه «كانت هناك ثمانية ملايين تغريدة حول الحدث، 29% من هذه التغريدات هي معلومات خطأ أو غير دقيقة، ولم تمثل الحقائق الواقعية التي يمكن الاعتماد عليها أكثر من 20% من هذه التغريدات، وحين بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية في نشر صور المشتبه فيهم لتحديد هويتهم، سادت عقلية غوغائية وسط الجمهور تنشر أسماء عشوائية، وأصبح هناك أبرياء قد يتعرضون للخطر.

وهكذا تضع التحفظات الأخيرة «الصحافة التشاركية» على المحك، فبينما لا تنكر قيمتها على أنها «مصدر» للأخبار، فإنها تنفي عنها فرضية أن تكون وحدها هي «المصدر»، وتحتفظ للصحافة التقليدية بالحق في البقاء.

تويتر