المرصد

جديد الصحافة: قراؤنا شركاء لا مشتركين

كان طبيعياً والصحافة تتغير على مستوى الشكل والمضمون أن يتغير معها مستوى العلاقة بين القارئ والصحيفة، وأن يتبدل نظام «الاشتراكات» البالي القديم، ليحل محله نظام «القارئ عضو الصحيفة».

كان نظام الاشتراكات هو الأنسب في زمن القارئ المتلقي، والصحافي المنفرد، لكن في ظل تغير هذه البيئة المعرفية رأساً على عقب، وظهور «المواطن الصحافي»، و«القارئ الكاتب»، ودخول الجمهور، صوتاً وصورة، في صنع الخبر، لابد أن تكيف الصحافة نفسها مع الواقع الجديد، وتبدع شكلاً إدارياً يصبح فيه القراء، الذين لم يعودوا قراء فحسب، في علاقة أكثر عضوية بالصحيفة.

وتشرح منسقة «برنامج العضوية» في إحدى الصحف، نوران حاتم، الفرق بين نظام «الاشتراكات» و«نظام العضوية»، فترى الأول مجرد شراء للمحتوى، بينما الأخير ــ أي العضوية ــ فيشمل حضور فعاليات وورش عمل، وعرض أفلام للصحيفة، والحصول على تحليلات معمقة لمن يريد، والحصول على نشرات صباحية متنوعة.

وتوضح مجلة «كولومبيا جورناليزم» الأمر بعبارات أكثر تحديداً، فتقول «العضوية لا تقدم تخفيضات، وإنما تقدم شراكة للقارئ في صنع الصحيفة»، ويضيف محرر «ايديتور اند بابليشر» في الاتجاه ذاته، فيقول «إنها ليست اشتراكات بطريقة أخرى كما يتصور البعض، إنها عقلية تحريرية جديدة، تثمن العلاقة بين الصحيفة والقارئ، وتقر بأن العلاقة بينهما ليست طريقاً ذا اتجاه واحد».

وتقول الباحثة كيث مايرن، في دراسة نشرتها «بوينتر»، إن «نظام العضوية يدعو القراء لكي يمنحوا الصحيفة وقتهم ومالهم وروابطهم، ورأس مالهم الاجتماعي، وأفكارهم، وخبراتهم المهنية، قبل دعمهم المالي لإنجاحها، إنه طريق معرفي ذو اتجاهين، وآلية تبادل معلوماتي متواصلة بين هيئة تحرير الصحيفة والقراء».

تجدر الإشارة هنا إلى أن التوجه الصحافي نحو «برنامج العضوية» لم يعد وقفاً على مواقع تجريبية أو ذات نزعات راديكالية، مثل «ديلي بيست» مثلاً، وإنما تتبناه الآن صحف رصينة كبرى، مثل «الغارديان»، التي تخطت حاجز المليون مسهم، بسبب تبنيها، ولو جزئياً، لهذا الأسلوب، وتستعد الآن للتخطيط للوصول إلى مليون آخر.

فيما يبدو، وتاريخ الصحافة يكتب من جديد، أن هذا الطرح لن يمثل فقط مجاراة لمتغيرات «الميديا» وعلاقتها بقرائها، بل قد يمثل حلاً لمشكلة تمويل الصحافة ذاتها، في ظل موت صحف وصلت في مجدها إلى عنان السماء، وربما - أملاً لا طمعاً - يمثل حلاً لإشكال قديم في الصحافة اسمه العلاقة بين التحرير والاعلان.

من يدري؟ لعل وعسى.


العضوية لا تقدم تخفيضات وإنما تقدم شراكة للقارئ في صنع الصحيفة.

 

تويتر