تُعد عاصمة الابتكار في العالم

سان فرانسيسكو.. مدينة التكنولوجيا تكافح الفساد وتردّي الوضع الاقتصادي

صورة

كانت سان فرانسيسكو منذ فترة طويلة مرادفاً لفشل السلطات المحلية، وحتى عندما قام أرباب التقنية بجلب الأموال إلى المدينة وتحويل العالم من هناك، كانت سلطاتها غير قادرة على توفير المأوى والأمن الأساسيين للسكان. وانتشر التشرد وجرعات المخدرات الزائدة وجرائم الممتلكات، ثم ضرب الوباء وهدد صعود العمل عن بُعد بدقّ ناقوس الموت في المدينة، حيث بدأت صناعة التكنولوجيا في التراجع، ولكن مع تطور الأمور أصبحت سان فرانسيسكو موطناً لطفرة الذكاء الاصطناعي، وبعد حصولها على هذه القطعة من الحظ السعيد يجب على المدينة أن تغتنم الفرصة للإصلاح، وقد تكون هذه أفضل فرصة تحصل عليها.

وقبل بضع سنوات فقط كانت الاضطرابات الاجتماعية والسياسات السامة وتكاليف الإسكان الباهظة والجائحة تدفع الناس بعيداً، وكان أصحاب رأس المال المغامر ينفقون المزيد من أموالهم خارج منطقة خليج سان فرانسيسكو، وهجر العاملون في مجال التكنولوجيا مكاتبهم، وفي بعض الأحيان تركوا المدينة بالكامل. ومع إفراغ شوارع وسط المدينة من العمال أصبح التشرد وتعاطي المخدرات في الأماكن العامة أكثر وضوحاً، وغطت لافتات «البيع - للإيجار» المدينة مثل ورق الحائط.

تآكل الخدمات

وحذر الأشخاص الذين يحرصون على كتابة نعي سان فرانسيسكو من «حلقة الموت»، ومن شأن العقارات المهجورة في وسط المدينة أن تؤدي إلى تخفيضات في الميزانية وتآكل الخدمات العامة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تسريع الهجرة الجماعية، وكان كثير من الناس يشعرون بالقلق من أن المدينة يمكن أن تسلك الطريق نفسه الذي سارت عليه ديترويت التي عانت انهياراً مؤلماً عندما بدأت صناعة السيارات الأميركية في بناء المزيد من المصانع في الضواحي والجنوب.

ولكن قوة التكتل كبيرة لدرجة أن سان فرانسيسكو مُنحت فرصة جديدة للحياة. وكما ورد في التقارير الأسبوع الماضي فإن الخطوات الكبيرة التي حققها الذكاء الاصطناعي لم تؤدِّ إلا إلى تعزيز الادعاء بأن سان فرانسيسكو هي بالفعل عاصمة الابتكار في العالم، وقد ساعد قربها من جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهما مركزان للتميز في مجال الذكاء الاصطناعي، على دمج مشهد الشركات الناشئة في الشركات التي تتعامل في مجال التكنولوجيا.

ولا يوجد مكان آخر في العالم يضم هذا العدد من شركات الذكاء الاصطناعي أو هذا القدر من المواهب التقنية بدءاً من «أوبن أيه أي» و«أنتروبك»، و«دايتا بريكس»، و«سكايل أيه أي»، وتتمركز جميع الشركات الناشئة الكبرى تقريباً في خليج المدينة، وبدأ تمويل المشاريع في الارتفاع مرة أخرى، وفي العام الماضي ذهبت الغالبية العظمى من تمويل الشركات في المنطقة إلى الشركات الناشئة في المدينة نفسها، وعلى الرغم من المشكلات التي تواجهها سان فرانسيسكو وهي كثيرة، فإنها تظل نقطة جذب لرأس المال والمواهب.

فرصة الإصلاح

كل هذا يوفر للمدينة فرصة لإصلاح كيفية إدارتها، ومن المفيد أن الناخبين سئموا «السياسات التافهة» التي تنتهجها مدينتهم (بسبب قواعد التصاريح القمعية ارتفعت كلفة المراحيض العامة الواحدة إلى 1.7 مليون دولار). ومن أحيائهم الفاخرة ومقارهم الرئيسة في وادي السيليكون كان التقنيون يكتفون بمشاهدة سان فرانسيسكو وهي تتعفن، وعلى النقيض من ذلك يشعر الأثرياء الذين يعيشون في المدينة اليوم بالحاجة إلى الدخول في المعركة السياسية.

وفي غضون ذلك جاءت العلامات الأولى على أن سكان سان فرانسيسكو كانوا يثورون ضد الوضع الراهن في عام 2022، عندما أطاح الناخبون بثلاثة أعضاء في مجلس إدارة مدينتهم، واستدعوا المدعي العام التقدمي للغاية، ولم ينتهوا بعد، ومن الواضح أن الانتخابات المحلية هذا العام ستطغى عليها الانتخابات الوطنية، ولكن الانتخابات في المدن في شهري مارس ونوفمبر ستوفر للناخبين في سان فرانسيسكو احتمال حدوث تغيير حقيقي.

وكثيراً ما يواجه الديمقراطيون المعتدلون مثل العمدة الحالي، لندن برايد موقفاً محرجاً من قِبل اليساريين الذين يقاومون بناء المنازل، أو خفض الضرائب التجارية، أو تقليص الميزانية المتضخمة، أو تمويل الشرطة. وانتخاب المزيد من المعتدلين في مجلس المشرفين - وهو الاسم الذي يطلق على مجلس مدينة سان فرانسيسكو - من شأنه أن يجعل تحقيق كل هذه الأمور أسهل.

وحتى لو وصل العقلاء إلى المناصب فإن إجراء تغييرات كبيرة سيكون أمراً صعباً، وقد أصبحت الحركة المحلية النشطة راسخة، وكان الفساد يمثل مشكلة منذ فترة طويلة، ومع ذلك فإن الفرص نادرة، ويريد الشباب العيش والعمل في المدينة المطلة على الخليج وأن يكونوا جزءاً من الثورة التكنولوجية التي تغير العالم، ويمكن لسان فرانسيسكو إما الاستفادة من حماستهم والشروع في إصلاح مشكلاتها، أو العودة إلى الرضا عن النفس وتبديد فرصة غير متوقعة.

عن «الإيكونوميست»


تجربة التعافي

تُعد تجربة تعافي سان فرانسيسكو من ويلات جائحة «كوفيد-19» من أسوأ التجارب في الولايات المتحدة، وفقاً لمتتبع التعافي الاقتصادي الذي أطلقته مجموعة من الباحثين المتخصصين. ومن بين أكبر 25 مدينة من حيث الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، احتل التعافي من الوباء في سان فرانسيسكو المرتبة 24 على مؤشر الانتعاش الاقتصادي الإقليمي، متفوقاً على مدينة بالتيمور فقط.

وتم قياس التعافي من الوباء من خلال 15 مقياساً مختلفاً بما في ذلك نمو الوظائف المحلية، والنمو السكاني، وإشغال المكاتب، ونمو القوى العاملة، وإيرادات ضريبة المبيعات، وبناء مساكن جديدة. ويتضمن تصنيف التعافي في سان فرانسيسكو بيانات من أوكلاند وبيركلي، في حين يتضمن تصنيف سان خوسيه بيانات من سانيفيل وسانتا كلارا.

وقال المدير التنفيذي للمعهد الاقتصادي في سان فرانسيسكو، جيف بيليساريو: «تتنافس منطقة غرب أميركا من أجل مستقبلها الاقتصادي، وفي أي منافسة من المهم أن نعرف أين نقف وأين نحتاج إلى استثمار الوقت والطاقة والموارد لتحقيق النجاح».

وقام المعهد الاقتصادي بتطوير المؤشر بالشراكة مع شركات محلية ومركز «تك أنسايت». وتتبع الباحثون بانتظام إشغال المكاتب في سان فرانسيسكو طوال فترة الوباء، ووجدوا في تقرير صدر الشهر الماضي أن ما يقرب من 27% من مكاتب المدينة كانت شاغرة في نهاية عام 2022.

بالإضافة إلى ذلك ارتفع العمل الدائم عن بعد في المدينة بين عامي 2019 عندما أفاد ما بين 5 و10% من العاملين في المقاطعات بأنهم عملوا من المنزل، و2021 عندما وصل هذا العدد إلى 46% في سان فرانسيسكو، وفقاً لبيانات مسح المجتمع الأميركي الذي أجراه مكتب الإحصاء الأميركي.   


تضارب المصالح

قال ممثلو الادعاء إن موظفاً في مدينة سان فرانسيسكو اتُّهم نهاية الشهر الماضي بالمساعدة في اختلاس مئات الآلاف من الدولارات من برنامج يهدف إلى تمويل تحسينات الأحياء.

وستانلي إليكوت، مدير يبلغ من العمر 38 عاماً في إدارة الموارد البشرية في بلدية المدينة، متهم بثماني مخالفات بما في ذلك تهمة اختلاس المال العام، وست تهم بالمساعدة والتحريض على تضارب المصالح المالية في عقد حكومي، وتهمة استلام ممتلكات مسروقة. وتتضمن التهم قضية ساعد فيها إليكوت أحد زملائه على تقديم رشى لمسؤول المنح في البلدية مقابل مبلغ من المال.


سوء السلوك الرسمي

قال المدعي العام في سان فرانسيسكو، بروك جينكينز: «تعكس التهم المعلنة اليوم التزام مكتبي المستمر بالكشف عن سوء السلوك الرسمي في مجلس مدينة سان فرانسيسكو»، متابعاً: «إن فريق عمل النزاهة العامة التابع لمكتب المدعي العام مكرس لمحاسبة أولئك الذين يسرقون الأموال العامة لتحقيق أهدافهم الخاصة».

والتهم الموجهة إلى ستانلي إليكوت، من إدارة الموارد البشرية في بلدية المدينة بالاختلاس هي الأحدث في تحقيق مستمر منذ أربع سنوات تجريه السلطات الفيدرالية والمحلية في الفساد في مدينة سان فرانسيسكو. وأدى التحقيق في الفساد إلى إدانات ضد رئيس وزارة الأشغال العامة السابق، والمدير العام السابق للجنة المرافق العامة، وعدد كبير من رجال الأعمال المحليين الآخرين، والمطورين، والبيروقراطيين في المدينة.

وخلال العام الماضي وجّه المدعون اتهامات ذات صلة ضد دواين جونز، وهو موظف سابق في المدينة ورجل أعمال محلي، ولانيتا هنريكيز المديرة السابقة لبرنامج المدينة الذي يُزعم أن إليكوت سرق منه، ولم تعد هنريكيز تعمل في المدينة.

وتم اتهام هنريكيز وجونز باختلاس أموال حكومية، وتهم متعددة بالرشوة، والعديد من التهم المتعلقة بتضارب المصالح المالية. ودفع كلا المتهمين ببراءتهما، ولم يتم تقديم إليكوت للمحاكمة بعد وهو حالياً محتجز لدى مركز شرطة سان فرانسيسكو.

. الاضطرابات الاجتماعية والسياسات وتكاليف الإسكان الباهظة والجائحة دفعت الناس بعيداً عن المدينة.

. السكان كانوا يثورون ضد الوضع الراهن عندما أطاح الناخبون بثلاثة أعضاء في مجلس إدارة مدينتهم.

تويتر