دخلهم المرتفع ساعدهم على تحقيق أحلامهم

أميركيون ينتقلون للعيش في أوروبا من أجل حياة جيدة بسعر رخيص

صورة

عام 2019 انتقل الأميركيان بن ميتاس وزوجته ميغان إلى البرتغال قادمين من فلوريدا، واستأجرا شقة من أربع غرف نوم مقابل 2500 يورو شهرياً في كامبو دي أوريك، وهو حي هادئ في العاصمة، به متاجر صغيرة ومطاعم. وفي العام الماضي اشتريا منزلاً بُني في القرن الـ19 في لابا، وهو حي تاريخي يقع على ارتفاع عالٍ بالقرب من النهر، به سفارات وقصور من القرن الـ18 بواجهات مبلطة، وسيتم تجديد «منزل العائلة إلى الأبد»، كما قالت ميغان.

وبن (40 عاماً) هو سمسار عقاري، يسافر كثيراً إلى فلوريدا للعمل، لكن حياته الأسرية في لشبونة، حيث يوجد طفلاهما الصغيران في الحضانة. وتشعر العائلة بالارتياح بوجودها في أوروبا. وفي العاصمة البرتغالية يبدو أن المتحدثين باللغة الإنجليزية موجودون في كل مكان، وفي اليوم الذي اصطحب فيه بن ابنته إلى الحديقة، جلست امرأتان على مقعد قريب وعربات الأطفال عند أقدامهما وهما يتجاذبان أطراف الحديث باللغة الإنجليزية.

وفي أحد شوارع لشبونة القديمة، يوجد مكتب ريتا سيلفا، وهي باحثة في مكتب «هابيتا» للاستشارات، وكانت تستعد للقاء سكان لشبونة الذين يواجهون الإخلاء. وتقول سيلفا إن المكتب نفسه يواجه ضغوطاً من قبل المالك الذي رفض تجديد عقد الإيجار الذي ينتهي بنهاية العام. وقالت سيلفا: «لم تعد لشبونة في متناول الأشخاص الذين يعيشون ويعملون في هذا البلد».

وفي غضون ذلك ينتقل الأميركيون غير القادرين على شراء المنازل التي يريدونها في المدن التي يريدون العيش فيها، مثل سان فرانسيسكو ونيويورك، إلى جنوب أوروبا بأعداد كبيرة. وينجذب العديد من الأميركيين إلى المنطقة بسبب مناخها المعتدل وكلفة المعيشة المنخفضة، والتي أصبحت ميسورة الكلفة بسبب الدولار القوي، ويتدفق العديد من الأميركيين إلى القارة من أجل تجربة أسلوب حياة مختلف، وللحصول على فرصة للعيش في مدينة أوروبية نابضة بالحياة وبسعر رخيص.

عدم المساواة

ما هو رخيص بالنسبة لهؤلاء الأميركيين مكلف للغاية بالنسبة لمواطني أوروبا الجنوبية، الذين يقل متوسط أجورهم بشكل كبير عن أجور الأميركيين. ويتنافس السكان المحليون على المنازل مع الأجانب الأثرياء في السوق التي تعرضت للتشويه بالفعل، بسبب «إير بي إن بي»، وهي شركة مقرها سان فرانسيسكو تدير سوقاً على الإنترنت للحصول على الإقامة والتجارب قصيرة المدى، فضلاً عن الاستثمار العقاري للشركات. والنتيجة هي فشل جيل من الأوروبيين في الانطلاق، حيث لايزال أكثر من 90% من سكان جنوب أوروبا تحت سن 35 يعيشون في بيت العائلة، وهي معدلات تفوق نظرائهم الأميركيين. وأولئك الذين لديهم شقق يواجهون عمليات إخلاء وزيادات غير متوقعة في الإيجار في المدن ذات تدابير حماية الإيجارات الضعيفة، مثل لشبونة وبرشلونة وأثينا.

وقال ألكيس كافيتزيس (40 عاماً)، وهو منسق مشروع في معهد «إتيرون» للأبحاث والتغيير الاجتماعي في أثينا، الذي يدرس عدم المساواة في الإسكان: «إنه أمر محطم للروح».

إن الارتفاع المفاجئ في الاستثمار الأجنبي في أوروبا ليس من قبيل المصادفة، وقد أغرت البرتغال وإسبانيا واليونان الأجانب الأثرياء والشركات على أمل جذب المواهب وتعزيز اقتصاداتها وتحفيز التنمية. وقدمت البرتغال وإسبانيا أخيراً تأشيرات رقمية تسمح للعمال عن بعد بالعيش في البلاد فترة طويلة من الزمن، مثل ما فعلت اليونان. وفي إسبانيا قفزت مبيعات المنازل للأميركيين بنسبة 88% في النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها في 2019. وبحلول عام 2022 كان ما يقرب من 10 آلاف مواطن أميركي يعيشون في البرتغال، بزيادة مذهلة قدرها 239% عن عام 2017، وفقاً لبيانات الحكومة البرتغالية.

عقبة لغوية

يستمتع الأميركيون الذين يختارون العيش في البلدان المتوسطية بالطقس اللطيف، ووجبات الغداء، ويمكن التغلب على العقبة اللغوية من خلال تطبيقات الترجمة وبعض العبارات. ويقول الأميركيون إنه حتى لو تعثروا في محادثة فإن السكان المحليين يتحولون بسرعة إلى اللغة الإنجليزية لأن اللغة شائعة في المدن الأوروبية. وفي المقابل يتحدث أطفالهم لغتان، الأمر الذي يمنح الوالدين مثل السيد والسيدة ميتاس إمكانية الاستعانة بمترجمين صغار على تجاوز اللحظات الصعبة عندما لا تكون ترجمة «غوغل» كافية.

ويبدو أن همّ هؤلاء الأميركيين الرئيس هو تغيير نمط الحياة، وفي ذلك يقول خبير الجغرافيا الحضرية في جامعة لشبونة لويس مينديز: «إنهم يريدون حقاً العيش هنا، وأن يكون لديهم أسلوب حياة أكثر عالمية».

قال كريستيان ماليوس (17 عاماً)، بينما كانت أخته إيفانغيليا، البالغة من العمر ثمانية أعوام، تلهو أمامه بزلاجات دوارة: «الطريقة التي نعيش بها هنا فيها حرية أكثر ومتعة أكثر»، متابعاً: «الجميع هادئون، الأمر ليس كما في أميركا». وتنحدر عائلة ماليوس من كولتس في نيوجيرسي، وهو مجتمع ريفي في وسط الولاية، مع عقارات مترامية الأطراف، ومزارع خيول.

ووصلت العائلة إلى اليونان في يوليو 2020، بعد أن اشترت ميليسا وديمتريوس ماليوس منزلاً بقيمة 350 ألف يورو في إيفيا، وهي جزيرة بالقرب من أثينا. وعملية الشراء تؤهل للحصول على تأشيرة ذهبية، وهو برنامج إقامة متاح في دول أوروبية عدة يمنح مشتري المنازل سنوات من الإقامة مقابل إنفاق مبلغ كبير على العقارات.


• الرخيص بالنسبة للأميركيين مكلف للغاية بالنسبة لمواطني أوروبا الجنوبية، الذين يقل متوسط أجورهم بشكل كبير عن أجور الأميركيين.

• في إسبانيا قفزت مبيعات المنازل للأميركيين بنسبة 88% في النصف الأول من عام 2022، مقارنة بالفترة نفسها في 2019.

• 90% من سكان جنوب أوروبا تحت سن 35 يعيشون في بيت العائلة.

• بحلول عام 2022 كان ما يقرب من 10 آلاف مواطن أميركي يعيشون في البرتغال، بزيادة مذهلة قدرها 239% عن عام 2017، وفقاً لبيانات الحكومة البرتغالية.


صداقات محلية

يلتحق أطفال ماليوس الآن بمدرسة افتراضية خاصة، وهي «أكاديمية بيرسون»، عبر الإنترنت، والتي تتيح لهم التنقل بين أثينا وإيفيا، لكنها لم تمنح إيفانغيليا فرصة لتعلم اللغة اليونانية وتكوين صداقات محلية. وقالت إيفانغيليا: «أفتقد نيو جيرسي».

لكن شقيقها (كريستيان) تعلم اللغة من أصدقائه في فريق كرة السلة، فيما يتحدث والدها ديمتريوس ماليوس (52 عاماً)، وهو صاحب رأسمال مغامر من أصل يوناني، اللغة بطلاقة.

ومن جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لشركة «أينغل أند فولكرز» في اليونان، جورج بيتراس، إن الأميركيين غمروا السوق اليونانية في عام 2022، وهو ما يمثل ربع المعاملات الخارجية لشركته. وإذا استمر هذا الاتجاه فسيصبح الأميركيون ثالث أكبر مجموعة من المشترين الأجانب تتعامل معها شركته.

دخلٌ كافٍ

اشترى ريان وارد وزوجته غوستينا المنزل المكون من طابقين مع مسبح في «كوستا برافا»، مقابل 515 ألف يورو في فبراير 2021. ويعيش الزوجان مع أطفالهما الثلاثة في شقة من ثلاث غرف نوم في الطابق العلوي من الشقة، وتقوم العائلة بتأجير الغرفتين في الطابق السفلي من خلال موقع «إير بي إن بي»، ويؤجرون المنزل بأكمله أثناء سفرهم خلال الصيف، وتكسب دخلاً إيجارياً كافياً لدفع الرهن العقاري.

وجاءت عائلة وارد إلى إسبانيا في عام 2016 عندما عُرض على جيمس العمل لصالح شركته فترة ستة أشهر في برشلونة، لتتحول إلى وظيفة دائمة، وبمجرد تكوين أسرة لم تكن العودة إلى الولايات المتحدة أمراً منطقياً بالنسبة للعائلة. والعقارات في كاليفورنيا باهظة الثمن وفي شيكاغو أيضاً، حيث نشأت جوستينا (36 سنة)، كما أن المدينة شديدة البرودة في الشتاء.

وبعد العيش في أوروبا، لم يعد بإمكانهم تخيل التخلي عن أسلوب حياة البحر الأبيض المتوسط والتنوع الثقافي في إسبانيا، الذي باتا يعتزان به. وقالت الزوجة وهي تجلس على أريكتها بينما ترضع ابنها حديث الولادة، وتنظر وتستمتع بمنظر البحر الخلاب: «ما الهدف من العودة؟».

ويقوم الأجانب بشراء منازلهم على طول الساحل الإسباني من كوستا برافا في الشمال إلى الأندلس في الجنوب. وتسمح التأشيرة الرقمية الجديدة في إسبانيا للأجانب العاملين عن بعد والعاملين لحسابهم الخاص بالعيش في البلاد على مدار السنة، طالما أنهم يكسبون معظم دخلهم خارج إسبانيا ويستوفون المتطلبات الأخرى.

مدرسة دولية

خلال العام الدراسي الماضي استأجرت عائلة ماليوس منزلاً في أثينا، بينما التحق أطفالهم بمدرسة دولية هناك، وبحلول عام 2022 طرحت العائلة منزلها في نيو جيرسي للبيع، واشترت شقة بـ1.45 مليون يورو في كيفيسيا، إحدى ضواحي أثينا الشمالية، بشوارعها التي تصطف على جانبيها الأشجار والفلل، والتي تبلغ كلفتها ملايين عدة، والمخبأة خلف الجدران الحجرية العالية. وتُباع المنازل الراقية في كيفيسيا بأكثر بنحو 44% من المنازل المماثلة في بقية أثينا، رغم غلائها.

وكل مساء في نهاية الأسبوع تتجول العائلة في وسط مدينة كيفيسيا المليء بالمطاعم الراقية والمقاهي والمتاجر.

تويتر