أُنشئت في عهد المماليك لاستخراج زيت السمسم.. وعاصرت حقباً زمنية عدة

معصرة «إقنيبي» بالخليل.. 850 عامــــاً شاهدة على الهوية الفلسطينية

صورة

في حي القزازين التاريخي، بالبلدة القديمة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، مازالت رائحة السمسم عالقة بين جدران معصرة «إقنيبي» العتيقة، التي تتربع على عرش المعالم الأثرية الفلسطينية، لتنتصر بشموخها وصمودها على عمليات الاستيطان والتهويد، المتفشية في أرجاء بلدات وقرى خليل الرحمن.

وتعد معصرة السمسم «إقنيبي»، إحدى معالم الهوية الفلسطينية العربية والإسلامية في البلدة القديمة، بمدينة الخليل، إذ تم إنشاؤها في حقبة المماليك قبل أكثر من 850 عاماً، لاستخراج زيت السمسم ومشتقاته عبر وسائل بدائية يدوية، فيما عاصرت العديد من الحقب الزمنية المتعاقبة.

سرد تاريخي

المعصرة قائمة اليوم كما هي بحجارتها، وأدواتها، تروي إرث الأجداد، وهو ما حافظ عليه هشام مرقة، صاحب المعصرة، أحد الذين عاصروا العمل بداخلها قبل أن تتوقف عن العمل في بدايات سبعينات القرن الماضي، حيث بقي متمسكاً بإرث القدماء على أرض مدينته الأصلية الخليل، على مر الأزمنة والعصور.

فمازال فرن النار القديم الذي كان يستخدم في تحميص السمسم ماثلاً حتى اليوم، والطاحونة الحجرية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، لم تنقل من مكانها، إلى جانب الأحواض الحجرية والأواني الفخارية التي كانت تستخدم في عملية عصر السمسم، باقية كما هي، حيث حوّل مرقة المعصرة إلى متحف يزخر بجميع هذه المحتويات، التي تعد إرثاً تاريخياً للحضارة الفلسطينية، إلى جانب بيع التحف السياحية، والمنتجات التراثية.

ويستقبل متحف معصرة السمسم الزوار الفلسطينيين والأجانب، منذ افتتاحه في عام 2014، على مدار الساعة بشكل يومي، في سرد تاريخي للوجود الفلسطيني عبر العصور التاريخية.

ويقول صاحب معصرة «إقنيبي»: «قبل جائحة كورونا، كان يفد السياح الأجانب بأعداد كبيرة إلى المعصرة، إذ نشرح لهم باللغة الإنجليزية تاريخ هذا المكان الأثري، ومحتوياته، والصناعات التي كانت تنتجها معصرة السمسم التاريخية، إلى جانب عرض نبذة عن معاناتنا في مدينة الحرم الإبراهيمي، جراء ممارسات الاحتلال ومستوطنيه، أما اليوم فتكاد تخلو الشوارع من المارة وسكان البلدة القديمة، وأصحاب محالها التجارية». ويشير إلى أن منطقة حي القزازين تتعرض لممارسات وحشية من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه، الأمر الذي يلقي بظلاله على حركة الناس والتجارة في البلدة القديمة، مضيفاً «مقابل الحي، وعلى مساحة لا تتجاوز الكيلومتر مربع، تقام أربع مستوطنات في قلب البلدة القديمة».

مقتنيات شامخة

ويعود صاحب معصرة إقنيبي بـ«الإمارات اليوم» إلى عهد نشأتها، ومراحل عملها عبر أزمنة عديدة، حيث يقول وهو يتوسط الطاحونة الحجرية والأواني الفخارية: «إن الظهور الأول للمعصرة يعود إلى العهد المملوكي قبل ما يقرب من 850 عاماً، حيث كانت استخدامات مستخرج السمسم والزيتون، تعد ضمن تقاليد الطعام في الخليل، وكانت ضمن أهم المعاصر في تلك الحقبة الزمنية، وفي عهد العثمانيين أضيفت الطاحونة الحجرية الضخمة، لاستخراج زيت السمسم وما ينتج عنه من منتجات أخرى مثل (الطحينة)».

ويضيف مرقة: «إن مقتنيات معصرة إقنيبي موجودة حتى اليوم، ومنها أحواض حجرية عميقة وكبيرة، كانت تستخدم في نقع السمسم بالماء والملح، وبعد عملية غسله بالماء ومن ثم تجفيفه، يتم تحميصه داخل فرن النار الحجري، الذي مازال حاضراً في جنبات المعصرة العتيقة».

وبعد عملية تحميصه، كان ينقل السمسم في أحواض حجرية أخرى، تسمى بـ«المداعيس»، لهرس السمسم، واستخراج الزيت، الذي يستخدم في علاج الأمراض الصدرية، والحفاظ على نضارة البشرة، وإنتاج الحلويات المختلفة، وذلك بحسب مرقة.

ترميم يسبق اندثار

في عام 1970 توقفت المعصرة عن العمل، وهجرها أصحابها الأصليون، بعد دخول أدوات التطور التكنولوجي، وقد ساعد الاحتلال على هجرانها، عقب فرض إجراءات عسكرية في قلب البلدة القديمة، كان لها الأثر في التضييق على السكان الفلسطينيين في الخليل.

واشترى مرقة المعصرة من أصحابها الأصليين إبان انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000، ولكنها بقيت على حالها في طريق عوامل الاندثار الطبيعية، إلا أن هذا المسار لم يستمر، عندما أنقذت لجنة إعمار الخليل المبنى الأثري، وأجرت عمليات ترميم واسعة لجدرانه ومقتنياته، ضمن مشروع ترميم المقامات والزوايا الدينية، والمعاصر الأثرية.

ويقول صاحب معصرة السمسم العتيقة: «بعد عملية ترميم معصرة إقنيبي، بدأت معالمها ومقتنياتها تظهر جلية، حيث إن جميع جنباتها باقية كما كانت في الماضي قبل مئات السنين، ومن هنا جاءت فكرة افتتاح المتحف التراثي، فمن خلاله أحافظ على هذا الإرث التاريخي من الاندثار، والذي يعد جزءاً أصيلاً من الوجود الفلسطيني، على مر الأزمنة والعصور».


الظهور الأول للمعصرة يعود إلى العهد المملوكي قبل ما يقرب من 850 عاماً، حيث كانت استخدامات مستخرج السمسم والزيتون، تعد ضمن تقاليد الطعام في الخليل، وكانت ضمن أهم المعاصر في تلك الحقبة الزمنية، وفي عهد العثمانيين أضيفت الطاحونة الحجرية الضخمة، لاستخراج زيت السمسم.

عام 1970 توقفت المعصرة عن العمل، وهجرها أصحابها الأصليون، بعد دخول أدوات التطور التكنولوجي، وقد ساعد الاحتلال على هجرانها، عقب فرض إجراءات عسكرية في قلب البلدة القديمة، كان لها الأثر في التضييق على السكان الفلسطينيين في الخليل.

تويتر