مع شحّ فرص تعليم المرأة في أفغانستان

بالصور.. أفغاني يوفر التعـليم مجــاناً للفتيات في منزله

صورة

على الرغم من إنفاق أكثر من مليار دولار على نظام التعليم في أفغانستان فإن الكثير من أبناء الشعب لا يستطيعون الحصول عليه، ولهذا السبب حول رجل في قرية نائية غرفة معيشته لفصل دراسي لمساعدة فتيات القرية على الحصول على التعليم. وتقع قرية باديخل في مقاطعة خوست بالقرب من الحدود مع باكستان على مسافة بعيدة من العاصمة كابول، وهي موطن لنحو 250 عائلة من بينهم حبيب الرحمن، الذي كان طياراً في الجيش الأفغاني إلى أن بدأ يعاني مشكلات في القلب. عاد إلى قريته مع أسرته وظل يدير مدرسة صغيرة للفتيات، ويقدم دروسه دون مقابل، ويستقبل نحو 30 طالبة كل يوم، وعندما يقترب موعد نوم الأسرة يدفع الطاولات والكراسي نحو الجدران ويضع مراتب لتنام عليها أسرته.

مبادرة خاصة

هذه مبادرة خاصة في بلد تقمع فيه حركة «طالبان» المتشددة النساء بشكل منهجي، وتغلق مدارس الفتيات، وتحظرهن من جميع أنواع التعليم والعمل، لكن في الوقت الحاضر حتى أعضاء «طالبان» الناشطون في المنطقة يرسلون بناتهم وأخواتهم وبنات أخواتهم إلى مدرسة حبيب الرحمن، ونجح هذا الرجل أيضاً في إقناع القرويين الآخرين المتشككين في البداية.

وتتعلم الفتيات في المدرسة المحاسبة والتاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية ولغتهن الأم الباشتو، من الصباح حتى صلاة الظهر، وبمجرد انتهاء صلاة الظهر والمدرسة، هناك قيلولة مدتها ساعتان حتى الغداء، حيث يتوقف كل شيء في خوست عادةً.

مفهوم تعليم المرأة تغير

رسمياً الحكومة الأفغانية هي المسؤولة عن المنطقة، ولكن كما هي الحال في معظم المناطق الريفية في أفغانستان، فإن سلطة «طالبان» هي السائدة، وخلال نظام «طالبان» لم يكن أحد من المواطنين يتصور ذهاب الفتيات لمدارس تقدم فيها التعليم نساء، ناهيك عن مدرسة يديرها رجل، لكن في السنوات العشرين الماضية تغير هذا المفهوم تماماً في القرى.

ويقول حبيب الرحمن إن المتطرفين من القرى المجاورة ليس لديهم مشكلة في مدرسته، كما أن مقاتلي «طالبان» لم يعد لهم وجود في قريتنا، لكنهم يشجعون الفتيات على الذهاب إلى المدرسة، وتعليمهن مهم بالنسبة لهم. وتعكس مدرسة البنات في باديخل التناقض على الأرض، فبينما يرسل مقاتلو «طالبان» التلاميذ الذكور إلى المدرسة، يوجه بعضهم تهديدات إلى حبيب الرحمن.

سلوك «طالبان» المتناقض

لا يفاجأ المراقبون والخبراء في المنطقة بشكل خاص بسلوك «طالبان» المتناقض، فوفقاً للباحثة في الأنثروبولوجيا السياسية، أورزالا نعمات، التي ترأس وحدة البحث والتقييم في العاصمة الأفغانية كابول، كان المتطرفون يظهرون سلوكاً مشابهاً في أواخر التسعينات. وتقول: «لم تتمكن (طالبان) من إقناع رجالها بما تعتبره الحركة في الأساس قرارات غير إسلامية، مثل إغلاق مدارس الفتيات». وهناك أيضاً حقيقة أن القيادة السياسية الحالية للمتطرفين تقيم في الخارج، وربما يرسلون بناتهم إلى المدارس والجامعات المكيفة هناك.

طموح وآمال نسائية

لا يوجد في خوست الآن مدارس فحسب، بل توجد أيضاً جامعة، والتي التحق بها ابنا حبيب الرحمن. ويقول حبيب الرحمن: «أحدهما يخطط لكي يصبح طبيباً والآخر مهندساً، يجعلانني فخوراً للغاية». ويشتري ابناه أحياناً كتباً مدرسية جديدة لمدرسة أبيهما من المدينة أو يعملان بها كمعلمين بديلين.

الجامعة أيضاً هي المكان الذي يأمل تلاميذ حبيب الرحمن أن ينتهي بهم المطاف إليها. تقول لطيفة التي ينتمي شقيقها لمقاتلي «طالبان»: «أريد أن أذهب إلى الجامعة في يوم من الأيام، أريد أن أصبح طبيبة أو معلمة لأخدم شعبي». وللقيام بذلك، سيكون عليها إكمال تعليمها في المدينة. دروس حبيب الرحمن تنتهي فقط عند الصف السادس.

ويتلقى حبيب الرحمن القليل من الدعم في مدرسته بتبرعات من القرويين، إذ إن مشكلة التعليم في قرى أفغانستان بعد كل شيء، ليس السبب فيها فقط «طالبان» ومعتقداتهم المتطرفة، وإنما أيضاً التقصير من الجهات الرسمية. ويتساءل حبيب الرحمن ما إذا كانت الحكومة تعرف أصلاً أنه يدير مدرسة في منزله. ويقول «يتحدث كثير من الناس عن المدارس والجامعات في العاصمة، ولكن ماذا عن القرى؟».

مدارس الأشباح

بين عامي 2002 و2015، أنفقت الحكومة الأميركية وحدها نحو مليار دولار على نظام التعليم في أفغانستان، على أمل بناء مئات المدارس الجديدة وملء الفصول الدراسية بالطالبات، ولكن بدلاً من ذلك فإن الكثير من الأموال تأخذ طريقها ببساطة إلى جيوب أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين، وفي الواقع ظلت مدارس عديدة فارغة تماماً حتى مع استمرار تدفق الأموال لتشغيلها.

وكشفت الأبحاث التي أجراها الصحافي الاستقصائي الأميركي عزمت خان أنه في عام 2015 كانت وزارة التعليم الأفغانية تدير ما لا يقل عن 1100 مدرسة، ومع ذلك كانت الدراسة تجري في الواقع فقط في جزء صغير منها. وكتب خان أن هناك مدارس يطلق عليها النقاد اسم «مدارس الأشباح»، وهي موجودة فقط على الورق من أجل غسل أموال المساعدات. وفي كثير من الحالات، يتم تضخيم عدد الفتيات اللاتي يدرسن في تلك المدارس من خلال أسماء وهمية من أجل ضمان تدفق الأموال الغربية. ويقول حبيب الرحمن: «مدرستنا حقيقية، ولكن لا يبدو أن هناك من يهتم بها، ولم تصل المساعدات الغربية أبداً إلى هذه الجهة من أفغانستان». ويعلم أنه من غير المرجح أن يتغير هذا في المستقبل القريب.

خوف من الماضي

ومنذ أن توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق لسحب القوات مع «طالبان» في فبراير، كان من الواضح أن الجماعة المسلحة ستعود عاجلاً أم آجلاً وتحصل على حصة من السلطة في كابول بشكل أو بآخر.

ويخشى العديد من الأفغان، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في المراكز الحضرية مثل كابول، من الارتداد إلى الأيام المظلمة في الماضي، حيث كان يتم فرض حظر على تعليم النساء، على الرغم من أن حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، وكذلك المفاوضون الأميركيون، أوضحوا أنهم لن يتسامحوا مع مثل هذا التحول.

وتقول محبوبة، إحدى طالبات حبيب الرحمن: «كان الذهاب إلى المدرسة دائماً صعباً على النساء الأفغانيات، لكنني الآن متفائلة بأن الأمور ستتغير تدريجياً، وأنا سعيدة لأنني أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأتعلم الكثير هناك». في البداية، عارض بعض أفراد أسرتها ذهابها إلى المدرسة، والآن تتمتع بدعم الجميع، وتقول: «إنهم يشجعون الأقارب الآخرين أيضاً على إرسال بناتهم إلى المدرسة».


رشى لتعديل الشهادات المدرسية

بدءاً من المدرسة الابتدائية إلى التعليم العالي، الموارد المخصصة لميزانيات التعليم في أفغانستان معرضة للخطر، حسب منظمة الشفافية الدولية. وزعمت مصادر أن المسؤولين السابقين في وزارة التعليم اختلسوا ملايين الدولارات من مساعدات التعليم التي قدمها المجتمع الدولي.

توقفت خطط تشييد مدارس جديدة بسبب الفساد المالي، ويشمل ذلك مدارس ومعلمين لا وجود لهم بالفعل سوى في كشوفات الحكومة، حيث تذهب مستحقاتهم لمسؤولين فاسدين. ويتم دفع رشى من أجل تعديل الشهادات المدرسية، وتوزيع الكتب المدرسية، وإنشاء المدارس، إلا أن ما هو أكثر خطورة هو تعيين المعلمين على أساس النفوذ والمحسوبية والرشوة.

ومن المعروف أن المعلمين الباحثين عن وظائف يدفعون رشى بقيمة 1000 دولار أميركي، أي ما يعادل أجر خمسة أشهر تقريباً، ودعت وزارة التعليم والثقافة إلى مجموعة من الأساليب لمكافحة الفساد مع التركيز على المستويين المحلي والفيدرالي، والتأكيد على الشفافية والتطبيق الفعلي للقوانين.

وحاولت الحكومة بالفعل كبح جماح الفساد في نظام التعليم من خلال إدخال إجراءات أكثر صرامة للحصول على وظائف حكومية، بما في ذلك الوظائف في وزارة التربية والتعليم. ومع ذلك يبدو أن هناك بعض التقدم، فقد شهدت المدارس زيادات كبيرة في التحاق الطلاب على مدى السنوات العشر الماضية، حتى إن الحكومات المحلية تفاوضت مع «طالبان» من أجل السماح للأطفال بالوصول إلى المدارس في المناطق التي لاتزال الجماعة تحتفظ فيها بالسلطة.

3.7 ملايين طفل خارج الدراسة

بينما تحرز أفغانستان تقدماً في تحسين الوصول إلى التعليم، لايزال نحو 3.7 ملايين طفل خارج المدرسة. وشهد عام 2017 ما يقرب من نصف مليون نازح جديد في أفغانستان، فضلاً عن تدفق أكثر من 600 ألف أفغاني عائدين من إيران وباكستان. وتدفع حالات الجفاف المرتبطة بتغير المناخ والنزاعات الأخرى المزيد من الناس إلى الهجرة وتقوض الجهود المبذولة لإلحاق المزيد من الأطفال بالمدارس.

أكثر من نصف الفتيات والفتيان العائدين هم خارج الدراسة حالياً بسبب عدم قدرة المدارس على تسجيل أطفال إضافيين، كما أن هناك مشكلات أخرى تتمثل في نقص الوثائق المطلوبة لتسهيل الالتحاق، وعوامل الكلفة، والعوائق اللغوية والجنسانية والثقافية.

ويتم تقديم التعليم إلى حد كبير على أساس النوع الاجتماعي مع وجود عدد قليل جداً من المدارس المختلطة بين الجنسين. ويشكل الافتقار إلى المدارس المخصصة للفتيات فقط والمعلمات حاجزاً كبيراً أمام تعليم 2.2 مليون فتاة مازلن متخلفات عن الدراسة.

وأطلقت وزارة التعليم أخيراً سياسة لتعليم الفتيات من أجل إزالة الحواجز التي تحول دون تعليم جميع الفتيات والنساء الأفغانيات، ولسد الفجوة بين الجنسين في التحاق الفتيات والفتيان بالمدارس، وإدخال الفتيات غير الملتحقات بالمدارس.

وتماشياً مع هذه السياسة، سيركز البرنامج على مجموعة واسعة من الإجراءات، مثل: خلق بيئات مدرسية آمنة، بما في ذلك دعم النقل المجتمعي للفتيات بأمان إلى المدرسة، ودعم الفتيات والفتيان النازحين للحصول على الوثائق وشهادة التعليم، والوصول إلى الأطفال، خصوصاً الفتيات، في المناطق الريفية والمعزولة، وتطوير ونشر حزم التعلم عن بعد للمواقع والمجتمعات التي يصعب الوصول إليها، مثل برامج التعليم الإذاعي ومواد التعلم الذاتي، وتوفير التدريب لـ20 ألف معلم، خصوصاً المعلمات.


• هناك مدارس يطلق عليها النقاد اسم «مدارس الأشباح»، وهي موجودة فقط على الورق من أجل غسل أموال المساعدات.

تويتر