تقطّعت بهم السُبل وتتالت عليهم الأزمات

الأمراض العقلية تفاقم محنة اللاجئين في الجزر اليونانية

صورة

يعاني اللاجئون في الجزر اليوناينة الأمرين؛ فقد فروا من النزاعات ليجدوا في انتظارهم وضعاً صعباً للغاية، تفاقم مع تفشي الوباء الجديد. ومن هؤلاء، نادية، الأم لخمسة أطفال، التي لم تنم الليلة قبل الماضية، وهي تحاول تهدئة ابنها ماتين، البالغ من العمر سبع سنوات، وهو مصاب بالتوحد، بينما هطلت أمطار غزيرة على خيمة الأسرة. وكان الطفل يبكي ويطلب وقف الضجيج. وتقول الأم: «حاولت أن أوضح له أن المطر خارج عن سيطرتنا، لكن في هذه اللحظات، لا يمكنك التواصل معه، الآن». وتعيش الأسرة، التي تنحدر من إقليم باروان الأفغاني، في مخيم جديد للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، تم إنشاؤه في غضون ثلاثة أيام، بعد الحريق الذي دمر أجزاء من مخيم «موريا» سيّئ السُمعة. وتساعد نادية (38 عاماً) ماتين، على الاستحمام، وقد تعافى أخيراً من الجرب، باستخدام الماء في زجاجة بلاستيكية. وتقول إنها شهدت تدهوراً واضحاً في سلوكه ونومه. وتقول: «لم نعد نستطيع النوم»، متابعة: «أتمنى أن أصل بابني ماتين إلى مكان دافئ؛ وهذه هي أمنيتي الوحيدة».

وأظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي عن لجنة الإنقاذ الدولية، الذي يتضمن شهادات من 904 مشاركين، في برامج صحية، من المخيمات في جزر «ليسبوس» و«خيوس» و«ساموس»، أنه بعد الإغلاق، في مارس، كانت هناك زيادة بنسبة 71٪ في عدد الأشخاص الذين يعانون أعراض أمراض عقلية، وزيادة بنسبة 66٪ في إيذاء النفس. وتقول المتطوعة في «ميدكال فولنتيرز انترناشيونل»، آنا شليغل، التي تعمل مع الأطفال في ليسبوس، إن عدم الاستقرار العاطفي شائع بين الأطفال، الذين يعالجونهم. وتضيف: «سيصبحون إما عدوانيين أو حزينين للغاية، مع مرور الوقت. ومن بين 32 مريضاً من الأطفال، تشمل المشكلات، أيضاً، التبول اللاإرادي والتلعثم والسير أثناء النوم».

التعرض للصدمات

وتقول شليغل: «بدأ الأطفال، أيضاً، في استخدام إيذاء النفس للتخلص من التوتر والعواطف الغامرة التي يواجهونها بسبب التعرض للصدمات»، مضيفةً أن حريق «موريا»، في الثامن من سبتمبر لايزال يلقي بثقله على بعض الأطفال «كان صبي في مجموعتنا يركز دائماً على النار. وإذا رأى مبنى، فسيركز عليه ويسأل كيف سيبدو إذا كان يحترق؟».

من جهته، يقول الأخصائي النفسي، ثاناسيس تشيرفاتيديس، الذي يعمل في منظمة أطباء بلا حدود، في ليسبوس، إن الوالدين بحاجة إلى الاستقرار النفسي أولاً «لم نشهد حالة طارئة في مجال الرعاية الصحية العقلية مثل هذه، حتى في موريا»، متابعاً: «إذا رأى الطفل أن والديه قد استسلما أو خائفين، فإن الأمر يؤثر فيه أيضاً»، ويضيف أن الأطفال لا يمتلكون الآليات نفسها مثل البالغين للتعبير عن مخاوفهم و«يظهر معظمها أثناء النوم».

وفي عام 2020، عالجت منظمة أطباء بلا حدود، 49 طفلاً، في ليسبوس، كانوا قد فكروا أو حاولوا الانتحار. والطلب الحالي على خدمات منظمة أطباء بلا حدود، هو أكثر مما تستطيع المنظمة أن تفي به، وهناك قائمة انتظار طويلة في عيادة الأطفال، وعيادة ضحايا التعذيب، والعنف الجنسي. وقد أدى هطول الأمطار إلى غرق أجزاء من المخيم، وغمرت المياه الخيام في أكثر من مناسبة. وأثارت منظمات حقوق الإنسان مخاوف بشأن الظروف المعيشية المتدنية لسكان المخيم، الذي أطلق عليه الكثيرون على الأرض اسم «موريا 2.0».

وتم تركيب 36 وحدة للاستحمام بالماء الساخن، لكن العديد من السكان، البالغ عددهم 7300، لايزالون يستحمون باستخدام الدلاء أو زجاجات المياه.

لا تسمح قيود الإغلاق للمقيمين في المخيم بالمغادرة إلا مرة واحدة، في الأسبوع، لزيارة السوبرماركت، أو المحامي، أو الصيدلية. وتتم مراقبة المخارج وفرض غرامات على المقيمين الذين لا يرتدون أقنعة. ويقول تشيرفاتيديس: «يخاف العديد من الأطفال، أيضاً، من الشرطة، ولا يُنظر إليهم على أنهم حماة ولكنهم أشخاص يعاقبون بشكل أساسي».

وتقول بيترا مولنار، من مرصد الهجرة والتكنولوجيا، إن الإجراءات الأمنية لها تأثير في الصحة العقلية للأشخاص، موضحة: «إننا نشهد ظهور تقنيات المراقبة مثل الطائرات من دون طيار التي تقوم بدوريات في السماء، وزيادة استخدام المرافق المغلقة والمراقبة في المخيم الجديد في ليسبوس؛ وهذا النوع من المراقبة المنتشرة في كل مكان والضغط المستمر، له تداعيات طويلة المدى على الصحة العقلية، خصوصاً على الأطفال».

وليست ليسبوس، الجزيرة الوحيدة في بحر إيجة، التي يعاني فيها اللاجئون أزمة صحية عقلية متزايدة. ويعيش في «ساموس» ما يزيد قليلاً على 3600 شخص، على مساحة من الأرض مصممة لـ648 شخصاً. وتعرضت الجزيرة لزلزال، في أكتوبر، وكذلك لحرائق في الفترة الأخيرة، إذ فقد بعض السكان جميع وثائقهم أو متعلقاتهم.

معركة خاسرة

وتقول ليندسي دوشار، وهي طبيبة نفسية في منظمة أطباء بلا حدود، عملت في ساموس، منذ نحو شهرين: «في كل مرة يحدث فيها شيء كهذا، يدفعهم نوعاً ما إلى الحافة». وفي نوفمبر، أعرب 60٪ من زوّار عيادة المخيم، عن أفكار انتحارية، كما تقول دوشار: «أشعر في بعض الأحيان أننا نخوض معركة خاسرة».

وتخبر غيليا سيكولي، من مركز «مازي» للشباب في ساموس، أنها سمعت بعض الشباب في المخيم، يعبرون عن أفكار انتحارية مثل: «لا أريد أن أعيش بعد الآن»، و«لا أعرف متى سينتهي هذا؟».

ويُشكل الأطفال نحو ربع سكان المخيم في ساموس، الذي يقع على تلة تطل على بلدة فاثي. وينام معظم الناس خارج حدود المخيم، حيث يُشكل الجرب والفئران وبق الفِراش، جزءاً من الحياة اليومية. وتتابع سيكولي: «المحظوظون هم من يتم إيوائهم في حاوية، وغالباً لا يتوافر لديهم ماء ساخن، والأرضية مدمرة، والنوافذ والأبواب مفقودة والحاويات مكتظة».


معاناة مستمرة

خلال زيارة إلى ليسبوس، الأسبوع الماضي، قال وزير الهجرة اليوناني، نوتيس ميتاراكيس، إن «المخيم المؤقت الجديد في حالة جيدة جداً، في ما يتعلق بالأمن والنظام»، و«لا يقارن بمخيم موريا»! وتناقش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إعادة توطين اللاجئين من جزر بحر إيجه، ويواجه أكثر من 14500 شخص شتاءً آخر، في مخيمات اللاجئين في الجزر.

وستستمر اللاجئة الأفغانية، نادية، في مغادرة المخيم، مرة واحدة في الأسبوع، لاصطحاب ابنها إلى مواعيده الطبية، واصطحاب كتاب تلوين لإبقائه مشغولاً، بينما يرتدي ثلاث سترات للتدفئة.


آثار طويلة المدى

في الأسابيع التي أعقبت تدمير مخيم «موريا»، تم نقل جميع القُصَّر غير المصحوبين تقريباً - الأطفال الذين يسافرون من دون والد أو وصي - إلى خارج الجزيرة. ولكن العديد من الأطفال تُركوا، أيضاً في جزيرة ليسبوس، وكذلك الجزر الأخرى. ووفقاً لأخصائي علم النفس في منظمة أطباء بلا حدود، غريج كافارنوس، فإن الأطفال هم من بين أكثر الأشخاص المعرضين لخطر المعاناة من آثار صحية عقلية طويلة الأمد. وكريمة، من أفغانستان، تتعاطى أيضاً مضادات الاكتئاب، وتجد صعوبة في النوم. وكان معظم أفراد عائلتها - بمن فيهم حفيدتاها الصغيرتان - في الثانية والثالثة، على متن قارب من تركيا غرق في بحر إيجه. وتم إنقاذهم ونقلهم إلى ليسبوس، وعاشوا في مخيم «موريا»، لمدة عامين تقريباً. ويروي ابن كريمة، روح الله: «كان الوضع سيئاً للغاية، إذ مات الناس، وقتل بعضهم بعضاً»، متابعاً: «لم ننم، لذلك لدينا الآن مشكلات عقلية، فقط بسبب ليسبوس».

أما شقيقة روح الله، ووالدة الفتاتين الصغيرتين، فقد أصبحت مريضة ويائسة لدرجة أنها جرحت نفسها عمداً. وقد قُتل زوجها في أفغانستان.

غياب الرعاية الصحية

في مخيم جزيرة ليسبوس، يتم حرمان 140 طفلاً، على الأقل، ممن يعانون أمراضاً مزمنة ومعقدة ومهددة للحياة؛ من الرعاية الطبية الكافية. وتدعو منظمة «أطباء بلا حدود»، الحكومة اليونانية إلى التدخل حيال هذه المخاوف الطبية الخطيرة، وإجلاء جميع الأطفال المصابين بأمراض خطيرة إلى البر الرئيسي اليوناني، أو الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، حيث يمكنهم تلقي الرعاية الطبية المناسبة. وتقول المنسقة في المنظمة، الدكتورة هيلدا فوختن: «نرى العديد من الأطفال يعانون حالات طبية، مثل مرض السكري والربو وأمراض القلب، والذين يضطرون للعيش في خيام، في ظروف مزرية وغير صحية، مع عدم توافر الرعاية الطبية المتخصصة والأدوية التي يحتاجون إليها»، متابعة: «تجري منظمة أطباء بلا حدود مناقشات مع السلطات اليونانية من أجل نقل الأطفال إلى البر الرئيس، للحصول على رعاية طبية عاجلة، ولكن على الرغم من تشخيص بعض الأطفال، لم يتم نقل أي منهم بعد».

وتنتقد المنظمة تقاعس الحكومة اليونانية في إيجاد حل سريع ومنهجي لهؤلاء الأطفال، لأن حالتهم الصحية خطرة، ويمكن أن تكون لها عواقب مدى الحياة، أو حتى الموت. وفي يوليو 2019، ألغت الحكومة اليونانية الوصول إلى الرعاية الصحية العامة، لطالبي اللجوء والأشخاص غير المسجلين، الذين يصلون إلى اليونان، تاركة أكثر من 55 ألف شخص دون رعاية طبية.


• 3600 شخص يعيشون في مخيم «ساموس»، على مساحة من الأرض مصممة لـ648 شخصاً.

• ٪60 من زوّار عيادة مخيم «ساموس»، لديهم أفكار انتحارية.

تويتر