التقييد ونظرة المجتمع إليهم فاقما مشكلاتهم

«كورونا» يهدد أرزاق ملايين العمال الريفيين في الصين

صورة

يمسك وانغ شينغ حقيبة بلاستيكية رمادية، تحتوي على معظم ممتلكاته، بما في ذلك بطانية وفرشاة أسنان وأحذية رياضية بيضاء ومشط؛ بينما يتنقل من منشأة صناعية إلى أخرى، جنوب الصين، بحثاً عن فرصة عمل. وحتى الآن لم يحالفه الحظ. واعتاد شينغ (49 عاماً)، استكشاف سوق العمل بمدينة «شنتشن»، وهي مدينة صناعية ضخمة. ومع ذلك، فإن الوصول إلى المصانع بات أمراً في غاية الصعوبة، بسبب تفشي فيروس «كورونا»، في مقاطعة هوباي. ويقول العامل الصيني: «لا يوجد شيء يمكنني القيام به»، في وقت لم يتبق معه سوى القليل من المدخرات المالية، وهو يعيش حالياً على المعكرونة، ويستأجر غرفة صغيرة مقابل 60 دولاراً في الشهر. ويقول شينغ: «ببساطة، تقطعت بي السبل، بعيداً عن أهلي وأنا عاجزٌ حالياً».

وعاش نحو 300 مليون مهاجر ريفي في الصين، على هامش المجتمع لفترة طويلة، إذ يقومون بأعمال شاقة نظير أجور ضئيلة، في وقت لا يحصلون فيه على الرعاية العامة والتعليم المدرسي، بشكل متكافئ. ومع ذلك، فهم الآن من بين أكثر الأشخاص تضرراً بسبب تفشي الفيروس، الذي تطلب فرض إجراءات صارمة في جميع أنحاء البلاد.

مهاجرون غرباء

بصفتهم غرباء، يُعد المهاجرون الريفيون، بغض النظر عن المكان الذي ينتمون إليه، هدفاً مباشراً. ويخشى العديد من المصانع استئناف التشغيل في حالة حمل عمالها للفيروس. ومنع المسؤولون المحليون العديد من المهاجرين من الوصول إلى أماكن العمل، بينما طردهم الملاك من شققهم، وازدحم الكثيرون في شقق الفنادق، فيما اختار آخرون النوم تحت الجسور أو على الأرصفة.

تقول ليو وان (42 عاماً): «لقد ناضلنا كثيراً بالفعل»، وقد طُردت العاملة في مصنع بمدينة «تشنغتشو» بوسط البلاد من شقتها، بعد أن عادت من مسقط رأس زوجها في مقاطعة «قوانغدونغ» الجنوبية، فمالك الشقة قلق من أن تكون حاملة للفيروس. وتعيش الآن مع زوجها وطفليها في فندق، وتضيف العاملة: «فقدنا الأمل الآن».

وتجعل عمليات إغلاق المصانع والمنشآت الصارمة والمفروضة، في جميع أنحاء البلاد، من الصعب على العمال الريفيين العودة إلى المدن الصناعية؛ إذ عاد نحو الثلث فقط، وفقاً للإحصاءات الرسمية. والعديد من العمال عالقون في الريف، بعد السفر إلى هناك الشهر الماضي، للاحتفال بعيد رأس السنة القمرية. وتشعر العائلات ذات الدخل المنخفض بالغضب، وسط مخاوف أوسع نطاقاً من حدوث تباطؤ اقتصادي.

ويقول يانغ تشانغجين (58 عاماً)، الذي يعيش في شمال شرق الصين ويعمل أحياناً بالنجارة، إنه وابنه يعيشان الآن على المحاصيل الزراعية، ويعتمدان على الأرز والخضراوات التي يزرعونها، ويكافحون «لمجرد البقاء على قيد الحياة». ويعبر المزارع الصيني عن قلقه من أن أسرته ستصبح دون مال في غضون شهر: «كان الضغط على العمال المهاجرين دائماً كبيراً»، متابعاً: «الوباء يضيف إهانة للجرح».

ناقلون محتملون

وقد ازدادت معاناتهم سوءاً، بسبب فكرة أن المهاجرين الريفيين يشكلون تهديداً للصحة العامة، وتجب معاملتهم على أنهم ناقلون محتملون للفيروسات. وفي بعض المدن، أُجبر المهاجرون على الحجر الصحي في مرافق تديرها الحكومة، وفقاً للتقارير الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي مقاطعات أخرى، مثل «وشى»، في الشرق، مُنع العمال «الغرباء» من الدخول، وتم تحذيرهم من أنهم «سيعاملون بحزم» إذا قاموا بذلك. وأدت القيود الصارمة المفروضة على السكان في الصين إلى تفاقم محنة العديد من الأسر المهاجرة.

نظام تسجيل الأسر المعيشي في عهد ماو تسي تونغ، والمعروف باسم «هوكو»، يجعل من الصعب على الناس القادمين من الريف تغيير محل إقامتهم إلى المدن بشكل قانوني. ونتيجة لذلك يُعتبرون غرباء، حتى لو عاشوا في المدن لعقود من الزمن؛ ولديهم إمكانية محدودة للحصول على الرعاية الصحية والمدارس، والمعاشات التقاعدية، وغيرها من المزايا الاجتماعية. ومع انتشار فيروس «كورونا»، يقول بعض العمال الذين أصيبوا بالتهاب رئوي وأعراض أخرى: إنهم لم يتمكنوا من الحصول على رعاية بأسعار معقولة في المدن الكبرى.

أعداد كبيرة

وفي حين أن الحكومة تقدم، الآن، الرعاية المجانية لأولئك الذين يتبين أنهم مصابون بفيروس «كورونا»، إلا أن العديد من المستشفيات عاجزة عن استيعاب الأعداد الكبيرة، وتفتقر إلى الموارد اللازمة لتشخيص الفيروس. ونتيجة لذلك، يقول بعض العمال المهاجرين، الذين يعيشون في المدن: إنهم اضطروا إلى دفع آلاف الدولارات في نفقات طبية، لعلاج أقاربهم المرضى.

وفي هوباى، حيث بدأ تفشي المرض، في ديسمبر، يشعر العديد من العمال بالقلق من أن الألم الاقتصادي سيستمر لأشهر عدة، وربما أكثر. ولاتزال المقاطعة، التي تضم أكثر من 10 ملايين عامل مهاجر، مغلقة في وجه القادمين من بقية الصين، وتم تعليق العمل فيها.

توقف هوانغ تشوانيوان، وهو عامل بناء يبلغ من العمر 46 عاماً، في هوباي، عن شراء اللحم لتوفير المال. وأخبره صاحب العمل، في شركة بناء صينية، بأنه ليس لديه خيار سوى البقاء في المنزل والانتظار. وقال تشوانيوان، الذي يعول زوجة وثلاثة أطفال: «لا أريد أن أفكر في المستقبل الآن». متابعاً: «كلما فكرت في الأمر، زادت الضغوط عليَّ».

ومع تصاعد كفاحهم، دفع بعض العمال السلطات المحلية إلى بذل المزيد من الجهد، للمساعدة في إعادة فتح الأعمال التجارية. لكن غالباً يتم تجاهل نداءاتهم، إذ تعمل الحكومات المحلية على احتواء الفيروس الجديد.

مساعدة العمال

يشعر العامل الريفي، هوانغ تشوانيوان، الذي كان ينتقل من مصنع إلى مصنع في «شنتشن»، بالقلق من أن الأمر قد يستغرق أشهراً، قبل أن يجد وظيفة. ويمضي أيامه في البحث بإعلانات الوظائف، عبر الإنترنت، ومشاهدة الأخبار المتعلقة بالفيروس. ومع شعوره بالإحباط حيال تضاؤل احتمال العثور على فرصة عمل، نشر قصيدة، أخيراً، على وسائل التواصل الاجتماعي، تتعلق بإحساسه بالعزلة، والبؤس الذي يشعر به. وانتقد السلطات المحلية، لعدم بذل المزيد من الجهد لمساعدة العمال. وجاء في القصيدة: «تعاني الشعور بالوحدة بمفردك، ومع ذلك لا أحد يهتم بك»، وتتابع الأبيات الشعرية: «شعبة التوظيف صامتة الآن؛ وأنا وحدي في شنتشن».

فرص وفيرة

بطبيعة الحال، لا يشعر جميع العمال القادمين من الريف بالحزن حيال حياتهم الحضرية. وبالنسبة للبعض، حقق الانتقال إلى المدينة تحولاً كما كانوا يأملون. ففي عام 1995، تجاوب تشو لي جون، الذي كان في سن 16 عاماً، مع موجة الهجرة إلى الساحل الجنوبي؛ وغادر منزله في هينان، بحثاً عن حياة جديدة في مدينة هويتشو، على بعد أقل من ساعتين بالسيارة من هونغ كونغ. وكان أول عمل له في مصنع للبلاط، براتب 100 دولار في الشهر، وهو عمل فيه الكثير من المشقة والكدح بالنسبة له. ويعمل الآن ساعي بريد، ويكسب 60 سنتاً، عن كل عملية تسليم، ما يجعله أفضل حالاً بكثير من ما كان عليه عندما كان يتقاضى راتباً ثابتاً في المصنع. ويعمل لي جون أحياناً 14 ساعة في اليوم، لكن عمله يتمتع بالمرونة. ويقول إن الحياة في هويتشو أفضل من العيش في هنان، مضيفاً: «لقد ألفت المكان هنا». ولم يزُر العامل الصيني مسقط رأسه منذ 10 سنوات، ويعتزم الإقامة في هويتشو لأطول فترة ممكنة، ويؤكد: «الصين بلد قوي جداً»، مؤكداً أن الفرص لاتزال وفيرة.

نظام «هوكو»

يواجه العمال القادمون من الريف مجموعة هائلة من الحواجز المؤسسية في محاولاتهم للنجاح بالمدينة، ويتم تنظيم المجتمع الصيني في نظام تسجيل الأسر والمعروف باسم «هوكو». وإذا كنت مولوداً في منطقة ريفية، فعادة يكون من المستحيل التغيير إلى ساكن حضري، بغض النظر عن المدة التي تقضيها في العمل بالمدينة، وهو نظام يمنع الريفيين من وظائف معينة، ويمنع وصول أطفالهم إلى الرعاية الصحية والتعليم.

ويعود تاريخ هذا النظام إلى ما قبل الصين الشيوعية، لكن في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبح من الأمور الحاسمة في تحديد الفرص. ووجدت دراسة، أجريت عام 2018، في باودينغ، أن العمال المهاجرين، الذين عاشوا بالمدينة في بعض الحالات لعقود من الزمان، لم يكن لديهم ارتباط عاطفي كبير بها، وكان افتقارهم إلى الأمن والسعادة أمراً محورياً في هذا الشعور. ووجد الباحثون أن القيود المفروضة على حقوق الريفيين قد حددت الكثير من نظرتهم إلى الحياة.

وخلال الفترة من عام 2000 حتى 2015، تم إغلاق نحو ثلاثة أرباع المدارس الابتدائية الريفية (أكثر من 300 ألف في المجموع) بشكل دائم. والكثير من أولئك الذين بقوا في الريف فقدوا وظائفهم، لأن الزراعة أصبحت آلية أكثر.


- عاش نحو 300 مليون مهاجر ريفي في الصين، على هامش المجتمع لفترة طويلة، إذ يقومون بأعمال شاقة نظير أجور ضئيلة، في وقت لا يحصلون فيه على الرعاية العامة والتعليم المدرسي، بشكل متكافئ.

تويتر