مؤسسات يابانية وأوروبية أقرّته وسنّت قوانين لتنفيذه

مطالبات بحق «قطع الاتصال» مع العمل خارج أوقات الدوام

صورة

بعد طمس التكنولوجيا للحدود بين الحياة الشخصية والمهنية، تعارض بعض الشركات الرائدة في اليابان السماح للموظفين برفض المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني أثناء أيام العطلة. بينما يتصارع الآخرون مع طرق تنفيذ الإصلاحات على نمط العمل، تمنح بعض الشركات الموظفين «الحق في قطع الاتصال»، وهو مفهوم بات قانوني في عدد من الدول الأوروبية.

إحدى الشركات الرائدة التي تعطي هذا الحق لموظفيها هي «واي أر جي» التي تتخذ من أوساكا مقراً لها؛ ومنذ عام 2011، تم تشجيع موظفيها البالغ عددهم 140 موظفًا، على قضاء عطلة لمدة تسعة أيام مرة واحدة على الأقل في العام، و منع اتصال الشركة بهم خلالها سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، أو مواقع الشبكات الاجتماعية.

تساءل بعض الموظفين في بداية تنفيذ عطلة «ياما غوموري» أو «عزلة الجبال»، ماذا سيحدث إذا حدثت مشكلة أثناء تواجدهم بعيدًا، لكنهم الآن يستفيدون جميعًا من البرنامج. طبقت الشركة، أيضًا، قاعدة تقضي بأن يحصل الموظفون على موافقة من مديرهم، إذا كانوا يريدون إعادة جدولة أيام العطل لأسباب متعلقة بالعمل، وهي خطوة تهدف إلى جعل تغيير الخطط أمرًا صعبًا.

قضى يوما هيرو، الذي يعمل في قسم الموارد البشرية في الشركة، عطلة لمدة أسبوعين في كينيا ودول شرق إفريقيا الأخرى، في مارس. قبل رحلته، أنشأ وثيقة للزملاء توضح كيفية التعامل مع نحو 50 مهمة في جدول أعماله. قدم الشاب البالغ من العمر 26 عامًا والمسؤول عن التوظيف والمبيعات، تعليمات مفصلة في المستند وفي الاجتماعات حول كيفية التعامل مع المراسلات الفردية مع العملاء ومقدمي الطلبات. وقام بمشاركة عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بعملائه مع زملائه قبل أسبوع من رحلته، وأوكل إليهم رسائل البريد الإلكتروني الواردة والصادرة من الشركة، وترك هاتفه الذكي في اليابان.

منافسة كبيرة

وقال هيرو، «إنها فرصة لنسيان العمل، مرة واحدة في السنة، وتحديث الذات تمامًا». وماتزال قوانين العمل صارمة، في ظل منافسة كبيرة في الداخل والخارج. وبما أن الموظفين غير قادرين على التواصل مع أي شخص من الشركة، أثناء العطلة السنوية، فهم يتأكدون من عدم التسبب في أي مشكلة لزملائهم. وتساعد عطلة “عزلة الجبال«في مكافحة التعب، وتعطي الزملاء الذين يتولون المهام فرصة للتعرف على الجوانب الأخرى من العمل.

بلغ متوسط عدد الموظفين الذين حصلوا على إجازة مدفوعة الأجر، في اليابان، نحو 20% في عام 2010. بعد إدخال»عزلة الجبال«، ارتفعت النسبة إلى 47.3% في عام 2011، و71.6% في عام 2017. وفقًا لمسح عام 2017 أجرته شركة»سيستمز إنك«ومقرها فوكوكا،، فإن 44.8% من موظفي المكاتب، في العشرينات إلى الخمسينات من العمر، يأخذون معهم العمل الإضافي إلى المنزل. علاوة على ذلك، قال أكثر من 80% من الذين شاركوا في الدراسة إنهم لا يبلغون عن»العمل الإضافي السري«عند شركاتهم.

حذف البريد

منذ عام 2014، استخدمت مؤسسات يابانية نظامًا يحذف جميع رسائل البريد الإلكتروني الواردة خلال العطلات، وفقًا لإجراءات يتم من خلالها إعلام المرسل بحذف البريد الإلكتروني وطلب إعادة إرساله بمجرد عودة الشخص من العطلة؛ على أمل أن يقلل من الضغط الذي يتحمله الموظف عند العودة ويقلل من البريد في صندوق الوارد.

في الواقع، يقول الخبراء، إن جعل الموظفين ينفصلون تمامًا عن أجهزتهم على أساس طوعي في ثقافة اليابان التي يحركها العمل أمر صعب، على أقل تقدير.

يقول الأستاذ بجامعة»نيهون«، ماتشيكو كاميو، المتخصص في قوانين العمل،»من الصعب تحديد الحق في قطع الاتصال، بوضوح في اليابان،«متابعاً،»لكن ربما يكون من الضروري مناقشة الأمر من منظور ساعات العمل، لأنه يهدف إلى منع ساعات العمل الطويلة.«في أوروبا، كانت الحاجة إلى الحق في قطع الاتصال نقطة نقاش لبعض الوقت.

حماية الصحة

منذ عام 2017، مُنح الموظفون في فرنسا، الذين يعملون في شركات بها 50 موظفًا أو أكثر، الحق في قطع الاتصال، والابتعاد عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل خارج ساعات الدوام، على الرغم من أن القانون لا يتضمن أي عقوبة على المخالفات. صدر قانون مماثل في إيطاليا. ومع ذلك، لا تزال هذه القوانين غامضة وتستغرق بعض الوقت قبل تنفيذها بالكامل لأنها لا تقيد الاتصال بالعمل بعد ساعات العمل، وتطلب فقط من الشركات التفاوض بوضوح على الشروط مع الموظفين المحتملين. رغم عدم وجود قوانين فعلية تتعلق بالحق في قطع الاتصال، إلا أن المؤسسات الألمانية لديها تاريخ في تنفيذ القواعد بنفس الطريقة.

طبقت»فولكس فاجن«سياسة، في عام 2011، تنص على أنها ستوقف خوادم البريد الإلكتروني من إرسال الرسائل إلى الهواتف المحمولة للموظفين، بين الساعة 6 مساءً والسابعة صباحاً. لدى الشركات الألمانية الأخرى سياسات مماثلة للحد من كمية الاتصالات الرقمية التي يتلقاها الموظفون بعد ساعات العمل.

في عام 2013، منعت وزارة العمل الألمانية مديريها من الاتصال بالموظفين بعد ساعات العمل كجزء من اتفاقية أوسع حول العمل عن بُعد. تم ذلك من أجل حماية الصحة العقلية للعمال. وفي عام 2014، تم إدارج برنامج يسمى رسائل خلال العطلة» يمكن للموظفين استخدامه لحذف رسائل البريد الواردة تلقائيًا أثناء إجازتهم. وتم ذلك لإتاحة الفرصة للموظفين للحصول على استراحة والعودة إلى العمل نشطين.

في 2014، سعى وزير التوظيف الألماني، أندريا نالس، إلى تقديم «تشريع لمكافحة الإجهاد» استجابةً للمستويات المتزايدة من مشاكل الإجهاد والصحة العقلية في ألمانيا. التشريع سيمنع الشركات من الاتصال بالموظفين خارج ساعات العمل. وتم تكليف المعهد الفيدرالي للسلامة والصحة المهنية، بإصدار تقرير يبحث في الصحة العقلية في مكان العمل ومدى صلاحية التشريعات في هذا الشأن. وتم الانتهاء من التقرير ونشره في عام 2017.

تأثير سلبي

تبنت حكومة فرنسا الحق في «قطع الاتصال المهني» في قانون العمل، استجابةً لتقرير سبتمبر 2015، حول تأثير التقنيات الرقمية في العمل، الذي دعم الحق. وتم تقديم التقرير إلى وزيرة العمل الفرنسية، مريم الخمري، بعد أن طلب الوزير السابق معلومات عن تأثير التحول الرقمي في العمل. وأوصى التقرير بمثل هذا الإجراء الذي ينص على أن التوازن الصحيح بين العمل والحياة الخاصة، أمر ضروري للسماح للتحول الرقمي بأن يكون له تأثير إيجابي في نوعية حياة الموظفين، وأن معرفة كيفية الفصل تعتبر مهارة تحتاج إلى دعم من قبل أصحاب العمل. ووجد التقرير أن الاتصال المهني المستمر يتسبب في الإجهاد، ويمكن أن يؤدي إلى الشعور بالتعب الذي يؤثر سلباً في الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

استخدام مُفرط

قال حقوقيون في إيرلندا إنه لا ينبغي إلزام الموظفين بالرد على مكالمات العمل، أو رسائل البريد الإلكتروني، أو الانخراط في أي نشاط متعلق بالعمل خارج ساعات العمل المتعاقد عليها.

ووجد تقرير صادر عن نقابات عمالية، بعنوان «تأثير التكنولوجيا في الموظفين»، أن نسبة كبيرة من الموظفين يشعرون بأن أصحاب العمل يستخدمون التكنولوجيا لتقييد أو تثبيط الموظفين لأغراض العمل.
ووجهت دعوات إلى الحكومة، لوضع تشريع بشأن الحق في قطع الاتصال بالعمل، «من شأنه أن يجبر أصحاب العمل على عدم استغلال ساعات العمل التعاقدية، والإفراط في استخدام التكنولوجيا».

ويوجد تشريع مماثل بالفعل في عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وقال رئيس العلاقات الصناعية والحملات في النقابة الإيرلندية، غاريث ميرفي، إن هناك «مرضاً يجتاح عالم العمل، والتوتر المرتبط بالعمل هو المحرك الرئيس لهذا». ويتمثل أحد عناصر الإجهاد المرتبط بالعمل خارج ساعات العمل، وثقافة «متصل دائماً» في العديد من أماكن العمل.

ويبدو أن أصحاب الأعمال لا يبذلون ما يكفي لإعداد الموظفين للتغيرات في التكنولوجيا، مع ما يزيد قليلاً على واحد من كل ثلاثة أشخاص شملهم استطلاع للرأي، يشيرون إلى أن صاحب العمل لم يقدم التدريب والتطوير الكافيين لمساعدتهم على الشعور بالاستعداد لتأثير التكنولوجيا في دورهم ومهامهم.

وقدم التقرير، الذي شمل نحو 2000 شخص، العديد من التوصيات لأصحاب العمل، بما في ذلك أنهم يولون المزيد من الاهتمام لتحسين مهارات العمال، وأنهم يضمنون اتخاذ تدابير لمنع الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه يدعو إلى التفاوض الجماعي على مستوى مكان العمل، لمواجهة تحديات تكنولوجيا مكان العمل، بما في ذلك تأثير ذلك في الموظفين.

تأثيرات هائلة

أجرت الأستاذة بجامعة هارفارد للأعمال، ليزلي بيرلو، دراسة استقصائية شملت 1600 مدير ومهني. وأفاد 92% من المستطلعة آراؤهم، في أميركا، بأنهم عملوا 50 ساعة أو أكثر أسبوعياً، بما في ذلك الساعات التي كانوا فيها على اتصال بعملهم خارج أوقات الدوام. فيما أفاد ثلث المستجيبين أنهم تجاوزوا 65 ساعة. ووصفت الخبيرة، هيذر بوشي، المأزق بعبارات صارمة، قائلة: «يخصص الموظفون المحترفون معظم ساعات الاستيقاظ لمهنهم». وعندما يكون لدى الكثير من الناس ساعات عمل طويلة، فإن التأثيرات هائلة إلى حد بعيد، وتدفع العائلات الثمن. ويمكن لساعات العمل الطويلة أن تدفع الآباء والأمهات عادة إلى مواجهة المشكلات. وتشير مجموعة من الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يعمل آباؤهم ساعات طويلة، هم أكثر عرضة للمشكلات السلوكية أو المعرفية، أو يعانون السمنة المفرطة. حتى الآباء الذين يستطيعون توفير مربيات أو رعاية نهارية، فهم يتعرضون لضغوط شديدة لتوفير اهتمام مدروس لأطفالهم، عندما يبقيهم العمل في مكاتبهم بعد ساعة العشاء.


 80 %

من المستطلعة آراؤهم لا يبلغون عن «العمل الإضافي السري» عند شركاتهم، في اليابان.

تويتر