بعد 7 سنوات من التشرّد بين البلدان

عائلات سورية تعيش وسط حديقة عامة في إسبانيا

صورة

مزّقت الحرب الأهلية السورية منذ اندلاعها في 15 مارس 2011 البلاد، وأزهقت أرواح مئات الآلاف من المواطنين، وجعلت ما يقرب من 12 مليون مواطن داخل البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وتسببت هذه الحرب في فرار 6.7 ملايين مواطن من البلاد، ونزوح 6.2 ملايين آخرين داخل البلاد، نصف الأشخاص المتأثرين من هذه الحرب هم من الأطفال.

اللاجئون في إسبانيا مثال للمعاناة

يعيش نحو 50 سورياً، بينهم 20 قاصراً وأربع نساء حوامل في أشهرهن الأخيرة وسط حديقة عامة في مدريد، منذ الـ10 من يوليو. ومثل هذا الوضع شائع أيضاً في البلدان التي تقع على الحدود مع سورية، والتي تضم حالياً الأغلبية العظمى من 5.7 ملايين لاجئ فروا من هذا البلد الذي مزقته الحرب. إلا أن مشهد النساء في العاصمة الإسبانية، وهن يقطعن الثوم وينظفن الخضار للطهي على موقد غاز للتخييم في حديقة عامة، بعيد عن المعتاد. فعلى بُعد أمتار قليلة من مكان إقامتهم في الحديقة، يغسل بعض الأطفال أشقاءهم الصغار في نافورة عامة أو في أحواض استحمام بدائية مصنوعة من البلاستيك. ويتم تجفيف الملابس على الشجيرات، بينما يجلس رجال على مرمى حجر من هؤلاء النساء يتفحصون باهتمام وثائق بالية. يتساءل محمد البالغ من العمر 50 عاماً بغضب: «أي قدر من الكرامة تبقى لي إذا لم أستطع حتى الاستحمام لأيام متتالية؟»، ويروي بقية الرجال لبعضهم بعضاً حالة التشرد التي يعيشون فيها بعد سبع سنوات من مغادرتهم حماة، مدينتهم الأصلية في غرب سورية، مدركين أن الحرب ستأتي عاجلاً أم آجلاً عند عتبة دارتهم.

واجهوا الخطر في دول عربية

على مدى السنوات الخمس الأولى، تشرّد هؤلاء النفر بين الدول العربية، وبالكاد نجوا من الموت خلال إقامتهم في خيام بلبنان، واستأجروا مساكن في الجزائر والمغرب، وعملوا في وظائف مؤقتة في هذا البلد الأخير، ثم في أغسطس 2017 عبروا بشكل غير قانوني إلى مليلية، المدينة المغربية الخاضعة لإسبانيا في شمال إفريقيا. يقول محمد، الذي كان يعمل طبيباً في زراعة الأسنان في وطنه: «لقد نفد منا المال»، ويتابع حديثه: «دفعنا لأصحاب السفينة التي نقلتنا إلى أوروبا 300 يورو لكل شخص، وبمجرد دخولنا إلى الأراضي الإسبانية، طلبنا حق اللجوء».

«لائحة دبلن»

من هناك تم نقلهم إلى مدريد وإيواؤهم في مركز استقبال. وبعد بضعة أشهر، وبتشجيع من الأقارب، قرروا مغادرة هذا الموقع طواعية دون سابق إنذار وتوجهوا إلى فرنسا. يقول محمد: «لقد وجدنا منزلاً مهجوراً في ضواحي باريس، قمنا بتنظيفه حتى نتمكن من العيش فيه» وتقول زوجة محمد، أرما، وهي أم لـ10 أطفال: «ذهب أطفالي إلى المدرسة، واستطاعت النسوة الولادة في المستشفيات، وأعطونا مزايا تراوح بين 500 و800 يورو شهرياً لكل أسرة». بعد عامين، أخبرتهم الشرطة الفرنسية بأنه ستتم إعادتهم إلى إسبانيا في غضون بضعة أيام. ولا تدرك العائلات السورية الـ15 أن السبب في ذلك هو تطبيق «لائحة دبلن»، التي بموجبها يتم إعادة اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية التي طلبوا فيها لأول مرة اللجوء. وعادت الأسر بالفعل إلى مدريد، حيث انتهى بهم المطاف في متنزه سلفادور دي مادارياغا، الواقع في الشمال الشرقي من العاصمة الإسبانية بجوار حزام مسجد إم-30.

انتهى بهم المطاف في الشارع

وتتكرّر قصة هذه المجموعة بين عشرات العائلات الذين تتم «إعادتهم» إلى إسبانيا بعد تشدد الدول الأوروبية في تطبيق «لائحة دبلن». ومع ذلك، يبدو أنه لا توجد آلية للاعتناء بطالبي اللجوء، ولا يوجد تنسيق بين الدول الأوروبية في هذا الخصوص. لقد انخرط النظامان الإسباني والأوروبي في نوع من البيروقراطية، ومع عدم معرفتهم بلغة البلاد التي يهاجرون إليها، ينتهي المطاف باللاجئين السوريين في شوارع مدريد. الشهر الماضي، فتحت كنيسة سان كارلوس بوروميو، الواقعة في حي فاليكاس في مدريد، أبوابها مرة أخرى لاستقبال 11 سورياً وفلسطينياً أعيدوا من ألمانيا. وفي الوقت نفسه، يزداد الإحباط وخيبة الأمل لدى هؤلاء اللاجئين في أوروبا مع مرور السنين.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، جاءت دوريتان للشرطة، وفقاً لكل من السكان القريبين من المتنزه والسوريين أنفسهم، ولكن لم يأتِ أحد من وزارة العمل والهجرة. يقول (عبدالرازق - 27 عاماً): «بعد عرض وثائقنا، قالت الشرطة إنها تريد أن تأخذ أطفالنا، لأنهم قُصّر وينامون في الشارع». ويضيف، عبدالرازق، وهو أب لطفلين، أن اللاجئين رفضوا طلب الشرطة وطلبوا بدلاً من ذلك توفير مكان لإقامتهم.

في ديسمبر 2018، أصدرت محكمة مدريد الإقليمية حكماً ينص على أن طالبي اللجوء الذين يغادرون إسبانيا طوعاً لن يتم استبعادهم من نظام الحماية عند عودتهم. وينص الحكم ايضاً على أنه «سيتم إعطاؤهم الأولوية لإعادة إدراجهم في نظام استقبال الأشخاص المعرضين للخطر». وتشمل ملفات هذا النظام النساء الحوامل، والأسر التي لديها قُصر، كما هي الحال بالنسبة للعائلات الـ15 التي تقيم حالياً في متنزه سلفادور دي مادارياغا.

ومن بين النساء السوريات الأربع الحوامل، لم يرَ الطبيب سوى برقطة الأحمد، (20 عاماً) وهي أم لصبي صغير. يقول تقرير الموجات فوق الصوتية الذي تم تدبيسه على قطعة الورق، الذي لا تعرف الأحمد محتواه، إنها في الواقع في شهرها التاسع. وعندما تمطر السماء خلال بعض الليالي تنام الأحمد في خيمة بلاستيكية صغيرة، وخلال النهار تتجنب الحرارة قدر الإمكان وتنزوي تحت الأشجار. كان اختيار هذه الحديقة غريزياً تقريباً بالنسبة لهؤلاء اللاجئين المسلمين، بالنظر إلى أنهم يشعرون بمزيد من الحماية بفضل كونهم على مرمى حجر من مسجد إم-30، حيث يستطيعون استخدام الحمامات الموجودة هناك، لكن لا يمكنهم قضاء الليل داخل المسجد.

وعند سؤاله، أوضح مدير المركز الثقافي الإسلامي، سامي المشتاوي، أنهم «يفضلون عدم التدخل» في الموقف، لكنهم «سوف يرون ما يمكنهم القيام به». وفي الوقت ذاته يتلقى هؤلاء اللاجئون المساعدة من جيرانهم الإسبان والمسلمين الذين يأتون إلى المسجد يوم الجمعة لأداء الصلاة. ويجلب بعضهم علباً من الخوخ، بينما يجلب آخرون ألعاباً للأطفال.

أين حقوق الإنسان

تساءل أحد هؤلاء الرجال بغضب: «أين حقوق الإنسان في أوروبا؟». ويتصاعد غضبه يوماً بعد يوم جراء رؤيته زوجته الحامل وأطفاله في الحديقة دون مأوى أو حتى مستقبل. ويضيف إلى معاناته عدم قدرته التحدث بلغة سكان البلاد لأخذها للمستشفى وشرح حالتها للطبيب. ويدرك أيضاً أن وجودهم يزعج السكان القريبين الذين يتجنبون المرور عبر الحديقة، على الرغم من بذل الأسرة قصارى جهدها للحفاظ على رقعة العشب التي يعيشون فيها نظيفة ومرتبة. ويضع الرجال عدداً من الأوراق على الأرض ويرصونها مثل الفسيفساء على العشب، ويضعون فيها البطاقات الحمراء وتصاريح الإقامة ووثائق الحماية، وأوراق الدعاوى القانونية المعلقة بسبب عدم حضورهم، لأنه لا أحد منهم يفهم محتوى الأوراق باللغة الإسبانية، بعضهم لا يعرف حتى كيفية الكتابة باللغة العربية.

العودة إلى سورية ضرب من الجنون

ويوضح محمد: «ذهبنا إلى مركز الشرطة وطلب منا عنوان المنزل، مع العلم أنه ليس لدينا منزل، لقد دفعت ما يقرب من 300 يورو لترتيب تصريح إقامة لعائلتي والموعد المجاني التالي في غضون ثلاثة أشهر»، ويسترسل محمد: «إنهم في السفارة السورية في مدريد يطلبون من العائلة العودة إلى سورية للحصول على سجل عائلي وغيره من الوثائق الحديثة قبل إصدار جوازات سفر للمواليد الجدد». وهو ما يراه محمد «ضرباً من الجنون!».

• كان اختيار هذه الحديقة غريزياً تقريباً بالنسبة لهؤلاء اللاجئين المسلمين، بالنظر إلى أنهم يشعرون بمزيد من الحماية بفضل كونهم على مرمى حجر من مسجد إم-30، حيث يستطيعون استخدام الحمامات الموجودة هناك، لكن لا يمكنهم قضاء الليل داخل المسجد.


تركيا وسياسة الباب المفتوح

تتهم جماعة دولية لحقوق الإنسان تركيا بالترحيل القسري للاجئين السوريين إلى بلادهم التي مزقتها الحرب، وتنفي أنقرة هذا الاتهام لكنها تدافع عن حملتها المستمرة ضد اللاجئين غير المسجلين. ويقول مساعد الطوارئ في «هيومن رايتس ووتش»، جيري سيمبسون، إن تركيا «تدعي أنها تساعد السوريين على العودة طواعية إلى بلادهم، لكن التهديد بحبسهم حتى يوافقوا على العودة، وإجبارهم على تعبئة نماذج وتوقيعها، إضافة إلى إلقائهم في منطقة حرب ليس كل ذلك أمراً طوعياً أو قانونياً».

ويؤكد وزير الداخلية التركي، سليمان سويلو، أن جميع اللاجئين العائدين قاموا بذلك «طواعية». وقال مستشهداً بمخيم في مقاطعة هاتاي الحدودية التركية «عندما نقبض على سوريين غير مسجلين، نرسلهم إلى مخيمات اللاجئين». ويدافع سويلو بقوة عن الحملة المستمرة، التي بدأت شهر يوليو الماضي على السوريين غير المسجلين الذين يعيشون في اسطنبول. فمنذ بداية الحرب الأهلية، أفادت وسائل إعلام محلية بأن ما يصل إلى مليون سوري سعوا للجوء في أكبر مدينة في تركيا. ولم يتم السماح رسمياً لأكثر من 50 ألفاً منهم للعيش في المدينة. وتقوم الشرطة الآن بالتحقق من هوية الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يوجد فيها السوريون بأعداد كبيرة.

ويقول سوري، طلب عدم الكشف عن هويته: «الآن يطبقون القوانين، لم يتم التحقق من الهويات من قبل»، ويضيف «لا أعرف الكثير عن عقلية الدولة، لكن ليس من الصواب إطلاقاً ترحيل السوريين لأنهم تحت الحماية المؤقتة هنا».

تستضيف تركيا رسمياً 3.6 ملايين لاجئ سوري، تعيش الأغلبية العظمى منهم في جميع بلدات ومدن البلاد. ومنذ بداية الحرب الأهلية، تتبع أنقرة سياسة «الباب المفتوح» في ما يتعلق باللاجئين. ولا تعتبر السوريين الفارين من النزاع لاجئين، فقد منحتهم وضع إقامة مؤقتة، وهذا الوضع يتيح لهم الوصول إلى التعليم الحكومي والرعاية الطبية، ويسمح لهم ببدء أعمال تجارية. ويدافع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن سياسته، متفاخراً بشكل روتيني بأن بلاده تنفق أكثر من 30 مليار دولار على استضافة اللاجئين. لكن وسط تنامي استياء الرأي العام من هذه السياسة، يبدو أن موقف أردوغان وحكومته يتغير. وأظهر استطلاع للرأي حديث أن أكثر من 80٪ من الأتراك يريدون أن يغادر السوريون بلادهم. وكشف استطلاع آخر أن 7٪ فقط كانوا سعداء بوجودهم. ترجمة: ع.خ عن «فويس أوف أميركا»

 

 الأطفال السوريون مهددون برحيل جديد. أرشيفية


الأطفال يدفعون ثمناً باهظاً في الحرب السورية

بعد ثماني سنوات من الصراع في سورية، لاتزال الأزمة تؤثر بشكل كبير في الأطفال السوريين داخل البلاد، وفي جميع أنحاء المنطقة، وخارجها، ويتعرض كل طفل سوري للعنف والتشرد وانقطاع العلاقات الأسرية، وعدم توفّر الخدمات الحيوية، وتدمير المدارس، كل ذلك يترك أثراً نفسياً بليغاً لدى الطفل السوري. ولايزال 2.6 مليون طفل مشردين داخل سورية، في حين يعيش نحو 2.5 مليون منهم كلاجئين في البلدان المجاورة والدول الأخرى.

كان عام 2018 أكثر الأعوام تأثيراً في حياة الأطفال السوريين منذ أن بدأت الحرب الأهلية. فقد شهد هذا العام انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال، مثل التجنيد والاختطاف والقتل والتشويه، وهذه الانتهاكات مستمرة بلا هوادة. وتشكل الذخائر غير المنفجرة تهديداً قاتلاً لملايين الأطفال السوريين، بينما لايزال أكثر من 5.5 ملايين طفل بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون في المناطق التي يصعب الوصول إليها. ترجمة: ع.خ عن موقع «اليونيسيف»

عام 2018 أكثر الأعوام تأثيراً في حياة الأطفال السوريين. أرشيفية

تويتر