اعتقاداً بعدم استطاعتهم العيش في بيئة قاسية

قبائل في الأمازون تقتل أطفالها المعاقين بالحرق أو الدفن أحياء أو الخنق

صورة

يعتبر قتل الأطفال الرضع الذين ولدوا بإعاقة، ممارسة شائعة بين قبائل «يانومامي» في منطقة الأمازون بالبرازيل، التي لم تتواصل إلا أخيراً مع العالم الخارجي. ويتم قتل الأطفال في معظم الحالات عندما يولدون ببعض القصور البدني. وهناك أيضاً حالات قتل للأطفال التوائم، الذين يعتقد السكان انهم يجلبون الفأل السيئ، أو عندما يُشتبه في أن الأم ارتكبت فعل الزنا، أو أنها تعرضت للاغتصاب.

بينما يطرح دستور عام 1988 نزاعاً بين حق الفرد في الحياة، وحق الشعوب

الأصلية في تقرير المصير، تشير باريتو إلى أن البلد قد صدّق منذ ذلك الحين

على معاهدات دولية، تسعى إلى تضييق المناهج النسبية والمطلقة

لحقوق السكان الأصليين.


قبيلة «سورواها»، التي تضم أقل من 200 نسمة، وذلك قبل اتصالها

بالعالم الخارجي في السبعينيات، كانت تمارس منذ فترة طويلة طقوس

الانتحار وقتل الأطفال.

عندما وضعت امرأة من السكان الأصليين، تبلغ من العمر 21 عاماً، ابنها الرابع في مستوطنة صغيرة في شمال البرازيل، لاحظت أن المولود الجديد يعاني من تشوه في ساقه. كانت تعرف ما يعنيه ذلك، ولكنها على الرغم من ذلك تشاورت مع قادة قبيلة «يانومامي» في أمل يائس لاستثنائها من تلك الممارسة. لم تُوفق المرأة في مسعاها، وتم حرق الطفل وهو على قيد الحياة كجزء من الطقوس، واستخدم القادة الرماد لإعداد نوع من «العصيدة» التي تم تقديمها لجميع أفراد القبيلة. وعلى الرغم من أن الأم تقاسمت حزنها مع عائلتها، لكنها قالت إنها تفهم أن هذه هي التقاليد.

قبل أكثر من عقد من الزمان، هربت «كانوهو» من أرض قبيلتها «كامايورا»، وهي قبيلة من السكان الأصليين تضم نحو 600 نسمة، وتعيش على الحافة الجنوبية من الأمازون في البرازيل. كانت تبلغ من العمر سبع سنوات. لم تعد أبداً إلى قبيلتها. هذه الفتاة التي ظلت تعاني من ضمور عضلي تدريجي، تحدثت للمشرعين البرازيليين العام الماضي: «لو بقيت هناك، كنت سأكون في عداد الأموات بالتأكيد»، والسبب في ذلك أن مجتمعها كان من المحتمل أن يقتلها مثلما ظل يقتل أطفالاً آخرين وُلدوا بإعاقات.

الأشخاص الذين ساعدوا «كانوهو» وعائلتها للانتقال إلى برازيليا، عاصمة البرازيل، قادوا بعد ذلك حملة إعلامية من أجل القضاء على قتل الأطفال. وقد تُوّجت جهودهم بمشروع قانون مثير للجدل يهدف إلى القضاء على هذه الممارسة، التي حظيت بموافقة ساحقة في تصويت عام 2015 من قِبل مجلس النواب الوطني في البرازيل، ويجري النظر فيه حالياً بمجلس الشيوخ الاتحادي.

لكن ما قد يبدو ضمانة طال انتظارها، أثار إدانة واسعة من الأكاديميين وجماعات حقوق السكان الأصليين في البلاد. فقد وصفت الرابطة البرازيلية للأنثروبولوجيا، في رسالة مفتوحة منشورة على موقعها على الإنترنت، مشروع القانون بأنه محاولة لوضع الشعوب الأصلية في حالة دائمة من الاتهام أمام محكمة مكلفة بتحديد درجة وحشيتها. وأثار الجدل حول قتل الأطفال سؤالاً جوهرياً في البرازيل، هذا البلد الشاسع، الذي يضم مئات القبائل، ويعيش العديد منهم بدرجات متفاوتة من العزلة. والسؤال هو: إلى أي مدى تتدخل الدولة في عادات تبدو غير إنسانية بالنسبة للعالم الخارجي، وتبنتها الشعوب الأصلية منذ فترة طويلة كوسيلة لضمان البقاء في بيئة لا ترحم؟

وتقول المحامية في مجال حقوق الإنسان، ميرا باريتو، التي شملت أطروحتها، لرسالتها للدكتوراه، الأسئلة القانونية والأخلاقية التي أثارها قتل أطفال السكان الأصليين: «البرازيل حرة في مناقشة القضية أكاديمياً في الجامعات»، وبينما يطرح دستور عام 1988 نزاعاً بين حق الفرد في الحياة، وحق الشعوب الأصلية في تقرير المصير، تشير باريتو إلى أن البلد قد صدّق منذ ذلك الحين على معاهدات دولية، تسعى إلى تضييق المناهج النسبية والمطلقة لحقوق السكان الأصليين. وتشير جزئياً إلى اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية، التي صدّقت عليها البرازيل في عام 2002، والتي تنص على أن «للشعوب الأصلية الحق في الاحتفاظ بعاداتها ومؤسساتها الخاصة بها، شريطة ألا تتعارض هذه الحقوق الأساسية مع الحقوق المحددة في القانون الوطني، ونظام حقوق الإنسان المعترف به دولياً»، ووفقاً لباريتو، فإن «أي ممارسات ثقافية معينة هنا قد تتعارض مع حقوق الإنسان، يجب الكف عنها، ولا يوجد حل وسط».

باريتو هي عضو في مجلس إدارة منظمة «اتيني»، وهي منظمة غير ربحية، تصف نفسها في موقعها على الإنترنت بأنها «معترف بها دولياً لعملها الرائد في الدفاع عن حقوق الأطفال الأصليين»، تأسست عام 2006 من قبل مارسيا سوزوكيس، وزوجها ايدسون، اللذين عاشا عقوداً بين مجموعات السكان الأصليين المنعزلة، وتوفر المنظمة ملجأ في برازيليا للآباء من السكان الأصليين، الذين يفرون من مجتمعاتهم المحلية من أجل الحفاظ على حياة أطفالهم، كما تقود المنظمة حملة توعية حول قتل الأطفال من السكان الأصليين.

وكانت باريتو وزوجها يعيشان بين أفراد قبيلة «سورواها» التي تضم أقل من 200 نسمة، وذلك قبل اتصالها بالعالم الخارجي في السبعينات. وكانت هذه القبيلة تمارس منذ فترة طويلة طقوس الانتحار وقتل الأطفال، فتلك الطقوس جزء أساسي من تقاليدها الثقافية، حيث تعتبر القبيلة أن الموت أمر مرغوب فيه روحياً، في حين أن القتل كان بمثابة شكل من أشكال التحكم في عدد السكان.

وفي إحدى المرات قررت القبيلة أنه يجب القضاء على طفلين يبدو أنهما لا ينموان بشكل صحيح، إلا أن الوالدين انتحرا بدلاً من قتل طفليهما، فقامت القبيلة بدفن الأطفال أحياء، كما تقضي العادة، واستطاعت فتاة تدعى «هاكاني»، أن تنجو من الموت، إلا أن القبيلة تركتها في وقت لاحق تقاسي مرارة الجوع. واستطاع شقيقها الأكبر أن يبقيها على قيد الحياة لبضع سنوات، حيث قام بتهريب الطعام لها، قبل أن يأتي بها في نهاية المطاف إلى سوزوكيس.

تقول سوزوكيس: «اتصلنا بفونازا عن طريق الإذاعة، في إشارة إلى الوكالة الحكومية التي كانت تشرف على الرعاية الصحية في أراضي الشعوب الأصلية في ذلك الوقت، وأخبرناها بأن هناك طفلة تحتضر، مرّ شهر دون أن تستطيع الوكالة نقل الفتاة الصغيرة، وزعمت الوكالة أن إخراج الطفلة من هناك سيجعلها تفقد ثقافتها»، وتسترجع سوزوكيس تلك الحادثة، وترد على الوكالة قائلة «إما أن تفقد ثقافتها أو تموت».

في عام 2000، قررت سوزوكيس نقل «هاكاني»، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك خمسة أعوام، لتلقي العلاج في رحلة طويلة بالقارب. وتم تشخيصها بأنها تعاني من قصور في الغدة الدرقية، وهي حالة قابلة للعلاج. واستطاعت سوزوكيس وزوجها مراعاتها حتى شفيت تماماً، وحاولا إعادتها إلى قبيلتها. تقول سوزوكيس: «أردنا أن نثبت لهم أنها لم تُصَب بلعنة، ولكن لم يقترب منها أحد، ومع موت والديها، لم يكن هناك أحد يريد أن يعتني بها»، لذلك اختارت سوزوكيس تبنيها.

ربما اعتقدت سوزوكيس أن أفعالها كانت إنسانية، لكنها بدلاً من ذلك وجدت نفسها وجميع السكان غير الأصليين، ممنوعين من دخول أراضي قبيلة «سورواها» بناء على توصية من مكتب المدعي العام بولاية أمازوناس في عام 2003. وأشار المدعي العام أيضاً إلى أن سوزوكيس لن يمكنها أبداً الحصول على الإذن اللازم للعيش مع القبيلة.

تركت «كانوهو» وعائلتها القبيلة قبل نحو 10 سنوات بمساعدة سوزوكيس، وتعيش الأسرة في الوقت الراهن بمنزل متواضع في ضواحي برازيليا، لم يكن التكيف مع واقعها الجديد سهلاً. وتقول كانوهو «لم أعش أبداً حول أشخاص لا أنتمي اليهم، فقد كنت مرعوبة جداً، ولم أكن أعرف حتى كيف أتكلم»، وتسترجع أسابيعها الأولى بعيداً عن الأمازون: «كان الطعام غريباً بالنسبة لي، والملابس أيضاً، كل شيء كان غريباً جداً».

ويعبّر والدا كانوهو عن حزنهما لأنهما تركا طريقة عيشهما، ويظل الجميع هنا معزولين في أماكن منفصلة، هكذا يقول والدها، ماكاو، مشيراً إلى الغرف في منزلهم. كانوهو الآن في سنتها الأخيرة بالمدرسة الثانوية، تسرح شعرها بطريقة أنيقة وتضع حلقة في أنفها؛ إنها تفكر في التعليم العالي وتستخدم كرسياً متحركاً.

في مايو 2017، ألقت كانوهو خطاباً حماسياً خلال جلسة استماع بالكونغرس حول حقوق المعاقين، قائلة «عندما يأتي الحديث عنن موضوع قتل الأطفال، هناك أناس يقولون يا إلهي لكن هذه ثقافتهم، علينا أن نحترم ثقافتهم وتقاليدهم، وأريد أن أقول إن ثقافة تنطوي على قتل الأبرياء يجب التخلي عنها، من المحزن التفكير كيف تجاهلنا العالم وتخلى عنا، وتظاهر بأننا غير مرئيين لأننا هناك وسط الغابة، إنهم يعتقدون أننا لا شيء ويستخدمون مبرر الثقافة، أطلب منكم مرة أخرى إعادة التفكير في ذلك، نحن هنا.. نحن نصرخ للحصول على المساعدة، نحن نصرخ من أجل الحقوق».

قتل الأطفال المعاقين جزء من الهوية

قانون يبرّئ أفراد القبائل من جريمة قتل أطفالهم

عام 1973، أقرت البرازيل القانون الهندي الأساسي، الذي يقسّم أفراد الشعوب الأصلية إلى ثلاث فئات: الذين يعيشون في عزلة تامة، والذين يعيشون في حالة اتصال محدودة بالعالم الخارجي، وأولئك الذين يندمجون بشكل كامل في المجتمع الرئيس. وينص القانون الأساسي على أن القبائل لا تخضع إلا للقوانين الفيدرالية حسب درجة استيعابها في الحياة البرازيلية. وبفضل هذا القانون، لا يواجه السكان الأصليون المقاضاة على قتل الأطفال.

أحد علماء الأنثروبولوجيا يجادل بأن قتل الأطفال من منظور الشعوب الأصلية يجب فهمه في سياق البيئة القاسية للغاية في الأمازون. ويقول هذا العالم، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه أمضى سنوات من العمل الميداني على حدود البرازيل مع فنزويلا، وسمع قصصاً عن قتل الأطفال، وكانت هذه القصص مأساوية للغاية، لكنه يقول إن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة لهم، ويبررون هذه الأفعال بأن البقاء في الغابة عقبة لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لهؤلاء الأطفال، لكن العديد من البرازيليين يرون أنه من غير المقبول أن تسمح الحكومة للقبائل بقتل الأطفال المعاقين باسم الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم، بدلاً من تزويدهم بالعلاج الطبي.

 بالنسبة لعالم الاجتماع، خوليو جاكوبو وايسيلفيس، مؤلف دراسة بعنوان «خرائط العنف»، فإن وفيات الأطفال الأصليين، على الرغم من ارتباطها بالتقاليد الثقافية، لا تقل عن القتل، ويقول «يجب ألا نجرّم الهنود، ولكن علينا القيام بشيء لإنقاذ هذه الأرواح».

السكرتير الرسمي للشؤون الهندية في ولاية رورايما، أوزيليو ماكوشي، لا يتفق مع هذا الرأي، ويرى أن ممارسة قتل الأطفال هي في الغالب أسلوب للبقاء لهذه القبائل المعزولة في كثير من الأحيان. ويتساءل «كيف يفترض أن ينقلوا شخصاً معوقاً جسدياً عبر الغابة من مكان لآخر؟ من الأفضل التخلص منه على الفور»، هكذا يقول، ويضيف «هذه هي الطقوس».

في بعض القبائل، يتم خنق الرضع حتى الموت «إنه قرار الأم»، كما يوضح جوناس يانومامي (41 عاماً) الذي يعيش بمستوطنة في بارسيلوس، بولاية أمازوناس. في غضون عامين تم تسجيل 96 حالة وفاة بين أطفال من السكان الأصليين لا يتعدى عمرهم ستة أيام، في ثلاث مستوطنات (بارسيلوس وكاراكاراي وألتو أليغري)، وفقاً لخريطة العنف لعام 2015.

بالنسبة لجوناس وأوزيليو، يعتبر قتل هؤلاء ء الأطفال جزءاً من الهوية الثقافية لهؤلاء السكان الأصليين، التي لا يستطيع البيض فهمها. ولكن هذه القضية أخذت أخيراً طريقها لمجلس الشيوخ البرازيلي، الذي أصدر مشروع قانون من شأنه أن يجعل قتل هؤلاء الأطفال جريمة، وقد يجرّم القانون المرتقب أيضاً المنظمات غير الحكومية وجماعات حماية الهنود، التي تفشل في الإبلاغ عن قتل الأطفال أو الإبلاغ عن أي عمل آخر قد يؤثر في صحة أفراد هذه القبائل.

كانت الرابطة البرازيلية للأنثروبولوجيا والمنظمات غير الحكومية القريبة من الهنود قد شجبت المشروع باعتباره مشروعاً يلغي ضماناً طويل الأمد تتعهد فيه الحكومة بعدم المساس بالهوية القبلية. كما أنهم ينتقدون حقيقة أن أولئك الذين يؤيدون التشريع لم يطلبوا من القبائل المعنية رأيها، ويتساءلون: لماذا لم يتشاور الكونغرس مع السكان الأصليين؟

ويقول رئيس جمعية الأنثروبولوجيا البرازيلية، أنطونيو كارلوس دي سوزا ليما، إن هذا المشروع جزء من خطة أوسع لتجريد السكان الأصليين من حقوقهم وثقافتهم، ويمضي قائلاً «ويستقطب الكونغرس الرأي العام، ويعامل الهنود وكأنهم وحوش وهمجيون، ما يعطي فكرة أن مثل هذا السلوك يجب أن ينتهي، وأن يصبح السكان الأصليون ما يريده الرجال البيض، ويقدمون لهم أرضهم ومواردهم». ترجمة: ع-خعن «ورلد كرنش»

تويتر