«المتعثرون اقتصادياً» نصف عدد المتشردين في المنطقة

ندرة السكن وارتفاع الإيجارات شـرّدا الآلاف في لوس أنجلوس

صورة

يعتقد كثير من الناس أن التشرد مشكلة تتعلق بالأشخاص الذين يتعاطون المخدرات والمصابين بأمراض عقلية، أو الذين يفترشون الأرض ويدفعون العربات في الشوارع. وعلى نحو متزايد، فإن الأزمة في لوس أنجلوس، اليوم، تمس مجموعة أقل وضوحاً لكن أكثر عدداً من الناس «المشردين اقتصادياً»، هؤلاء هم الأشخاص الذين تم دفعهم إلى الشوارع أو إلى الملاجئ في أوقات صعبة، بسبب سوء الحظ، وفشل ولاية كاليفورنيا، غير المسؤول، في تلبية احتياجات السكن الخاصة بها.

أعذار مشروعة

منذ عام 1980 تم بناء عدد أقل بكثير من المنازل مما هو مطلوب لتلبية النمو السكاني في مقاطعة لوس أنجلوس، وفقاً للمسؤولين في جنوب كاليفورنيا. وتعاني المقاطعة حالياً عجزاً يقترب من مليون وحدة سكنية، ولا تضيف الغالبية العظمى من 88 مدينة في المنطقة ما يكفي من وحدات سكنية بأسعار معقولة لتلبية حصتها العادلة في تنمية المنطقة.

ومن المؤكد أن هناك بعض الأعذار المشروعة، بما في ذلك تكاليف الأراضي المرتفعة، كما أن الانشغالات البيئية أسهمت في تباطؤ التنمية، ولكن في كثير من الأحيان يعمل السكان والمسؤولون المنتخبون على منع أو تقييد بناء المساكن بحجة عرقلة حركة المرور والكثافة السكانية وحماية الطابع العام. وجادل أحد أعضاء مجلس مدينة «تورانس» في معارضته لبناء منازل جديدة قائلاً: «يجب أن يسمح لأي مدينة بالقول: لقد امتلأت».


5 ٪

زيادة في الإيجار ستدفع 2000 شخص إلى التشرد في مقاطعة لوس أنجلوس.

من بين هؤلاء المواطنة الأميركية ناديا، التي أصبحت قصتها نموذجاً، فعندما قررت إنهاء زواجها الفاشل كانت تعرف أنه سيكون من الصعب العثور على مكان معقول للعيش مع أطفالها الثلاثة الصغار. كانت تدفع مع زوجها 2000 دولار شهرياً لشقة مكونة من ثلاث غرف نوم في سان فرناندو، ولكن الأسعار آخذة في الارتفاع بسرعة، والآن وصل إيجار الشقة المكونة من غرفتي نوم في المنطقة إلى أكثر من 2400 دولار، وهو إيجار يستحيل على أم تعمل بدوام جزئي أن تدفعه.

بحثت السيدة المطلقة على سكن مناسب لأشهر في حين كانت تعيش مع أقاربها وأصدقائها، وبعد أن قُبل طلبها في مشروع إسكان منخفض الدخل، فوجئت بأن قائمة الانتظار كانت لسنتين. ورفض الملاك قبول تخفيض حكومي للعائلات وفرضوا إيجاراً مرتفعاً.

انتهت ضيافة ناديا وصغارها الثلاثة في نهاية المطاف، حيث كانت تقيم عائلتها عند أقاربها، لكنهم وجدوا أنفسهم من دون خيار، وليس لديهم مكان خاص بهم ولا صديق يلجؤون إليه. وفي الصيف الماضي، لجأت العائلة إلى مأوى «بعثة الإنقاذ» في سان فرناندو للأسر المشردة.

وتدخل ناديا وأطفالها ضمن المشردين اقتصادياً، وهم رجال ونساء وأسر يجدون أنفسهم من دون مكان للعيش بسبب نكسة أو أزمة مفاجئة، بما في ذلك الطلاق أو مرض أو فقدان وظيفة أو طرد من المنزل. وفي العديد من المدن حول أميركا، ليس مثل هذه المشكلات من شأنه أن يغرق شخصاً بالضرورة في التشرد، ولكن في هذه المدينة الحال مختلفة.. لماذا؟ بسبب ارتفاع كلفة الإسكان في لوس أنجلوس بشكل صادم.

على مدى عقود فشلت السلطات في جنوب ولاية كاليفورنيا في بناء مساكن كافية لمواكبة النمو السكاني والطلب المتزايد، والآن الإيجارات في أعلى مستوى والدخل محدود، ويوجد نقص بالوظائف في الطبقة الوسطى، ما يعني أن هناك المزيد من الناس الذين يكافحون من أجل العيش. لا تنمو المشروعات الحكومية لتلبية مطالب جميع الناس في الولاية، كما أن تعاطف الجمهور لم يكن دائماً إلى جانب السلطات. في عام 2006 رفض المشرعون في لوس أنجلوس تخصيص سندات بقيمة مليار دولار لإنشاء 10 آلاف وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض والمشردين، ما أدى إلى تفاقم النقص في المساكن.

مشهد عام

إنهم جزء من المشهد العام في لوس أنجلوس، يعيش المتشردون تحت جسور الطرق السريعة، وعلى ضفاف النهر وفوق التلال، منهم المرضى عقلياً ومدمنو المخدرات والمحرومون اقتصادياً، مع ممتلكاتهم في حقيبة على الظهر أو في عربة تسوق.

واليوم نحن ندفع الثمن، إذ تشير التقديرات إلى أن المشردين اقتصادياً يشكلون أكثر من نصف عدد الأشخاص الذين لا يملكون سكناً خاصاً بهم، ويتزايدون بشكل دراماتيكي، ما يدفع للأعلى عدد هذه الفئة السكانية. ويقول أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم استطلاع هيئة لوس أنجلوس لخدمات المتشردين، العام الماضي، إنهم بلا مأوى بسبب الطرد أو الرهن أو البطالة أو «أسباب مالية».

في غضون ست سنوات فقط ارتفع متوسط الإيجار لشقة بغرفة نوم واحدة في مقاطعة لوس أنجلوس بنسبة 67٪، من نحو 1200 دولار إلى 2000 دولار، وفقاً لمؤشر «رانت زيلو»، وارتفع متوسط دخل الأسرة خلال الفترة نفسها بنسبة 23% فقط في 2017.

حالياً يعاني واحد من بين كل ثلاثة مستأجرين في منطقة لوس أنجلوس وضواحيها «ثقلاً مادياً شديداً»، ما يعني أنهم يصرفون نصف دخلهم على الأقل على السكن، وتعد مقاطعة لوس أنجلوس من أكثر المناطق التي لا يستطيع الأكثر فقراً تحمل أعباء الإيجار فيها مقارنة بجميع مناطق الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكرته وزارة الاسكان والادارة الحضرية الأميركية. ولفهم مدى دقة الخط الفاصل بين أولئك الذين لديهم مكان للعيش ومن لا يملكون ذلك، ذكرت دراسة أن زيادة الإيجار بنسبة 5٪ في مقاطعة لوس أنجلوس ستدفع 2000 شخص إلى التشرد.

تنظيف المنازل

السيدة غوادالوب ليناريس هي مثال لأهالي المنطقة الذين يعانون المشكلة، فقد انتقلت هي وأولادها من مرآب تم تحويله إلى سكن بشكل غير قانوني بإيجار 600 دولار في الشهر بعد أن تعرض ابنها لعضة جرذ، لكنها وجدت سكناً بغرفة نوم واحدة بضعف الإيجار، ما اضطرها إلى العمل ساعات طويلة في وظائف متعددة، بما في ذلك تنظيف المنازل والعمل في المطاعم. بدأت ابنتها ماريانا البالغة من العمر 17 عاماً، التي كانت تفكر في مهنة الطب، في التغيب عن المدرسة لمساعدة والدتها في تنظيف المنازل من الساعة السابعة صباحاً حتى الـ11 ليلاً؛ الأمر الذي تطلب منها الانتقال إلى برنامج دراسة مستقل، لكنها لم تجد مقعداً شاغراً في تلك البرامج، ما وضع طموحاتها قيد الانتظار، لكنها ظلت تساعد والدتها على إعالة الأسرة.

ولكي تعالج مقاطعة لوس أنجلوس النقص في السكن، الذي يؤدي بالتالي إلى زيادة الإيجارات، يتعين أن تسمح بأعمال الإعمار. نحن لا نتحدث في هذه الحالة عن مسكن دائم للأشخاص المشردين على الرغم من أن هذا النوع من السكن ضروري للغاية، والمشردون اقتصادياً يحتاجون إلى شيء آخر، هو السكن الأقل كلفة وبإيجار منخفض عن سعر السوق لمساعدة ذوي الدخل المنخفض. والإيجارات المنتظمة في السوق من شأنها أن تزيد من العرض وتساعد على خفض الإيجارات للجميع.


جنوب كاليفورنيا من بساتين برتقال إلى منطقة مزدحمة

لا يمكن لمدينة أن تقول إنها امتلأت. الكثير من الناس يتشبثون بنظرة قديمة لجنوب كاليفورنيا عندما كانت هناك بساتين برتقال تديرها أسر صغيرة، وطرق واسعة وغير مزدحمة. اليوم، يكلف البيت الريفي نحو مليون دولار أميركي أو أكثر، والطرق مسدودة، وبعض العائلات من الطبقة العاملة قد ينتهي بهم الأمر بالنوم في سياراتهم. الأمر لا يتطلب ناطحات سحاب، هناك حاجة للمزيد من المنازل والمباني السكنية من أربعة طوابق.

أصدرت الحكومة المحلية قوانين جديدة العام الماضي، للضغط على المدن لاستيعاب المزيد من المساكن وتبسيط الموافقات في المجتمعات التي فشلت في مواكبة النمو السكاني. وافق المشرعون في كاليفورنيا أيضاً على تمويل جديد للإسكان بأسعار معقولة، وفوضوا المدن سلطة سن قوانين تقسيم المناطق التي تتطلب بناء وحدات ميسورة الكلفة في مشاريع سكنية بأسعار السوق، وهذه خطوات إيجابية، لكن ينبغي للحكومة أن تعتمد إجراءات أكثر صرامة إذا استمرت مجالس المدن في وضع العقبات.

صحيح سيؤدي ذلك إلى تغيير مظهر المدن وطابعها في بعض الحالات، لكن هذه نتيجة حتمية للنمو السكاني.

وبطبيعة الحال سيستغرق الأمر سنوات لإنجاز المشروعات السكنية، وفي الوقت نفسه سيستمر ارتفاع الإيجار وحالات الطرد والإخلاء، ولهذا السبب يجب على صناع القرار جعل منع التشرد حجر الزاوية في جهودهم، وتحقيقاً لهذه الغاية تخطط مقاطعة لوس أنجلوس لاستخدام أموال لتوفير المساعدة الإيجارية المؤقتة لدعم العائلات التي تجد نفسها على حافة فقدان مسكنها، ومن الأسهل والأرخص الحفاظ على الناس في السكن عوضاً عن مساعدتهم عند وجودهم في الشارع.

تمول المقاطعة أيضاً الخدمات القانونية لمساعدة المستأجرين الفقراء على محاربة الإخلاء أو لمساعدتهم على التأهل للحصول على المساعدة للانتقال، وتذكر البيانات أن أقل من 1٪ من المستأجرين الذين يواجهون الإخلاء لديهم محامون، وينبغي للمدن أن تنظر أيضاً في إصدار قوانين تتطلب أن يظهر أصحاب العقارات «سبباً عادلاً» للطرد.


تمويل برنامج لقسائم المساعدات السكنية

لم تفعل الحكومة الفيدرالية ما فيه الكفاية، يجب زيادة تمويل برنامج قسائم المساعدات السكنية في مقاطعة لوس أنجلوس، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع كلفة السكن هناك. وفي نهاية المطاف يجب أن يكون هناك اعتراف بأن كل وحدة سكنية جديدة يُرفض بناؤها يعني أن عائلة حرمت من مكان معقول للعيش، ومثلما يستعد المشرعون في لوس أنجلوس للموافقة على زيادة الضرائب على سكن وخدمات المتشردين، يجب أن يكونوا على استعداد أيضاً لقول «نعم» لبناء المساكن في أحيائهم، وهذا سيخفف من حدة النقص مع مرور الوقت.

وتلاحظ المشردة ناديا لأسباب اقتصادية صعبة أن الكسل أو تعاطي الكحول والمخدرات ليس بالضرورة السبب الذي يغرق الكثير من الناس في أزمة التشرد، إنه النقص في المساكن بأسعار معقولة. وبعد الانتقال إلى مركز للإيواء بدأت الأم الأميركية العمل بدوام كامل في شركة تأمين كبيرة مُدخلة بيانات، لتوفير المال لشراء شقة، في حين يعرف القليل من زملائها في العمل أنها تعيش مع عائلتها في مأوى، وفي ذلك تقول ناديا: «لا أحد يعرف أنني امرأة بلا مأوى». وتضيف: «أنا على استعداد للمراهنة أن الكثير منهم سيفاجؤون بالحقيقة».

تويتر