رغم المعاناة الكبيرة التي تشهدها المؤسسات العقابية

معتقلون في فنزويلا يفضلون البقاء بالسجن

صورة

«أنا أقتل الناس».. هكذا رد أحد النزلاء في سجن فنزويلي يدعى إلنغر على سؤال حول ما يفعله لكسب لقمة العيش. من بيتي في المملكة المتحدة تمكنت من الاتصال عبر «فيس بوك» بشخص يقضي 19 عاماً بسجن في فنزويلا. ويوجد في هذا البلد أسوأ السجون في العالم، وفي أحدها يوجد إلنغر الذي يمتلك هاتفاً ذكياً من طراز «سامسونغ غالاكسي» الحديث.

بين عامي 2010 و2014 عشت في مدينة تسمى «ميريدا» في جبال الأنديز الفنزويلية، إنها مدينة قديمة وجميلة، وكانت مكاناً ممتعاً مليئاً بالحانات ودور اللهو، وفي النهاية تركت المدينة بسبب ظلم لحق بي، ومنذ ذلك الحين كان لدي فضول غريب لمعرفة عالم الجريمة والسجون في فنزويلا، خصوصاً بعد الالتقاء برجل ألماني أمضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة الاتجار في مخدر الكوكايين، حيث روى لي قصصاً مظلمة حول وجود الفئران في كل مكان، ووفرة السجناء الآخرين الذين يهددونه بسكاكين المطبخ. ومن خلال موقع التواصل الاجتماعي كان لدي فرصة إلقاء نظرة على هذا العالم الغريب والمثير، إنه عالم يقدم العديد من الأفكار حول الفوضى الكبيرة التي آلت إليها فنزويلا.

أخبرت إلنغر بأنني صحافي بريطاني، وطلبت منه أن يطلعني على الظروف داخل السجن، أجابني السجين بلغته الإسبانية قائلاً: «لماذا لا تهتم بشؤونك إذا كنت تعرف ما هو جيد بالنسبة لك؟». لقد شعرت بمعاناته مع أنه على بعد 4600 ميل، تركته وبدأت الدردشة مع نزيل آخر يدعى فرناندو، البالغ من العمر 38 عاماً، والذي يبدو مختلفاً كثيراً.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


سيئة للغاية

سألت رينو عن رأيه في قيادة بلاده السياسية فأجاب قائلاً: «إنها سيئة للغاية، كيف تركت شعبها يجوع بهذه الطريقة؟» متابعاً: «لقد استعبدوا الفنزويليين». بعدها تحولت للدردشة مع فيرناندو مرة أخرى، فهو يبدو مهتماً بمعرفة المزيد عن بريطانيا. سألني النزيل قائلاً: لديكم ملك، أليس كذلك؟ فأجبت لا، لدينا ملكة، فقال: كم تبلغ من العمر؟ أجبت 91، فرد فيرناندو: هل لديها بنت غير متزوجة؟ فقلت: ابنة واحدة، لكنها متزوجة، فقال: مخزٍ!

ولم يصدر الحكم على فرناندو بعد، لكنه متفائل بإطلاق سراحه هذا العام. وأول شيء سيقوم به هو الهجرة فوراً، لا مجال للبقاء هنا في فنزويلا، والفوضى التي تتخبط بها، أين تريد أن تذهب؟ فأجاب: ماذا عن إنجلترا؟


• خلال عام 2016 فقد 74% من السكان نحو 8.7 كيلوغرامات من الوزن، كما يتناول ثلث السكان، البالغ عددهم 31 مليون نسمة، وجبتين أو أقل يومياً، في حين يبحث عشرات الآلاف من الفقراء عن الطعام في القمامة كل يوم.

وقد قضى فرناندو تسع سنوات داخل سجن فيفالنسيا، وهي ثالث أكبر مدينة في البلاد، لتورطه في عملية اختطاف: «هل تعلم أن السجن أكثر أمناً»، يقول النزيل، «شوارع المدينة خطيرة جداً».

إنه على حق، فوفقاً لدراسة قامت بها وكالة «إنسايت كرايم»، تم تسجيل نحو 26600 حالة وفاة جراء العنف في فنزويلا العام الماضي، بمعدل 89 لكل 100 ألف شخص (مقارنة بـ1.6 في لندن). مناطق الحرب فقط مثل سورية والصومال هي أكثر خطورة من هذا البلد اللاتيني، لكن السجون ليست أماكن آمنة تماماً. بين عام 1999 (عندما أصبح هوغو شافيز رئيساً) و2014، سجلت 6470 جريمة قتل في مختلف سجون البلاد، وهذا عدد كبير جداً عندما نعلم أن هناك نحو 50 ألف نزيل في 35 سجناً شيدت أساساً لتستقبل 19 ألف شخص فقط، وهناك عشرات الآلاف من المحتجزين في زنازين الشرطة.

حالة محزنة

ولم تصدر حتى الآن أحكام بحق 63% من السجناء، وفرناندو واحد منهم. ويقول النزيل: «المحامي إنسان يفعل ما بوسعه، لكن المحاكم لا طائل من ورائها»، متابعاً «إنها غير فعالة وبيروقراطية، مثل بقية مؤسسات الدولة عموماً». حالة فرناندو محزنة، لكن بقاءه في السجن ربما يكون أفضل لمجتمعه، فربما اختطف شخصاً آخر، أو فعل ما هو أسوأ، ومع ذلك هناك حالات كثيرة من الظلم الرهيب في فنزويلا.

أتاح لي فرناندو فرصة الاطلاع على السجن من خلال هاتفه الذكي، ما لاحظته هو الصراخ المستمر، كيف يمكن لأي شخص أن يتحمّل ذلك لمدة تسع سنوات أو أكثر دون أن يصاب بالجنون؛ إنها معجزة. ثم ألقيت نظرة على جدران السجن التي تغطيها كتابات سوداء وحمراء. فرناندو رجل ضخم ينام على سرير في زنزانة يشترك فيها مع نحو 30 سجيناً آخرين، وكان يتحدث لهجة الأحياء الفقيرة في كاراكاس.

يقول النزيل إنه أنشأ علاقة ودية مع زعيم العصابة الذي يدير فعلياً السجن، ويشرف على تهريب المخدرات وعمليات الابتزاز من الداخل، إنه أحد مساعدي زعيم المافيا الكولومبية ويحظى بامتيازات خاصة.

في عام 2011 عين شافيز إيريس فاريلا وزيرة للسجون، ولأنها لم تتمكن من مواجهة أعمال العنف وأعمال الشغب المنتظمة، أنشأت المسؤولة بدورها علاقة جيدة مع العصابات ومنحتها السلطة داخل بعض السجون سيئة السمعة، وكانت تلك وسيلة لاستعادة النظام في هذه المؤسسات العقابية. وفي العام الماضي وافقت الحكومة الأميركية على عقوبات بحق فاريلا، وجمدت أصولها المالية لتقويضها الديمقراطية الفنزويلية، وكان ردها أن نشرت صورة لها وهي تقوم بإشارة بذيئة على «تويتر»، معلقة «إلى الجحيم أيها الأميركيون الأوغاد».

سوء التغذية

على الأقل بإمكان فرناندو الحصول على الطعام داخل السجن، «تناولت الليلة الماضية وجبة أرز مع الدجاج وهذا أفضل مما يأكله كثير من الناس خارج هذا المكان». على هذا النحو إنه على حق، فالبلاد تعاني أزمة سوء تغذية حادة، مع نفي الحكومة ذلك، وخلال عام 2016 فقد 74% من السكان نحو 8.7 كيلوغرامات من الوزن، كما يتناول ثلث السكان البالغ عددهم 31 مليون نسمة وجبتين أو أقل يومياً، في حين يبحث عشرات الآلاف من الفقراء عن الطعام في القمامة كل يوم، وقد أدت السياسات الاقتصادية الخاطئة لنيكولاس مادورو، الذي تولى الرئاسة في أبريل 2013 بعد وفاة شافيز، إلى أعلى معدل تضخم في العالم، حيث بلغ 270% في السنة، ويبلغ الحد الأدنى للأجور، بما في ذلك بدلات الطعام، ما يعادل جنيهين إسترلينيين بسعر الصرف في السوق السوداء.

هل أثر هذا التضخم المفرط على النزلاء؟ يقول فرناندو: نعم، لقد ارتفع سعر كل شيء هنا. أما السجين رينو (26 عاماً)، الذي حكم عليه بالسجن 19 عاماً عن جريمة قتل، فيبدو لطيفاً بما فيه الكفاية. ولدى رينو زوجة تزوره في السجن كل أسبوع، ويقدم رشوة للحراس للحصول على وقت أطول معها، ويبدو الشاب سعيداً، وفي الواقع يتحدث بلغة فلسفية، «أنا أنام جيداً في الليل وأشعر بالأمان هنا، ما الذي يتمناه المرء أكثر من هذا؟».

جيسون ميتشل - صحافي بريطاني مستقل عاش في فنزويلا أربع سنوات

تويتر