في بلد تسوده الجريمة المنظمة والعنف ضد النساء

شينباوم أمام اختبار حقيقي كأول امرأة تستعد لتولي رئاسة المكسيك

صورة

تستعد كلوديا شينباوم، لتصبح أول رئيسة للمكسيك على الإطلاق، في بلد يسيطر عليه السياسيون الذكور، وتهيمن عليه الجريمة المنظمة. قبل تسع سنوات، حازت هذه المرأة العالمة نصيباً من جائزة نوبل، وكانت تقوم بالتدريس في إحدى جامعات مدينة مكسيكو، وتجري أبحاثاً حول تغير المناخ وتحديات الطاقة. والآن، وقبل الانتخابات الوطنية المزمع تنظيمها الشهر المقبل، تستعد هذه السيدة (62 عاماً)، التي لديها ابنان وحفيد واحد، لتصبح واحدة من أقوى النساء في العالم، بعد أن اختارها رئيس حزب مورينا، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، لخلافته رئيسة للمكسيك.

ولدت في 24 يونيو 1962 في مكسيكو سيتي لوالدين عالمين هاجر أجدادهما من بلغاريا وليتوانيا، هما: آني باردو سيمو، عالمة أحياء، وكارلوس شينباوم، مهندس كيميائي، علمها والداها بأنها تستطيع تحقيق أي شيء تريده، وألا تنظر إلى جنسها على أنها فتاة. كانت والدتها من الأفراد الناشطين في الاحتجاجات الطلابية عام 1968 في مكسيكو سيتي، حيث قُتل أكثر من 300 شخص على يد الجيش. وبعد سنوات قليلة، شاركت شينباوم الشابة في تظاهرة مناهضة لحرب فيتنام.

تابعت شينباوم تعليمها العالي في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الفيزياء، وتعمقت في تعقيدات العالم الطبيعي، ووضعت الأساس لمساعيها المستقبلية. واصلت متابعة المزيد من الدراسات، وحصلت على درجة الماجستير في هندسة الطاقة، والدكتوراه في الهندسة البيئية. وركزت أبحاث الدكتوراه التي أجرتها في مختبر بيركلي بجامعة كاليفورنيا على تحليل اتجاهات استهلاك الطاقة في المكسيك، وتسليط الضوء على الجوانب الحاسمة في مشهد الطاقة في البلاد.

وطوال رحلتها الأكاديمية، ظلت شينباوم منخرطة بعمق في النشاط السياسي، ووجهت خبرتها وشغفها إلى الدفاع عن القضايا الاجتماعية والبيئية. وفي عام 1998، لعبت دوراً محورياً في تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري الذي يقوده الطلاب، ما يؤكد التزامها إحداث تغيير إيجابي من خلال الوسائل السياسية.

لم تعش هذه المرأة بمعزل عما تعانيه النساء في وطنها من كبت وتحرش وحرمان. فقط ظلت خارج نطاق الأسرة تواجه الكراهية التي يكنها بعض الرجال للنساء. تعود بذاكرتها عندما كانت في المدرسة الثانوية، عرض عليها أحد معلميها منحها درجات أعلى، مقابل مواعيد غرامية معه. وفي الحافلة العامة، تعرضت لأنواع من العنف. وتقول «ربما مرت كل فتاة في هذا البلد بشيء مماثل».

عندما انتقلت إلى مرحلة البلوغ لم تكن تحلم بأن تكون قيادية سياسية. وقالت: كان هدفي أن أصبح باحثة في إحدى الجامعات. مضيفة: كنت أرى مستقبلي من خلال هذا المنظور. لكن كل ذلك تغير في عام 2000، عندما أصبحت وزيرة البيئة في مكسيكو سيتي في الوقت الذي كان يحكم فيه هذه الولاية، الرئيس الحالي لوبيز أوبرادور. ومع ذلك ظلت تمارس عملها الأكاديمي، وتقوم بالبحث ونشر الأوراق البحثية حول استخدام الطاقة. وفي العقد الأول من القرن الـ21، عملت في لجنة الأمم المتحدة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، حيث فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2007 مناصفة مع داعية شؤون المناخ والنائب السابق للرئيس الأميركي، آل جور. وتقول: كنت أعِد نفسي بأن أكون باحثة أساعد لوبيز أوبرادور في الوصول إلى الرئاسة.

وفي عام 2015، أصبحت عمدة لتلالبان، أكبر منطقة في مكسيكو سيتي، وبعد ثلاث سنوات تولت عمودية العاصمة. وعندما انتشر وباء (كوفيد-19)، جلست أمام جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها، وصممت الاستجابة، بما في ذلك توزيع برنامج اللقاح. وقد حظيت باستحسان واسع النطاق، في حين تعرضت الاستجابة الوطنية تحت قيادة لوبيز أوبرادور للانتقادات، بسبب فشله في أخذ مخاطر الوباء على محمل الجد بالقدر الكافي، ما أدى إلى وفيات لا داعي لها.

أخبرت بعض وسائل الإعلام أنها لم تكن تهدف إلى تحقيق مستوى سياسي أعلى من الذي كانت تحلم به في تلك المرحلة. تقول: لم أفكر في أن أكون رئيسة للبلاد، إلا قبل نحو ثلاث سنوات فقط. وبصفتها حاكمة، أشرفت على خفض معدل جرائم القتل، خاصة بين النساء، وتعهدت بخفض جرائم قتل الإناث بشكل أكبر خلال رئاستها. إن موقفها الصارم وتصريحاتها الهادئة والدقيقة، وهوسها بالدقة العلمية تضعها على النقيض تماماً من معلمها أوربادور ذو العبارات المنمقة.

تعيش في شقة في مكسيكو سيتي مع زوجها الثاني، خيسوس ماريا تاريبا أنغر، زميلها السابق في الجامعة الذي تزوجته العام الماضي. تروي ببراءة قصة لقائهما مرة أخرى عام 2016: كنت رئيسة للوفد في تلالبان، كان في وقت قريب من عيد الميلاد، تحدثنا وأعدنا الذكريات، عاد إلى إسبانيا، ثم جاء إلى المكسيك مرة أخرى، ثم ذهبت إلى إسبانيا لمدة خمسة أيام تقريباً لرؤيته هناك، لأرى أين يعيش وما إلى ذلك، وعندها قال لي: أريد الذهاب إلى المكسيك معك وإلى الأبد.

كانت شينباوم متزوجة سابقاً من عام 1987 إلى عام 2016 من السياسي كارلوس أماز غيسبيرت، ولديهما معاً ابنة واحدة، ماريانا إيماز، (35 عاماً)، حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، وهي الآن المنسق الأكاديمي للعلوم الإنسانية في جامعة أونام - بوسطن. تتمتع شينباوم أيضاً بعلاقة وثيقة جداً مع رودريغو إيماز، ابن كارلوس أماز غيسبيرت من زواج سابق.

• والد كلوديا شينباوم علّمها أنها تستطيع تحقيق أي شيء تريده، وألا تنظر إلى جنسها على أنها فتاة.


تشكيك في قدرات شينباوم

تقول بعض الجماعات النسوية إن شينباوم لن تستطع المضي قدماً في مكافحة جرائم قتل النساء. ووفقاً للمرصد الوطني لجرائم قتل النساء، تُقتل أكثر من 1500 امرأة سنوياً في المكسيك بسبب جنسهنّ. وفي الغالبية العظمى من الحالات، يفلت القتلة من العقاب. ويشير المنتقدون أيضاً إلى العدد الكبير من النساء المختفيات في مكسيكو سيتي، وفي جميع أنحاء البلاد، اللاتي لا يظهرن في إحصاءات جرائم القتل. ويتساءلون هل يمكن لشينباوم أن تفعل المزيد؟

تعرضت جيسول أمايا للطعن 37 مرة على يد شريكها السابق، وأمضت شهرين في العناية المركزة. لاتزال أمايا تعاني الصدمة العاطفية الناجمة عن الهجوم، إلى جانب تكاليف المستشفى والفواتير القانونية التي تكبدتها في كفاحها من أجل العدالة.

وقالت أمايا، وهي راقصة سابقة «إنه لايزال حراً، وأنا أعيش في خوف كل يوم». «كيف أعرف أنه لن يحاول القيام بشيء ما عندما أخرج إلى الشارع؟».

أمايا هي إحدى الناجيات من محاولة قتل النساء، وهي جريمة كراهية تُعرف بأنها القتل المتعمد للنساء والفتيات بسبب جنسهن. وأثارت الجرائم موجات عدة من الاحتجاجات، ووضعت العنف ضد المرأة على رأس جدول الأعمال السياسي في المكسيك. لكن الصحافية المكسيكية غلوريا بينيا تقول إن أولئك الذين ينجون من العنف القائم على النوع الاجتماعي، غالباً ما يُتركون دون حماية أو عدالة.

عصابات المكسيك تحولت من تجارة المخدرات إلى الابتزاز وتهريب البشر وبيع الأسلحة

في الثالث من مايو العام الماضي، سنت المكسيك قانوناً يفرض ضوابط صارمة على استيراد المواد الكيميائية التي تستخدمها العصابات المكسيكية لتصنيع المخدرات الاصطناعية. ويدعم القانون عقوبات جنائية قاسية. وهذه خطوة مذهلة من جانب الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي امتنع عن التصدي للعصابات في البلاد، مفضلاً إلقاء اللوم على المخدرات والفوضى في التفكك الأسري على الحدود، والفقر في الداخل. وفي الحقيقة، أصبحت العصابات في عهده قوية ومتنوعة بشكل متزايد.

ظلت الكارتيلات في المكسيك دائماً قادرة على التكيف، ففي الثمانينات، نشطت في تهريب الماريغوانا، ومن ثم الكوكايين من كولومبيا إلى الولايات المتحدة. ولكن في العقد الماضي تحولت هذه الجماعات إلى أنشطة أوسع بكثير مما كانت عليه الحال من قبل، حيث تحولت من تجارة المخدرات إلى الابتزاز، وتهريب البشر، وبيع الأسلحة، والتعدين غير القانوني. يقول الناشط في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، رومان لو كور غراندميزون، وهي منظمة غير حكومية مقرها في سويسرا: نحن ننظر إلى اتجاهات الجريمة المنظمة من خلال عدسة عصابات المخدرات، بينما لدينا اليوم في المكسيك مشهد إجرامي يشبه المافيا.

تويتر