كثيرون يعتقدون أنه «قضية ثقافية».. واحتجاجات تطالب بتدخل حكومي

عنف الرجال ضد زوجاتهم يتحول إلى «أزمة وطنية» في أستراليا

صورة

قصة إخبارية أخرى عن وفاة امرأة على يد شريكها هي التي أقنعت الناشط الأسترالي لحماية حقوق المرأة، دانييل ماكورماك أن يكون جزءاً من الحل. وقال الكوميدي الاسكتلندي دانييل سلوس - الذي كشف خلال عمل كوميدي قدمه عام 2019 عن أنه لم يفعل ما فيه الكفاية، لمنع أحد أصدقائه من اغتصاب إحدى النساء، وحث الرجال على «التدخل»- وهو يحمل لافتة خلال احتجاج في مدينة بريسبان الأسترالية، كتب عليها «احموا النساء نبهوا زملاءكم»: «أكره القول إن أحد الرجال هو الذي لفت انتباهي إلى هذه القضية».

وخلال هذا الأسبوع، كان ماكورماك من بين عشرات الآلاف من الناس الذين تجمعوا في حشود تجمعت في شتى أنحاء أستراليا، للمطالبة بالتحرك ضد العنف بين الجنسين، الذي يقوم به الرجال ضد النساء.

وفي يوم الإثنين الماضي، أظهرت أرقام جديدة حدوث ارتفاع كبير بنسبة 28%، زيادة في جرائم قتل الرجال لزوجاتهم في عامي 2022 و2023، مقارنة بالسنة الماضية، ما يضع حداً لتناقص هذا النوع من الجرائم طيلة عقود ماضية. وقالت مديرة الأبحاث في معهد علم الجريمة الأسترالي، سامنثا بريكنل: «إنها زيادة كبيرة، وإلى حد كبير تُعدُّ أمراً غير متوقع، وخلال العقود الثلاثة الماضية، قمنا بجمع المعلومات عن الجريمة في أستراليا، وكان هناك زيادة إجمالية في جرائم قتل الزوجات».

ووصف رئيس الحكومة أنتوني ألبانيز ذلك بأنه «أزمة وطنية» وفي يوم الأربعاء المقبل، سيتم عقد جلسة لمجلس الوزراء، لمناقشة كيفية تدخل الحكومة في هذا الشأن على أحسن وجه.

ويعتقد كثيرون، ومن بينهم رئيس الوزراء أنها قضية ثقافية، تعمل على استمرارها مواقف متأصلة بعمق خلال العديد من الأجيال، التي ربما يستغرق حلها فترة طويلة قد تصل إلى أجيال عدة، إلا أن المتظاهرين يقولون إنه يجب القيام بالكثير، وإذا انتظرت أستراليا إلى حين التغيّر المجتمعي عبر الأجيال فسيموت الكثير من النساء.

حادثة طعن جماعي تثير التساؤلات

تعاني أستراليا مشكلة عنف الرجال ضد النساء، وعلى الرغم من أن التقارير الإعلامية عن حالات القتل تنعى فقدان النساء، فإنها لا تحشد التظاهرات الجماهيرية عادة، لكن ذلك تغير هذا الشهر عندما قام رجل مسلح بسكين بالهجوم على المتسوقين في مركز تسوق في ضاحية بوندي، التابعة لمدينة سيدني، ما أدى إلى مقتل ستة متسوقين، معظمهم من النساء قبل أن تُطلق الشرطة النار عليه وترديه قتيلاً.

وبينما كانت البلاد لاتزال تعاني الصدمة، قال مفوض الشرطة في ولاية نيو ساوث ويلز، إن كاميرات المراقبة الموجودة في المتجر، أظهرت أنه كان من الواضح أن المهاجم كان يستهدف مهاجمة النساء. وبعد مرور يومين على الحادث، وعندما قام صبي في الـ16 من العمر بطعن أسقف مسيحي أرثوذكسي في المدنية، تم تصنيف الحادث على الفور بأنه «حادث إرهابي».

وأثار ذلك نقاشاً عريضاً حول أسباب عدم تصنيف الهجوم المتعمد على النساء بأنه «هجوم إرهابي» فهل السبب هو الترويج لكراهية النساء أم أنها أيديولوجية متطرفة، أو أنها بشكل صريح كراهية للنساء؟! وأشارت السلطات الأمنية الأسترالية إلى عدم وجود أدلة كافية في قضية بوندي على أن المهاجم كانت لديه دوافع لتعزيز قضية أخرى، ويبدو أن الحوار مستمر حتى الآن.

ولكن خلال الأيام التي تلت، تعرضت عدة نساء للقتل، وكانت حوادث موتهن غير مرتبطة ببعضها، لكنها مرتبطة بمن قتلهن.

وخلال الأسبوع الماضي لوحده، كان من بين حالات قتل النساء، أم عمرها 28 عاماً، يُعتقد أنها قُتلت على يد زوجها، الذي كان يواجه تهماً باغتصابها ومراقبتها وملاحقتها، لكن تم الإفراج عنه بكفالة، وهناك أيضاً امرأة عمرها 49 عاماً، قيل إنها قُتلت في منزلها من قبل شخص تعرفه، وهناك أخرى عمرها 30 عاماً، تم العثور على جثتها خلال حريق في المنزل، يعتقد أن رجلاً تعرفه هو من قام بإشعاله. ووصل عدد النساء اللواتي تعرضن للقتل إلى 27 امرأة على يد أزواجهن أو أزواج سابقين هذه السنة حتى الآن، وفق «مشروع إحصاء النساء المقتولات» أي بمعدل امرأة كل أربعة أيام.

استجابة غير فاعلة

تتساوى معدلات جرائم القتل لدى بعض الدول مثل كندا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا، لكن الباحثة في جامعة أستراليا الوطنية، هايلي بوكسال تقول: إن الخلاف بين هذه الدول يتمثّل في أن أستراليا تتحدث عن هذه الجرائم أكثر من غيرها. وقالت: إنها ليست مشكلة أسترالية للأسف، بل هي مشكلة عالمية. ونتفرد في أننا نتحدث عنها أكثر من أي سلطة قضائية أخرى، بمعنى كيفية ردنا على هذه المشكلة.

وانتقل هذا الحوار من الشوارع في عطلة نهاية الأسبوع، حيث يتجمع المتظاهرون ويصرخون قائلين «لن نتحمل ذلك من جديد» إلى جلسات الإفطار أمام التلفاز يوم الإثنين، عندما ظهر رئيس الحكومة ألبانيز مرات عدة من أجل الترويج لاستجابة الحكومة ووعودها بالقيام بالمزيد لمكافحة هذه الجرائم.

وقال إن الحكومة خصصت 2.3 مليار دولار أسترالي خلال عامين ماليين من أجل حل هذه المشكلة، بما فيها المزيد من الإسكان الاجتماعي للنساء الهاربات من سوء المعاملة. ويستطيع الموظفون الحصول على 10 أيام عطلة مدفوعة الأجر من أجل العائلة، وللتخلص من العنف المنزلي، وتطرح الحكومة استراتيجية وطنية، مدتها 10 سنوات من أجل المساواة بين الجنسين. وقال ألبانيز: «من الواضح أننا بحاجة إلى القيام بالمزيد».

وقالت بوكسال: إن استجابة أستراليا للعنف المنزلي تم تشكيله من خلال «خطاب ثقافي منتشر في كل مكان» والذي يشير إلى أن الأشخاص الذين يتعاملون بسوء يفعلون ذلك بصورة مستمرة، ولا يتوقفون عن ذلك أبداً، وهي فكرة تتناقض مع الأبحاث الدولية.

وأضافت بوكسال مشيرة إلى البرامج المحترمة بين الجنسين: «أعتقد أننا قررنا بأنهم لا يستطيعون التوقف، لهذا فإننا نبذل الكثير من الجهود من أجل الوقاية الأولية»، وتابعت: «الحقيقة أنه بغض النظر عن مدى التدريبات حول العلاقة المحترمة للزوجة، وبغض النظر عن سياسة الاستثمار التي نقوم بها إزاء معالجة المساواة بين الجنسين، هناك دائماً رجال يتعاملون بعنف إزاء النساء، وبناء عليه، نحتاج إلى استجابة متصاعدة، حيث نستطيع الرد بصورة واقعية على ذلك الخطر عندما نكتشفه».

وقالت بوكسال أيضاً إن ذلك سيتضمن «إدارة حالة المراقبة المكثفة والتخطيط المكثف للسلامة للحالات ذات الخطورة المرتفعة، لمنع المزيد من جرائم القتل، ولمنع العنف الذي يتم ارتكابه في المنازل، في بعض الحالات قبل تدخل السلطة القضائية».

وأوضحت بوكسال: «ليس لدينا أي برامج جيدة للرجال الذين يعانون أمراضاً نفسية واضطرابات شخصية، والذين يستخدمون هذه الأنماط من العنف، وليس لدينا الكثير من برامج معالجة إدمان الكحول والمخدرات التي يسهل الوصول إليها للرجال الذين يستخدمون العنف، كما أننا لا نملك بالضرورة برامج جيدة لمنع جرائم القتل، وللأسف ليس هناك سلطة قضائية أستطيع الإشارة إليها، وأقول إنهم يقومون بذلك بشكل جيد فعلاً».


رئيس الحكومة متهم بالتقصير في معالجة العنف المنزلي

بات العنف أكثر من مجرد «أزمة»، فهو حقيقة أسترالية، وتعين على رئيس الوزراء، أنتوني ألبانيز قيادة عملية تغييره، والتحرك لوقف العنف ضد المرأة، وأُلقيت خطابات، وتمت الدعوة إلى اجتماعات عاجلة، ووصف رئيس الوزراء العنف المنزلي والأسري بأنه «أزمة وطنية».

وحتى الآن لم يحدث ما يكفي من التحركات التي قامت بها حكومة ألبانيز إزاء هذا الوضع المخيف الذي تعيشه النساء في أستراليا، خصوصاً في ضوء التعليقات العامة من الحكومة ومن وزراء آخرين يدعون إلى «التغيير»، كما لو أن التحول الثقافي الهائل المطلوب يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، وكمثال على هذا ما قاله المدعي العام مارك دريفوس: «أعتقد أننا حددنا بالفعل مجموعة كاملة من الإجراءات التي يجب اتخاذها بالفعل، وعلينا أن نقوم بها بصورة جادة».

ويتمتع ألبانيز بالزخم الشعبي وحتى بعض الدعم الجاد من وسائل الإعلام الرئيسة في أستراليا، لإيجاد فرص واضحة الآن للوصول إلى التغييرات اللازمة للوفاء بوعد الحكومة المعلن بإنهاء العنف ضد المرأة في أسرع وقت ممكن.

ووُصف الوضع في أستراليا بأنه «أزمة» كما فعل ألبانيز صباح يوم الإثنين الماضي، معلناً أن العنف «يجب أن يتوقف»، وحتى عبارة «يجب على الرجال أن يتغيروا» ربما تذهب إلى أبعد مما فعلته الحكومة السابقة، لكن الكلمات لا معنى لها ما لم يتبعها حدوث تغيير وتمويل حقيقيين.

وبات معدل عنف الرجال ضد النساء يمثّل أكثر من أزمة، إذ إنها حقيقة أسترالية ولن تختفي دون تمويل جدي، وعمل واهتمام مستمر يتجاوز التصريحات بأن الحكومات و«الرجال» يجب أن يفعلوا ما هو أفضل.

والحقيقة الأسترالية هي أنه على الرغم من أننا شهدنا موجة من جرائم القتل البارزة في الأشهر الأخيرة، فإن عنف الذكور ضد المرأة ليس جديداً أو فريداً في عام 2024.

تناقص جرائم القتل خلال جائحة «كورونا»

تناقص معدل جرائم قتل النساء في أستراليا خلال جائحة «كورونا»، وهو ما حدث في بريطانيا وويلز، وفق ما قالت مديرة الأبحاث في معهد علم الجريمة الأسترالي سامنثا بريكنل. وقالت بريكنل «إذا نظرت إلى تفاصيل جريمة مقتل الزوجة، فإننا نرى أن السيدات ذات السمات القيادية في المجتمع، والنساء من غير السكان الأصليين أكثر عرضة للقتل على يد الشريك أو الزوج مقارنة بأي شخص آخر يعرفونه، أو ربما أي شخص غريب». وتكون أعداد النساء القياديات اللواتي تعرضن للقتل في المجتمع، مرتفعة بشكل خاص.

وقالت بريكنل: إن الارتفاع الأخير في عدد الجرائم ربما يكون نتيجة انتهاء جائحة «كورونا»، أو إشارة على وجود مشكلة عميقة ومتجذرة في المجتمع.

وخلال التظاهرات التي جرت في مدينة بريسبان الأسترالية كانت معظم الهتافات تقول: «لا نريد مزيداً من الكراهية». وقال الناشط الأسترالي دانيال ماكورماك إنه يستخدم الصوت الهادئ، لمخاطبة الرجال الذين يستخدمون لغة عشوائية لتأجيج كراهية النساء. وأضاف: وجدت تعليقات أخرى مثل «أنتم تعلمون أن الكراهية ليست جيدة»، أو «تستطيعون القيام بما هو أفضل».

خلال الأسبوع الماضي وحده، كان من بين حالات قتل النساء، أم عمرها 28 عاماً، يُعتقد أنها قُتلت على يد زوجها، الذي كان يواجه تهماً باغتصابها ومراقبتها وملاحقتها، ولكن تم الإفراج عنه بكفالة، وهناك أيضاً امرأة عمرها 49 عاماً، يُقال إنها قُتلت في منزلها.

تويتر