رؤية ليز تراس للعالم تستدعي الاهتمام

النزعة المحافظة الثورية تكتسب زخماً في الغرب

صورة

لقد كان من السهل السخرية من كتاب ليز تراس «عشر سنوات لإنقاذ الغرب»، وقد سخر نقاد، بالفعل، من جنون العظمة، والافتقار إلى الوعي الذاتي، اللذين أصابا رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، بإلقائها اللوم على الآخرين في الكوارث التي تعرّضت لها خلال فترة رئاستها القصيرة للوزراء. ولم يكن الأمر مفيداً عندما حملت تراس نسخة من كتابها رأساً على عقب على شاشة التلفزيون. وربما انضم معظم الناس إلى الفرحة، وحاولوا نسيان كل شيء، لكن بالنسبة للمحافظين من أمثالي، فهو بمثابة تذكير بالفترة الأكثر إحراجاً في التاريخ الحديث لحزبنا، وهي الفترة التي لايزال ثمنها الانتخابي باهظ الثمن.

لذلك قد يكون من المفاجئ أن أقول إن «هذا الكتاب يجب أن يؤخذ على محمل الجد ليس لأن تراس على وشك العودة إلى السلطة، أو لأنها عبارة عن دراسة عميقة لكيفية عمل السياسة، أو لأن مقترحاتها تستحق الدعم»، لم أغيّر رأيي، باعتباري منتقداً لكيفية إدارة الحكومة خلال تلك الأيام الـ49 سيئة السمعة، لكنني أعتقد أن الأفكار التي تعبّر عنها رئيسة الوزراء السابقة، أصبحت العملة المشتركة للعديد من الأشخاص على اليمين، في هذا البلد وفي الخارج.

إنها تخبرنا بالكثير عن الصراع حول مستقبل التيار المحافظ، وهو صراع يدور بالفعل في جميع أنحاء العالم، وسيصبح مُلحاً ومكثفاً في بريطانيا إذا تحول حزب المحافظين إلى المعارضة بعد الانتخابات المقبلة.

وترى تراس أن العديد من المؤسسات الحكومية «استولت عليها الأيديولوجية اليسارية» أو أصبحت قوية بشكل مفرط، وتتماسك معاً في «دولة عميقة» تحبط القادة المنتخبين. وجوابها هو إلغاء عدد كبير منها: إلغاء مكتب المسؤولية عن الميزانية، وإضعاف بنك إنجلترا، وإلغاء المحكمة العليا، والتخلي عن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وعلى المستوى الدولي، سننسحب من مفاوضات المناخ في مؤتمرات القمة مع السعي إلى إلغاء الأمم المتحدة. والحكومة المنتخبة، وإن كانت منتخبة من قبل عدد صغير جداً من الناس في حالتها الخاصة، سوف تتحرر من كل هذه الاتفاقيات والقيود.

قبل أن نرفض مثل هذه الأفكار، ونعدّ أنها تمثّل صخباً صادراً عن زعيم سابق محبط للغاية، يتعين علينا أن نلاحظ أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين هذه الأفكار والسياسات التي ينتهجها القادة الأكثر نجاحاً في الخارج. وفي أميركا، أصبح الجمهوريون خاضعين إلى حد كبير لأجندة دونالد ترامب التي تتضمن «تفكيك الدولة العميقة»، وطرد موظفي الخدمة المدنية بأمر رئاسي، وإقالة المدعين العامين «الماركسيين».

وفي إسرائيل، وحتى هجمات 7 أكتوبر، كان بنيامين نتنياهو يسعى إلى الحصول على سلطة تجاوز قرارات المحكمة العليا. وفي بعض الدول الأوروبية، خصوصاً المجر وبولندا، قامت الأحزاب اليمينية بشكل منهجي بإزالة القيود القضائية المفروضة على السلطة التنفيذية.

نسخة ثورية ناشئة

إن محاولات التمييز بين «يمين الوسط» و«اليمين المتطرف» لا تستوعب حقاً هذا التحول الكبير في طبيعة المحافظة.

إن بعض الأحزاب والزعماء الذين يعدّون أنفسهم من المحافظين، تحولوا فعلياً إلى ثوريين، وقد أصابهم الإحباط الشديد إزاء العقبات التي يواجهونها إلى الحد الذي دفعهم إلى الدعوة إلى إطاحة المؤسسات التي بناها أسلافهم أو إضعافها. وحتى في بريطانيا، مع صعود الإصلاح في المملكة المتحدة، ومغازلة بعض المحافظين لليميني نايجل فاراج ووجود آخرين ينظرون بشكوك إلى المستقبل، فإن ثورة اليمين ضد الدولة تكتسب زخماً، يغذيها سخط الناخبين بشأن العديد من القضايا، من الهجرة إلى الفقر مروراً بالنمو الاقتصادي.

إن هناك ثلاث مشكلات خطرة للغاية تعيب هذه النسخة الثورية الناشئة من التيار المحافظ، المشكلة الأولى والواضح إلى حد ما هو أنها ليست في الواقع محافظة بأي طريقة، ومن غير الممكن أن يفهمها القادة المحافظون السابقون. وكان رونالد ريغان سيشعر بالفزع من عداء ترامب للمحاكم ووكالات الاستخبارات والمسؤولين الذين يدعمون الانتخابات الديمقراطية. لقد قادت مارغريت تاتشر تغييراً اقتصادياً جذرياً في حين أعطت قيمة هائلة للخبرة والمؤسسات القوية.

وحتى عندما يسعون إلى إنشاء دولة أصغر، فقد أظهر الزعماء المحافظون احترامهم للموظفين العموميين وسيادة القانون. وقد أدركوا دائماً أن توزيع السلطة، يشكل أهمية بالغة لمنع الحكومات المستقبلية من الاندفاع فجأة في اتجاه غير مستنير، على الرغم من أن هذا الاتجاه كان حتى الآن اتجاهاً يسارياً. وإذا شرع المحافظون في تدمير الاحترام للمحاكم وكبار المسؤولين والهيئات الحكومية، فإنهم يفتحون الطريق أمام خصومهم السياسيين ليفعلوا الشيء نفسه.

والمشكلة الثانية هي أن مثل هذه الحلول الشاملة، التي تلغي تقريباً أي شيء قد يعترض الطريق، تصرف الانتباه عن المهمة المتمثلة في إصلاح وتحسين تلك الأجزاء من الحكومة التي لا تعمل بشكل جيد. ومثل العديد من الأشخاص الذين يفكرون كثيراً، تبدأ تراس بحقائق مهمة. وهي محقة في انتقاد بنك إنجلترا، بسبب سجله في ما يتعلق بالتضخم، ومكتب مسؤولية الميزانية بسبب أدائه. وهذا يعني بالتأكيد أنهم بحاجة إلى التحسين. وهذا لا يعني أن الدولة، التي تعاني ديوناً متزايدة الارتفاع، يمكنها الاستغناء عن مؤسسات مستقلة من هذا النوع، توفر الطمأنينة الحيوية لأي شخص يقرضنا أمواله.

إحباطات عميقة

صحيح أن خدمتنا المدنية تحتاج إلى إصلاح واسع النطاق، مع مزيد من الخبرة العلمية، وقدر أعظم من المُساءلة، وتعيين خبراء حقيقيين لفترات طويلة، للإشراف على المشاريع الكبرى، ولكن لايزال لدينا العديد من المسؤولين الممتازين الذين لا يمكن تجاهل معرفتهم.

يمكن تحسين الطريقة التي تعمل بها الحكومة بشكل كبير، لكن تشويهها وتحطيمها يشبه حرق منزلك في كل مرة يحتاج إلى التجديد.

المشكلة الثالثة، والأهم، هي في محاولة النسخة الثورية من التيار المحافظ تفسير الإحباطات العميقة التي يشعر بها الناخبون والإخفاقات في الحكومة من خلال إلقاء اللوم على مؤامرة، أو «ائتلاف مناهض للنمو» غير موجود.

إن مشكلات المملكة المتحدة لا تنجم عن وجود دولة عميقة سرية، بل عن الافتقار العلني إلى الاستثمار والمهارات اللازمة للمنافسة. إن حلول تلك المشكلات شاقة ومعقدة، وليست فورية أو بسيطة.

أحد الأمور الحيوية لتحقيق الرخاء المستقبلي هو جذب الشركات والأشخاص ذوي المهارات العالية الذين يقفون وراء التقنيات الجديدة في الرعاية الصحية والتصنيع والذكاء الاصطناعي. وسيتعين على الناس أن يعرفوا أن لدينا هيئات تنظيمية سريعة الحركة إلى جانب نظام ضريبي مؤيد للأعمال التجارية. ولكنهم يريدون أيضاً أن يكونوا في بلد يتمتع باستقرار سياسي، حيث المحاكم مستقلة إلى حد كبير، وحيث الخبرة موضع تقدير، والسلطة منتشرة بالقدر الكافي، بحيث لا تتمكن أي مجموعة من الوزراء فجأة من محاولة الانفصال عن الواقع.

• مشكلات المملكة المتحدة لا تنجم عن وجود دولة عميقة سرية، بل عن الافتقار العلني إلى الاستثمار والمهارات اللازمة للمنافسة.

وليام هيغ - وزير الخارجية البريطاني السابق

تويتر