خططها العالمية تتطلب أموالاً لا يملكها أحد

عقبات تحول دون تحقيق مشروعات أوروبا الطموحة

صورة

أوروبا الخضراء القادرة على المنافسة ستحتاج إلى استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات، ولا أحد لديه إجابة جيدة حول مصدر هذه الأموال، وفي غضون ذلك يسير زعماء الاتحاد الأوروبي بخطى متغطرسة، حتى بمعاييرهم.

ويستطيع الاتحاد الأوروبي أن يظل ذا أهمية في عالم تتجدد فيه سياسات القوى الكبرى، ولن تغرق أوروبا في بحر الأموال العامة التي تنفقها الولايات المتحدة والصين على الصناعات المستقبلية، ويمكنه حشد القوة العسكرية، ومنع وقوع كارثة مناخية، كما يمكن للاتحاد تنمية الاقتصاد الأخضر.

إنه تعهد واحد، ولابد من توفير الأموال اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وفي المقابل، يعلم زعماء الاتحاد الأوروبي يقيناً أن الأمر ليس بهذه السهولة.

وخلال الأسبوع المقبل، سيبني زعماء الاتحاد الأوروبي الـ27 على هذه الأهداف النبيلة في بروكسل، ويعلنون عن «صفقة» جديدة لإبقاء أوروبا ذات أهمية اقتصادية، ومكافحة تغير المناخ، وبناء الطاقة النظيفة والصناعات الرقمية لمنافسة الصين والولايات المتحدة والهند.

وتنطوي الرؤية على تطلعات جريئة، وإن كانت غامضة، لزيادة توحيد اقتصادات الاتحاد الأوروبي وبنيته التحتية وسلطاته المالية، حتى يتمكن من المنافسة على الساحة العالمية. ويتم تسويق ذلك باعتباره علاجاً ضرورياً لكل العلل التي تعاني منها أوروبا.

ومع ذلك، فإن السؤال الذي يخيم على قمة بروكسل - والذي لا يملك أحد إجابة عليه - هو كيف ستدفع أوروبا ثمن كل هذه الطموحات؟ وتقاوم التهديدات العديدة التي ترى أنها تزدحم على أبوابها.

إن أوروبا الخضراء القادرة على المنافسة ستتطلب استثمار تريليونات من اليورو على مدى عقود من الزمن، وستكون هناك حاجة إلى أموال عامة لجذب رأس المال الخاص، وفقاً لمسودة نتائج القمة، التي اطلعت عليها «بوليتيكو»، ولكن عواصم الاتحاد الأوروبي تخشى منح بروكسل المزيد من الأموال، أو تحمل ديون إضافية، أو فرض ضرائب أوروبية جديدة على الناس.

وكشفت مراجعة منتصف المدة الأخيرة التي أجراها الاتحاد الأوروبي لميزانيته أن الكتلة النقدية تنفد بعد مواجهة جائحة عالمية، وحرب على أعتابها، وتكاليف طاقة مرتفعة هيكلياً، وتقلص الوزن الاقتصادي على مستوى العالم. علاوة على ذلك، من الممكن أن يبدأ عدد سكان الاتحاد الأوروبي في الانخفاض خلال هذا العقد، وهو ما من شأنه أن يجر الاقتصاد معه إلى الأسفل، وهذا مزيج من شأنه أن يهدد حتماً خطط أوروبا الكبرى.

المثلث المستحيل

قال رئيس الوزراء الإيطالي السابق، إنريكو ليتا، لمجلة «بوليتيكو»، قبل اجتماعه مع الزعماء لتقديم تقرير حول القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، إن «الخطر الكبير هو أننا لن يكون لدينا ما يكفي من المال على الإطلاق للتحول الأخضر». وأشار إلى أنه لم يكن هناك سوى القليل من البنود الخاصة بالصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، بعد انتهاء حزمة التعافي من الوباء بقيمة 732 مليار يورو خلال عامين.

تلك الصفقة الخضراء، التي كانت أولوية الإنفاق المركزي للكتلة خلال معظم السنوات الأربع الماضية، تتنافس الآن على الاهتمام والأموال.

وتحتاج أوكرانيا بشدة إلى مزيد من الدعم المالي والعسكري من حلفائها الغربيين، حيث تواجه صعوبات في ساحة المعركة. ومع بقاء حزمة المساعدات الأميركية عالقة في الكونغرس الأميركي، ومع تعريض الضمانات الأمنية الأميركية للخطر مرة أخرى من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، أصبحت الضغوط على الاتحاد الأوروبي متزايدة لحمله على تكثيف جهوده الدفاعية.

لكن المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي في بروكسل، تقدر أيضاً أنه بحلول عام 2030، ستحتاج أوروبا إلى أكثر من 1.5 تريليون يورو سنوياً فقط لإزالة انبعاثات الوقود الأحفوري من أنظمة الطاقة والنقل لديها.

وحتى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تسعى إلى إيجاد مصادر جديدة للإيرادات لسد ثغرات الميزانية.

وقال سيمون تاجليابيترا، وهو زميل بارز في مركز «بروجيل» للأبحاث في بروكسل والمتخصص في سياسات الطاقة والمناخ: «أوروبا على وشك مواجهة نوع من المثلث المستحيل»، موضحاً: «من ناحية، نريد تسريع التحول الأخضر، وأن نكون قادرين على المنافسة أثناء القيام بذلك، ومن ناحية أخرى، نريد زيادة الإنفاق الدفاعي، ومن ناحية ثالثة، نريد أن نكون محافظين مالياً».

مصالح متنافسة

وفي غضون ذلك، يتساءل المبعوثون الوطنيون إلى مقر الاتحاد الأوروبي بروكسل بالفعل عن مقدار ما يمكنهم اقتطاعه من الصفقة الخضراء لبناء الجيش الأوروبي. وقال دبلوماسي من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، الذي مثل الآخرين في اجتماع خاص من أجل مناقشة القضايا الحساسة سياسياً، فضّل عدم الكشف عن هويته: «بطريقة ما، سيكون الدفاع والاتفاق الأخضر بمثابة مصالح متنافسة على المال العام».

وتم تقليص صندوق «التقنيات الاستراتيجية»، الذي كان من المفترض في الأصل أن يكون محركاً للابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة، من 10 مليارات يورو إلى 1.5 مليار يورو فقط، وبعد ذلك خصص زعماء الاتحاد الأوروبي الأموال المتبقية للإنفاق الدفاعي على أية حال.

وفي الأسبوع الماضي، أخبر بنك الاستثمار الأوروبي وزراء المالية أيضاً أنه سيزيد ويسرع قروضه لمشروعات الدفاع. وأصرت رئيسة البنك، ناديا كالفينيو، على أن أولويات البنك المتعلقة بالمناخ لن تتأثر نتيجة لذلك.

وقال الدبلوماسي إن «الاتحاد الأوروبي سيحتاج على الأرجح إلى اقتراض أموال للدفاع، لأن هذا أمر بالغ الأهمية، ولكن بالنسبة للإنفاق المناخي نأمل أن نتمكن من الحصول على أموال من السوق، وألا يكون من الضروري أن يكون هناك الكثير من المال العام».

ووصل رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتيه بيرول، إلى بروكسل يوم الثلاثاء، ليصب الماء البارد على تلك الآمال. وقال في خطاب ألقاه في كلية أوروبا: «لا يمكننا أن نترك كل شيء للأسواق».

وسط ضغوط مالية عامة، وقلة الشهية لمزيد من الديون المشتركة التي يجمعها الاتحاد الأوروبي ككل، أو صندوق تعافٍ جديد على غرار الجائحة، جادل خبراء بأن ركيزة الأموال الخاصة فقط هي التي يمكن أن تقنع الدول الأقوى اقتصاداً في الكتلة بدعم الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع، وتعتقد فرنسا أن لديها الجواب.

استخدام المدخرات

وتسعى باريس وعواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى إلى إحياء ما يسمى باتحاد أسواق رأس المال، وهي خطة المفوضية الأوروبية التي مضى عليها 10 سنوات لاستخدام المدخرات الأوروبية لتعزيز الاستثمارات الخاصة في جميع أنحاء الكتلة. لقد كافحت الفكرة لكسب القبول، لكنها مستمرة في الظهور.

وقال مسؤول في الإليزيه، فضّل عدم الكشف عن اسمه: «ستكون لدينا مناقشة حول زيادة الاستثمار العام، ولكن الفكرة تتمثل أيضاً في التفكير بشكل معقول»، مشيراً إلى أن التمويل الخاص يجب أن يكون على نحو متزايد مصدر التمويل الثانوي للخطط الخضراء للاتحاد الأوروبي.

لكن الدول الصغيرة ذات الأسواق المالية الكبيرة، مثل هولندا ولوكسمبورغ وإيرلندا، تشعر بالقلق من أن الخطة ستعني هيمنة باريس وبرلين، وفقاً لدبلوماسيين أوروبيين آخرين. واعترف دبلوماسيون ومسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي بأن الاجتماع المقبل ليس سوى خطوة أولى في مناقشة أطول حول كيفية تمويل التحديات التي تنتظر الكتلة، ولكن الشعور بالحاجة الملحة إلى منع اقتصاد أوروبا من الغرق أصبح حاداً على نحو متزايد.

وقال دبلوماسي كبير آخر في الاتحاد الأوروبي: «إنها تشبه إلى حد ما سفينة تايتانيك»، متابعاً: «السفينة تغرق، ونحن نتقاتل حول من سيكون على الدرجة الأولى، ومن سيكون على الدرجة الثانية. ربما ينبغي لنا أن نتجنب غرق السفينة تماماً». عن «بوليتيكو»

. تقدر المفوضية الأوروبية أنه بحلول عام 2030 ، ستحتاج إلى أكثر من 1.5 تريليون يورو سنوياً لإزالة انبعاثات الوقود الأحفوري.

تويتر