المصالح الاستراتيجية تغلبت على الماضي المرير

العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية تزدهر بثبات

صورة

منذ تولى يون سوك يول، الرئاسة في كوريا الجنوبية، في عام 2022، ازدهرت العلاقات بين سيؤول وطوكيو والولايات المتحدة. والسؤال هو ما إذا كانت الأوقات الجيدة يمكن أن تستمر. إن إرث الاستعمار الياباني لكوريا بين عامي 1910 و1945 يطارد الرومانسية الناشئة. والتغيرات السياسية في كلا البلدين، هذا العام، يمكن أن تسهم في إعاقة تطورها. وكان رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، قد فكر في القيام بزيارة إلى كوريا الجنوبية هذا الأسبوع للقاء يون (ولمشاهدة أوهتاني شوهي، نجم البيسبول الياباني، وهو يلعب في سيؤول)، لكن الانتخابات البرلمانية التي تلوح في الأفق في كوريا الجنوبية، والفضيحة المالية المستمرة في اليابان، جعلا هذا الأمر صعباً. إن كيفية تطور العلاقة ستكون ذات آثار كبيرة على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

بدأ التقارب بعد انتخاب يون، إذ إنه في عهد سلفه مون جاي إن، توترت العلاقات وسط تبادل الاتهامات بشأن الفظائع التي ارتكبتها اليابان في الماضي، وتمثل مصدر القلق بشكل خاص في القرارين اللذين اتخذتهما المحكمة العليا في كوريا الجنوبية عام 2018، حيث أمرت الشركات اليابانية بتعويض الكوريين الذين أُجبروا على العمل في مصانعهم في زمن الحرب، فضلاً عن أقاربهم الباقين على قيد الحياة، وتعد اليابان أن الأمر قد تمت تسويته بموجب معاهدة موقعة ودفعات في عام 1965. ومع اقتراب تصفية الأصول اليابانية، أنشأ يون مؤسسة لتعويض المُدعين، باستخدام أموال من الشركات الكورية الجنوبية التي استفادت من تطبيع العلاقات، ولم تكن الخطة تحظى بشعبية لدى الجمهور، لكن يون استمر.

سافر الرئيس الكوري إلى طوكيو في 16 مارس من العام الماضي، وهي أول زيارة رسمية بين البلدين منذ أكثر من عقد من الزمن، كما توجه كيشيدا إلى سيؤول بعد شهرين، وأدى واجب العزاء في المقبرة الوطنية، حيث دُفن مقاتلو الاستقلال الكوريون. وعقد الزعيمان خمس قمم أخرى منذ ذلك الحين، بما في ذلك الاجتماع التاريخي مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في كامب ديفيد الصيف الماضي، وقد تعمّق التعاون الأمني. وأجرت الدول الثلاث مناورات مشتركة واسعة النطاق في البحر والجو. وعندما تطلق كوريا الشمالية صواريخ، فإن الدول الثلاث، الآن، تتبادل البيانات في الوقت الحقيقي.

انتعش النشاط التجاري والتبادلات التجارية، ففي الصيف الماضي، أُعيدت كوريا الجنوبية إلى «القائمة البيضاء» لليابان، التي تعمل على تسريع الصادرات، بعد أن تم رفعها منها في عام 2019، وفي ديسمبر، أبرمت الدولتان اتفاق مبادلة العملة، بعد نحو ثماني سنوات من انتهاء صلاحية آخر اتفاق بينهما. ويبدي قادة الأعمال في كلا البلدين ملاحظات متفائلة.

تغير الرأي العام

يبدو أن الرأي العام يتغير، على الأقل مقارنة بالعداء خلال إدارة مون. وفي استطلاع مشترك أجراه «جينرون»، وهو مركز أبحاث ياباني، ومعهد شرق آسيا «إي أيه أي»، وهو معهد كوري جنوبي، في أواخر عام 2023، كان لدى 37% من اليابانيين آراء إيجابية تجاه كوريا الجنوبية، ارتفاعاً من 26% في عام 2020. وانخفضت نسبة أصحاب الآراء السلبية من 46% إلى 33% خلال نفس الفترة، ولأول مرة منذ بدء الاستطلاع في عام 2013، كان عدد اليابانيين الذين لديهم آراء إيجابية تجاه كوريا الجنوبية أكبر من أولئك الذين لديهم آراء سلبية. ومن بين المشاركين في كوريا الجنوبية، انخفضت نسبة أولئك الذين لديهم آراء سلبية تجاه اليابان، من 72% في عام 2020 إلى 53% في العام الماضي، وأبدى 29% وجهة نظر إيجابية، ارتفاعاً من 12% في عام 2020.

ويشعر اليابانيون بالقلق من أن خليفة يون قد يقلب سياساته، مثلما فعل مون مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2015 لتسوية القضايا المتعلقة بـ«نساء المتعة»، حيث أُجبرت الكوريات وغيرهن على العمل في بيوت الدعارة لمصلحة الجنود اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. وتمت الإشارة إلى هذه القضية بشكل أقل حدة، في الآونة الأخيرة. وتفتقر المؤسسة التي كلفها يون بتسوية قضايا العمل القسري إلى التمويل، وتواجه تحدياتها الخاصة في المحكمة. ويقول المحامي وسفير كوريا الجنوبية السابق لدى اليابان، شين كاك سو، إنه ربما لا تزال هناك عقبات كبيرة في الطريق النهائي إلى النهاية.

ويهدد التغيير السياسي الداخلي، أيضاً، بإخراج العلاقة عن مسارها الصحيح. وسوف تتضاءل سيطرة يون على حزبه مع اقتراب نهاية فترة ولايته، في عام 2027 (يقتصر زعماء كوريا الجنوبية على فترة ولاية واحدة في المنصب). وربما يزداد الأمر سوءاً في وقت أقرب إذا فشل حزبه في استعادة الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في أبريل. ومن المؤكد أن معارضيه، الذين يستمتعون بإثارة المشاعر المناهضة لليابان، سوف ينتقدون سياسته في كلتا الحالتين.

إن موقف كيشيدا في الداخل هش، فقد لا يتمكن من النجاة من انتخابات قيادة الحزب الحاكم في اليابان في سبتمبر. وقد يثبت خليفته أنه أكثر حذراً بشأن المخاطرة بالعلاقات مع كوريا الجنوبية، وإذا تم انتخاب دونالد ترامب رئيساً في أميركا في نوفمبر، فمن غير المرجح أن يضغط على حليفيه للتوافق.

هناك قوتان هيكليتان أكبر تعملان أيضاً، الأولى هو تغير الأجيال، وفي حين أن النضال ضد الاستعمار الياباني لايزال إحدى ركائز الهوية الكورية الجنوبية، فإن التاريخ المرير يولد عاطفة أقل بين شباب اليوم، الذين لا يتعلمون عنه إلا من خلال الكتب المدرسية، كما يقول ليم إيون جونغ، من جامعة كونغجو الوطنية.

رسالة مفقودة

ويشير أحدث استطلاع أجرته مؤسسة «إي أيه أي» إلى أن العمر يعد من بين أهم المتغيرات التي تؤثر في وجهات نظر الكوريين الجنوبيين الإيجابية تجاه اليابان. والفيلم الأعلى تقييماً في كوريا الجنوبية هذه الأيام هو «إكسهوما»، وهو فيلم رعب خارق للطبيعة، يحمل في طياته إيحاءات معادية لليابان، وهي الرسالة المفقودة لدى العديد من المشاهدين الشباب. ويقول كيم دو هون، وهو شاب يبلغ من العمر (23 عاماً): «لم أفكر حتى في المشاعر المعادية لليابان»، متابعاً: «دمي لا يغلي من الغضب».

والثاني هو التغيير الجيوسياسي. وفي مواجهة الصين الحازمة، وكوريا الشمالية المهددة، وروسيا المخلة بالنظام، فإن الديمقراطيتين في شرق آسيا لديهما حوافز استراتيجية متزايدة للتوافق، ويساعد القيام بذلك أيضاً على تعزيز تحالفات البلدين مع أميركا. وحتى في دوائر المعارضة في كوريا الجنوبية، فإن «الموقف تجاه اليابان يتغير شيئاً فشيئاً، والسبب الرئيس هو البيئة الاستراتيجية»، كما يقول وي سونج لاك، الدبلوماسي السابق ومستشار السياسيين التقدميين.

وبينما تتطلع الحكومتان إلى العام المقبل، الذي سيصادف الذكرى الـ60 لعلاقاتهما الرسمية، فإن «نطاق وعمق تعاونهما أوسع من أي وقت مضى»، كما يقول مسؤول ياباني كبير، وستكون هذه مناسبة للبلدين لتجديد عهودهما.

• توترت العلاقات وسط تبادل الاتهامات بشأن الفظائع التي ارتكبتها اليابان في الماضي.

• يهدد التغيير السياسي الداخلي، أيضاً، بإخراج العلاقة عن مسارها الصحيح.

تويتر