تعمل على علاجهن نفسياً

مدرسة تساعد فتيات نيجيريات على الشفاء بعد خطفهن من قبل «بوكو حرام»

صورة

أكثر ما تتذكره بينتا عثمان بشأن أيامها الأولى في مدرسة «لافيا سراري» للبنات في مدينة ميدوغوري، عاصمة ولاية بورنو النيجرية، هو الدموع والبكاء المتكرر، ما منعها من التركيز على دروسها الصفية. وهي تقول: «كنا نجلس جميعاً في الصف، ونستمر في البكاء».

وكما هي الحال لدى بينتا، التي قُتل والدها، ووقعت عائلتها أسيرة لدى ميليشيا «بوكو حرام»، فقد شهدت نحو 100 امرأة وفتاة في المدرسة إما مقتل أحد الوالدين أو تم اختطافهن أنفسهن على يد الميليشيا.

وتتذكر الطالبة حسنا البالغة من العمر (17 عاماً)، كيف تم إجبارها على الانضمام إلى الميليشيا، وحمل السلاح، وتنفيذ أعمال عنف وهي تقول: «لقد شربنا الدم».

واستهدفت «بوكو حرام» المدارس كجزء من حملتها خلال الأعمال الوحشية التي قامت بها في شمال شرق نيجيريا منذ عام 2010. فقد قامت بمجازر وأعمال خطف عدة، بما فيها قتل 59 طالب مدرسة عام 2014، واختطاف 276 طالبة في بلدة تشيبوك، التابعة لولاية بورنو عام 2014، و101 فتاة في بلدة دبشي، التابعة لولاية يوب عام 2018.

واستناداً إلى الأمم المتحدة، ففي الفترة بين 2013 و2018 قامت «بوكو حرام» باختطاف ألف طفل، واستخدمتهم كمقاتلين، أو خدم أو قامت باستخدامهم لأغراض جنسية. وأشارت تقديرات منظمة العفو الدولية إلى أنه تم اختطاف 1436 تلميذ مدرسة، و17 معلماً في الفترة بين ديسمبر 2020 وأكتوبر 2021.

وتم إنشاء مدرسة «لافيا سراري»، رداً على أعمال إرهابية قامت بها «بوكو حرام».، وقد أُنشئت في عام 2017 من قبل منظمة خيرية نيجيرية، يُطلق عليها (نعيم)، وتم إنشاء هذه المنظمة الخيرية أساساً لمساعدة المجتمعات التي تأثرت بأعمال العنف التي قامت بها ميليشيا «بوكو حرام»، وتم تصميم المدرسة، بحيث توفر الدعم والتعليم للضحايا الذين عانوا الخطف وتوابعه.

وقالت الدكتورة فاطمة أكيلو، أخصائية التحليل النفسي التي ساعدت على إنشاء المنظمة الخيرية: «إن المدرسة لا تعد برنامجاً لغرض محدد»، وأضافت: «هناك من يعاني اضطرابات ما بعد الصدمة، الناجمة عن التعرض لأعمال العنف والإرهاب، مثل القلق وغيره. واعتدنا على استخدام أخصائي نفسي خلال الأيام الأولى، لكن الآن هناك مستشار يقيم لدينا؛ إذ إنه بات يعرف الفتيات، ويبقى معهن طيلة الوقت».

فجوات في تعليم الأطفال

في البداية، كانت أكيلو تتصور مدرسة «لافيا سراري» كنموذج، حيث يتلقى الأطفال الضحايا، والجناة، والقوات الأمنية التعليم معاً، لكن الصراع كان بمنزلة عقبة في وجه التعليم، ما أدى إلى وجود فجوة في تعليم الأطفال، الذين كانوا يدرسون مع كبار السن، ولا يتناسب ما يتلقونه مع دروس المدارس الابتدائية التقليدية. وقالت بينتا عثمان التي سجلت في هذه المدرسة عندما كانت في الـ12 من عمرها: «لم أكن أعرف الحروف الأبجدية الإنجليزية عندما جئت إلى هذه المدرسة».

وتطلبت عملية الاختيار إجراء مقابلات مع الفتيات اللواتي تراوح أعمارهن بين 11 و14 عاماً في مجتمعات المهجرين، وفي مخيمات اللاجئين. وقالت فاطمة أكيلو: «اخترنا الفتيات العنيدات، اللواتي من الممكن أن يستفدن من التعليم، وبالطبع فإن هذا المشروع سيكون طويل الأمد»، وأضافت: «كان عدد قليل من الفتيات قد خرجن من الأسر في ذلك الوقت، لذا فإنهن كن في حالة سيئة، وبحاجة إلى الدعم والعلاج الذي يتم تقديمه بعد الصدمة، وكان هذا أحد المعايير، لأننا يمكن أن نقدم لهن معالجة طويلة الأمد».

وجاء التمويل لهذا البرنامج التجريبي لـ100 فتاة من منحة قدمتها مؤسسة «كاتينا» من الولايات المتحدة. وفي البداية، كانت الطالبات يتعلمن مع بعضهن، لكن مع تقدمهن في التعليم، حققت بعضهن النجاح من خلال الإنجاز الأكاديمي، وتمكنت 30 طالبة منهن من النجاح في الامتحانات الوطنية، وهن الآن على استعداد لدخول الجامعة في العام المقبل.

وهذا تحول كبير للغاية؛ إذ لدى وصولهن كن يشعرن بحالة من الخوف وانعدام الثقة، لكن نجحن بفضل مكافحتهن في التأقلم وتشكيل صداقات مع بقية الطالبات، وفي الأغلب كُن يلجأن إلى العنف عند انزعاجهن لأبسط الأسباب. وقال نائب مدير المدرسة يعقوب غواديدا: «إنهن يعرفن فقط كيف يقاتلن»، وأضاف: «لم يكن يعرفن كيفية التأقلم مع الآخرين بصورة سلمية، أو حتى كيف يقفن في الطابور».

وكانت الفتيات اللواتي وقعن ضحية لـ«بوكو حرام» مثل حسنا، يستخدمن أسلوب ترهيب قريناتهن بالتهديد بالعنف. وقالت مستشارة المدرسة حواء عبدالله زيفادا: «تم إخضاعهن لجلسات ليصبحن أكثر انسجاماً اجتماعياً، وللتأقلم، والمرونة، والعلاج التعبيري» وأضافت: «لم يتمكن بعضهن من التحدث عن تجاربهن، لكننا تمكنا من سماع قصصهن من خلال الرسومات والموسيقى».

الرغبة في الانتقام

وكان أحد الأهداف الرئيسة لـ«زيفادا» هو التغلب على عقيدة «بوكو حرام» ضد التعليم. ووجدت الفرصة عندما تحدثت فتيات عدة عن رغبتهن في الانتقام ضد أولئك الذين قتلوا آبائهن أو استغلوهن. وقالت زيفادا: «أخبرتهن أنه لا يتعين عليهن أن يصبحن في الجيش أو يحملن السلاح من أجل الانتقام. وإنما التعليم يمكن أن يكون انتقامهن من (بوكو حرام)»

ووجدت الطالبة فاطمة محمد طلبا، (20 عاماً)، أن العلاج اليومي في المدرسة مفيد للغاية، لدرجة أنها بدأت تحضر الجلسات مع شقيقيها، اللذين يدرسان في مدرسة حكومية. وساعدتهما في التغلب على الصدمة التي تعرضوا لها بصورة جماعية، بعد مشاهدتهم مقتل والدهم على يد «بوكو حرام» ومن ثم تعرضهم للخطف مع أمهم. وقالت طلبا: «عندما بدأت في الجلسات كنت أرى الاختصاصية وجهاً لوجه بصورة يومية لمدة ستة أشهر، وفي بعض الأحيان، كنت أهرب من الصف، لكن الحديث مع الاختصاصية ساعدني كثيراً»، وأضافت أنها تستطيع الآن مع شقيقيها الحديث بصراحة عن والدهم من دون أن يذرفوا الدموع أو يشعروا بالغضب. وتابعت: «الآن نتذكر أشياء عندما كنا مع والدنا ونضحك».وظهر تقدم ملحوظ على حسنا على الصعيد النفسي، رغم أن تقدمها على الصعيد الأكاديمي كان أبطأ من بقية الطالبات. ولاتزال تعتمد على مترجم، كي تعبر عن نفسها باللغة الإنجليزية. وهي تقول: «كان أقربائي يشعرون بالقلق من تصرفاتي عندما أتصرف على نحو غير طبيعي، ويبدأون بقراءة آيات من القران لي، لكن ذلك انتهى الآن، كذلك الكوابيس انتهت أيضاً»

وبعد سبع سنوات على إنشاء مدرسة «لافيا سراري»، لاتزال زيفادا تحضر جلسات يومية مع طالباتها. وهي تقول: «لا يتوجب عليَّ الاعتناء بهن الآن، لأنهن يأتين إليَّ إذا كانت لديهن أي مشكلات، ومعظم القضايا الآن هي من المحيط، مثل تأثيرات مجموعات الأقران، وقضايا عائلية»

وبالنسبة إلى بينا عثمان، فقد توقفت الآن عن البكاء، وهي تبتسم ابتسامة واسعة عندما تتحدث عن طموحاتها في الفوز بمنحة لدراسة القانون في جامعة كامبردج. وهي تقول: «سمعت أنها جامعة جيدة».

• كانت الفتيات اللواتي وقعن ضحية لـ«بوكو حرام»، يستخدمن أسلوب ترهيب قريناتهن بالتهديد بالعنف. وقالت مستشارة المدرسة حواء عبدالله زيفادا: «تم إخضاعهن لجلسات ليصبحن أكثر انسجاماً اجتماعياً، وللتأقلم، والمرونة، والعلاج التعبيري» وأضافت: «لم يتمكن بعضهن من التحدث عن تجاربهن، لكننا تمكنا من سماع قصصهن من خلال الرسومات والموسيقى».


«بوكو حرام» استخدمت الأطفال كمقاتلين

قال مسؤولون وخبراء نيجيريون: إن «ميليشيا (بوكو حرام) قامت بتجنيد الأطفال، واستخدامهم مقاتلين في ساحات القتال عبر نيجيريا ومناطق أخرى، وبالنظر إلى الخسائر الكبرى التي مُنيت بها هذه الميليشيا خلال الحروب الطويلة مع نيجيريا، فقد لجأت إلى استخدام الأطفال الذين قامت باختطافهم، إضافة إلى آخرين تقوم بتجنيدهم عن طريق تقديم الإغراءات، كمقاتلين في صفوفها».

وقال مسؤولون من القوات المتعددة الجنسيات التي تشارك في محاربة «بوكو حرام» وتقدم العون لنيجيريا «تتمثل إحدى استراتيجيات هذه الميليشيا في تجنيد الأطفال، واستخدامهم مقاتلين في صفوفها». وقال الكولونيل تيموثي أنتيجا المتحدث باسم القوات المتعددة الجنسيات: «جاءت هذه المعلومات الخاصة بهذا التطور المثير للقلق، والمتمثل في تجنيد الأطفال واستخدامهم مقاتلين، من مصادر استخباراتية بشرية، وأكدها أفراد وجماعات من المعنيين بمحاربة هذه الميليشيا».

وقالت منظمة العفو الدولية «لقد هاجمت (بوكو حرام) المدارس مراراً وتكراراً، واختطفت أعداداً كبيرة من الأطفال، لتجنيدهم مقاتلين في صفوفها».

وقال مسؤول عسكري نيجيري إن «(بوكو حرام) تستخدم وسائل غير إنسانية منذ أن بدأت تمردها قبل عقد من الزمن».

• هاجمت «بوكو حرام» المدارس مراراً وتكراراً واختطفت الأطفال لتجنيدهم.

أطفال ضمن صفوف مقاتلي «بوكو حرام». أرشيفية


الصراع بين «بوكو حرام» والحكومة النيجيرية

منذ عام 2009، أدى تمرد «بوكو حرام» والرد العسكري من قبل الحكومة النيجيرية إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين في جميع أنحاء منطقة بحيرة تشاد، التي تمتد بين الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا.

وعلى الرغم من أن الحملات العسكرية الكبرى في الفترة من 2015 إلى 2016 نجحت في إضعاف سيطرة هذه الميليشيا على الأراضي النيجيرية، وجعلتها تنسحب من مناطق عدة كانت قد سيطرت عليها، فإن «بوكو حرام» أثبتت قدرتها على التكيّف بشكل ملحوظ في تكتيكاتها، فقد شهدت نهاية عام 2018 ارتفاعاً طفيفاً في الهجمات في ولاية بورنو النيجيرية، مع تولي الرئيس محمد بخاري ولايته الثانية رئيساً للدولة، ويبدو أن الصراع في الشمال الشرقي للبلاد مايزال بعيداً عن الحل حتى الآن.

ومنذ السنوات الأولى للأزمة، حذّر شركاء نيجيريا الدوليون من أنه من غير المرجح هزيمة ميليشيا «بوكو حرام» في ساحة المعركة وحدها. وشددوا على الحاجة إلى استجابة متعددة الأبعاد، تعالج دوافع انعدام الأمن في المنطقة، بما في ذلك نقاط الضعف المزمنة في تقديم الخدمات، والحكم الفاسد، والتدهور البيئي.

ومع ذلك، فإن النفوذ المحدود لهذه الدول على القادة النيجيريين، وتقييد الوصول إلى شمال شرق البلاد، والاستجابة للأزمة التي شكلتها الحرب العالمية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، حد من تركيز المانحين على هذه البلاد. ومن الناحية العملية، جاءت المساعدات الدولية متأخرة، وكان المانحون يكافحون من أجل تحديد أشخاص وطنيين قادرين على الاستمرار في برامج تحقيق الاستقرار.

 

تويتر