عبر بناء سلسلة من «المنشآت الدفاعية المانعة للحركة» على طول الحدود

دول البلطيق تعزز دفاعاتها خوفاً من روسيا

صورة

تكتيكات التحصينات تعود إلى الواجهة، إذ تم إحباط هجوم مضاد شنته أوكرانيا، في العام الماضي، بسبب ما يُسمى بخط «سوروفيكين»، وهو عبارة عن مجموعة مترامية الأطراف من حقول الألغام الروسية، والخنادق، والعوائق المضادة للدبابات، والأسلاك الشائكة القديمة، من بين عوائق أخرى. وبينما تباطأت القوات الأوكرانية في إزالة الألغام والخنادق وتجريف العوائق، راقبتها طائرات بدون طيار، وأطلقت عليها القوات الروسية وابلاً من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات الانتحارية. وكانت هذه المنطقة من الحرب مجهولة إلى درجة أن فاليري زالوجني، أعلى جنرال في أوكرانيا، آنذاك، طلب من مساعديه إحضار كتاب بعنوان «اختراق خطوط الدفاع المحصنة»، وهو كتاب ألفه لواء سوفييتي، ونُشر في عام 1941. والآن يبدو أن جيوش حلف شمال الأطلسي (ناتو) قد قامت بتدوين الملاحظات.

وفي يناير، أعلن وزراء دفاع إستونيا ولاتفيا وليتوانيا أنهم سيبنون سلسلة من «المنشآت الدفاعية المانعة للحركة» على طول حدودهم مع روسيا وبيلاروسيا، والمعروفة مجتمعة باسم «خط دفاع البلطيق». وتقول مسؤولة الدفاع الإستونية، سوزان ليليفالي، مشيرة إلى مثال الحرب السوفييتية الفنلندية، «لقد لعبت إجراءات التحصين دوراً مهماً في الحروب في منطقتنا عبر التاريخ». ويضيف المقدم كايدو تيتوس، وهو قائد في رابطة الدفاع الإستونية، وهي منظمة تطوعية، «لقد درسنا أيضاً الحرب الروسية في أوكرانيا»، موضحاً: «الدرس الرئيس الذي نتعلمه هو أننا بحاجة إلى إيجاد طريقة لوقف تقدم الوحدات المدرعة الروسية». ولن تطمئن دول البلطيق إلى الوعد الذي قطعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة أجريت معه، في الثامن من فبراير، مع الصحافي السابق في قناة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون، والذي أكد فيه أنه ليس لديه أي خطط لغزو دول البلطيق، أو بولندا، أو أي مكان آخر خارج أوكرانيا.

كسب الوقت

ويقدر المسؤولون الإستونيون أن امتداد حدودهم سيحتاج إلى نحو 600 تحصين خرساني، مساحة كل واحد منها 35 متراً مربعاً، وكل منها له القدرة على استيعاب نحو 10 جنود وتلقي ضربة بقذيفة كبيرة. ويجري حالياً تطوير نماذج أولية للتحصينات، ومن المتوقع أن يبدأ البناء في العام المقبل، بكُلفة تبلغ نحو 60 مليون يورو. والهدف ليس إنشاء تحصينات منيعة، وإنما تأخير تقدم الغزاة وإرهاقهم وكسب الوقت لإحضار التعزيزات. وإذا قامت لاتفيا وليتوانيا ببناء ملاجئ محصنة بكثافة مماثلة، فسوف تحتاجان إلى 1116 ملجأ و2758 ملجأ على التوالي، وفقاً لحسابات الخبير في جامعة ليدن في هولندا، لوكاس ميلفسكي.

والمشكلة هنا ليست الهندسة العسكرية، بل الموافقة من أصحاب الأراضي. وتقول ليليفالي: «الجزء الأكثر أهمية هو الاتفاق مع ملّاك الأراضي»، مشيرة إلى أن معظم الأراضي الحدودية مملوكة للقطاع الخاص. وتقول إنه لم تكن هناك علامات تذكر على إمكانية موافقة الأقليات الناطقة بالروسية في المنطقة الحدودية. وقد يطمئن السكان المحليون إلى حقيقة أن القوات المسلحة لا تخطط لتخزين متفجرات بالقرب من القرى والبلدات، في وقت السلم، ولا تنوي تركيب ألغام أرضية مضادة للأفراد، وهو أمر غير قانوني بموجب معاهدة أوتاوا. ولم تحقق الجهود التي بذلها برلمان إستونيا، العام الماضي، للانسحاب من تلك المعاهدة تقدماً يذكر.

من السهل رؤية جاذبية التحصينات، ويشعر المسؤولون الأوروبيون بالقلق من أن العملية المتهورة لإعادة التسلح الروسية تفوق الجهود التي تبذلها أوروبا لزيادة إنتاج الأسلحة. وأكد زعماء البلطيق أنه حتى التقدم الروسي البسيط يمكن أن يشكل تهديداً وجودياً لدولهم. وأطلق وزير الدفاع الدنماركي، ترويلز لوند بولسن، تحذيراً قبل أيام، قائلاً: «لا يمكن استبعاد أنه في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، ستختبر روسيا المادة الخامسة وتضامن الناتو». وأضاف: «لم يكن هذا تقييم الناتو في عام 2023. هذه معلومات جديدة تطفو على السطح الآن». وفي ضوء هذا المزاج المحموم، فإن خط دفاع البلطيق يشكل بياناً عسكرياً وسياسياً في آن واحد.

دفاع ناجح

لكن الدفاع الناجح لروسيا، دفع أيضاً إلى إعادة التفكير على نطاق أوسع، وكانت التحصينات الروسية في جنوب وشرق أوكرانيا هي الأعمال الدفاعية الأكثر شمولاً في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لتحليل أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث أميركي. وربما لا تنافسهم سوى حقول الألغام والتحصينات على الحدود بين الكوريتين.

وفي نوفمبر، حث الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قادته على تسريع بناء الدفاعات في الشرق. وتقوم بولندا أيضاً ببناء تحصينات وملاجئ على طول حدودها مع روسيا، وبيلاروسيا- حليفة الكرملين.

وهذا يتسبب في معضلة، وقد فضلت جيوش الناتو منذ فترة طويلة دفاعاً أكثر مرونة في العمق، حيث تتراجع القوات حسب الحاجة، وتدمر العدو في تضاريس أكثر ملاءمة، وهذا لا يتوافق مع الدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو. ولكن مع وجود «دفاع ثابت من الناحية التشغيلية»، كما يلاحظ ميلفسكي، «فمن الضروري للغاية التأكد من أن الضربة، عندما تأتي، تكون ضعيفة قدر الإمكان». وهذا يضع تركيزاً أكبر بكثير على استخدام القوة النارية الثقيلة للضرب بعمق خلف الخطوط الروسية، لإرهاق القوة المهاجمة، وتفكيك قيادتها ومواردها اللوجستية. باختصار: قصف عنيف على الأراضي الروسية. ويحذر من أن «القادة السياسيين الغربيين ربما كانوا شديدي الحساسية تجاه مثل هذه الهجمات».

• 600 تحصين خرساني، تحتاج إليها إستونيا لتأمين حدودها.

• يشعر المسؤولون الأوروبيون بالقلق من أن عملية إعادة التسلح الروسية تفوق الجهود التي تبذلها أوروبا.

• في الأزمات، قد تتعرض قوافل تعزيزات حلف شمال الأطلسي إلى دول البلطيق للهجوم.


تعزيزات التحالف

هناك تساؤلات حول قدرة الناتو على توفير التعزيزات بسلاسة وفي الوقت المحدد. وبما أن روسيا ستبذل كل ما في وسعها لمنع وصول تعزيزات التحالف، فمن الأهمية بمكان أن تصمد قوات البلطيق وقوات الناتو الحالية لأطول فترة ممكنة.

وللحصول على التعزيزات العسكرية، تعتمد دول البلطيق على ممر بري واحد إلى بولندا عبر «فجوة سوالكي»، وهي عبارة عن ممر ضيق بين بولندا وليتوانيا، والذي يقع على جانبه بيلاروسيا، وجيب كالينينغراد الروسي على الجانب الآخر. وفي الأزمات، قد تتعرض قوافل تعزيزات حلف شمال الأطلسي إلى دول البلطيق للهجوم، إلى جانب قدرات روسيا الواسعة في مجال منع الوصول إلى مناطق أمامية في دول البلطيق، بواسطة القوات المتمركزة في كالينينغراد والمصممة خصوصاً لإعاقة التحرك العسكري لحلف شمال الأطلسي في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن البنية التحتية للسكك الحديدية في دول البلطيق لاتزال مرتبطة بشكل أفضل بروسيا وبيلاروسيا، مقارنة ببولندا وبقية أوروبا القارية، ولاتزال السكك الحديدية في الأغلب روسية وليست أوروبية. إن الاستخدام المستمر لمقاييس السكك الحديدية ذات المسارات العريضة يضع روسيا في موقف أفضل، وموقع مناسب من حيث اللوجستيات العسكرية، حيث ستكون قادرة على نقل التعزيزات والمعدات العسكرية الثقيلة عن طريق السكك الحديدية مباشرة إلى مسرح العمليات. وسيتم تخفيف هذا الأمر إلى حد ما من خلال خط سكك حديد البلطيق الجديد بقيمة 6.25 مليارات دولار من وارسو إلى هلسنكي، والذي يمر عبر دول البلطيق وهو قيد الإنشاء حالياً.

تويتر