بعد 3 سنوات على الانقلاب

الجيش في ميانمار يكافح لبسط سيطرته على البلاد

صورة

بعد مرور ثلاث سنوات على الانقلاب في ميانمار، يكافح الجيش الذي تسلم السلطة في هذا البلد من أجل تكريس سيطرته، على الرغم من تكبده خسائر مهينة في الأشهر الأخيرة الماضية. وتصاعدت الانتقادات للحاكم العسكري الجنرال مين أونغ هلاينغ من قبل شخصيات مؤيدة للجيش.

وتظهر الصور التي تم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كميات الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من مواقع الجيش في الشمال، والجنود المنهكين يستسلمون بأعداد كبيرة، وحتى طائرات الجيش العسكرية وهي تسقط على الأرض تحت ضربات المعارضة. وفي صورة غير مسبوقة، ظهر قادة جيش ميانمار مع أعدائهم السابقين بعد أن أجبروا على الاعتراف بالهزيمة في بلدة لوكاي في شمال ولاية شان مع نحو 2400 جندي. وتقول الأمم المتحدة إن نحو ثلثي البلاد لايزال يعيش صراعاً.

وفقدت حكومة العسكريين منطقة مهمة للغاية في شمال البلاد إضافة إلى الحدود مع الصين وفي الغرب بالقرب من الحدود الهندية. وفي مناطق أخرى حيث كان نشاط المجموعات المناوئة للانقلاب لايزال بطيئاً، لايزال جيش الحكومة منخرطاً في معارك شرسة، بيد أنه عاجز عن قمع حركة المقاومة المستمرة. وأعربت الجهات المؤيدة للجيش عن عدم رضاها عن قيادة الجيش على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي بداية الشهر الجاري طالب الراهب المتعصب غويما قائد الجيش مين أونغ هلاينغ بالتنحي عن منصبه، خلال تظاهرة احتجاج في بلدة باين أوو لوين الواقعة في منطقة ماندلاي، والتي يتواجد فيها الجيش بكثرة، كما أنها موطن لنخبة «أكاديمية خدمات الدفاع»، وفق ما ذكرته «بي بي سي» الميانمارية.

معاقبة حكم العسكريين

شهدت ميانمار صراعاً منذ عام 2021 عندما قام الجيش بالاستيلاء على السلطة في انقلاب، وأطاح بالحكومة المنتخبة التي كانت برئاسة أونغ سان سو تشي، وأدى الانقلاب الذي أثار غضباً شعبياً إلى خروج تظاهرات احتجاج عارمة في الشوارع تطالب بعودة الديمقراطية، وعندما واجه الجيش المتظاهرين بالعنف اتضح لهؤلاء المدنيين أنهم لم يعودوا في مأمن، ولهذا لجأ كثيرون إلى حمل السلاح لمواجهة قمع الجيش، وكانوا مسلحين على الأغلب بأسلحة مصنوعة يدوياً.

وهناك العديد من المجموعات المختلفة التي تقاتل ضد الجيش الحاكم في البلاد، بما فيها المجموعات المدنية الجديدة المؤيدة للديمقراطية والتي حملت السلاح بعد الانقلاب، والتي أصبحت تعرف بـ«قوات الدفاع عن الشعب»، وكان العديد من هذه المجموعات متحالفاً مع حكومة الوحدة الوطنية «إن يو جي» التي تم تشكيلها من أجل معارضة الحكم العسكري.

وهناك مجموعات عرقية أخرى تقاتل ضد الجيش منذ أمد بعيد من أجل الحصول على الاستقلال، واصلت بدورها القتال ضد الحكم العسكري. وعلى الرغم من أن الجميع يعارضون الجيش فإن أهدافهم المحددة ومدى التنسيق في ما بينهم مختلف.

وظل هذا الصراع يواجه طريقاً مسدوداً لأمد طويل، حيث لم يتمكن الجيش من السيطرة على خصومه، واعتمد على الغارات الجوية وتكتيكات الأرض المحروقة كي يهزم المعارضة، وكانت عواقب ذلك وخيمة على المدنيين، ولكن الصراع تغير في نهاية العام الماضي، عندما قامت العديد من المجموعات العرقية ذات الخبرة والمعروفة باسم «تحالف الأخوة» بعملية واسعة وناجحة، وكانت بالتنسيق مع المجموعات الحديثة المعادية للانقلاب والتي تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي التي يسيطر عليها الجيش في شمال الدولة.

تعزيز المعنويات

أدى النجاح السريع الذي حققته حملة «تحالف الأخوة» إلى تجدد هجمات أخرى في أماكن مختلفة في البلاد، وأعطت تعزيزاً كبيراً لمعنويات المقاومة المؤيدة للديمقراطية، وكان التقدم في المناطق الأخرى بما فيها جنوب البلاد أكثر بطئاً، وتضاءلت الآمال في أن يؤدي تأثير «الدومينو» إلى توجيه ضربة حاسمة للجيش.

ويحذر المحللون من أنه على الرغم من أن المجموعات المشاركة في «تحالف الأخوة» يمكن تعريفها بأنها جزء من حركة عريضة داعمة للديمقراطية، فإن لديها طموحاتها الخاصة في الاستيلاء على مناطق محددة.

وقال كبير الباحثين ومنسق برنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون الأميركي، يون صن، إن الصين تشعر بالانزعاج من الجيش نظراً لمواصلة استهدافه للمدنيين، ولهذا فإنها تؤيد عمليات «تحالف الأخوة». وأضاف: «الصين تريد معاقبة الجيش، والجميع يريدون مغادرته الحكم».

وتقول حكومة الوحدة الوطنية إن 60% من مساحة ميانمار أصبحت الآن تحت سيطرة خصوم الجيش، لكن تحديد من يسيطر على منطقة بعينها هي مسألة صعبة بالنظر إلى الطبيعة المعقدة للغاية والمتقلبة للصراع.

وقال الباحث في سياسة جنوب شرق آسيا والسياسة الخارجية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، مورغان مايكل: «في العديد من المناطق حيث تقاتل قوات حماية الشعب، أو مجموعات مرتبطة بحكومة الوحدة الوطنية، ربما يكونون هم المصدر المزود للخدمات، بيد أنهم لا يستطيعون منع هجمات الجيش»، متابعاً: «هل يمكن اعتبار ذلك سيطرة هذه المجموعات على المكان؟».

ويقول المدير التنفيذي لمعهد تاغون للدراسات السياسية ومقره ميانمار، ميو هين، الذي يعمل أيضاً باحثاً على مستوى دولي في برنامج آسيا التابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، ومقره واشنطن العاصمة، إنه «بغض النظر عن كل شيء فإن الجيش يواجه تحديات غير مسبوقة في ميدان المعركة». وأضاف: «للمرة الأولى في التاريخ يواجه الجيش الآن هجمات متزامنة في الوقت ذاته من مجموعات المقاومة المسلحة المختلفة الأطياف، والتي تراوح ما بين الحرب التقليدية وتكتيكات حرب العصابات والعمليات السرية والعلنية في 12 من ولايات ميانمار البالغ عددها 14 ولاية»، وهناك تقارير تتحدث عن حالة الإحباط في صفوف قيادة الجيش.

وعلى الرغم من ذلك يقول ميو هين إنه من المستبعد الإطاحة بقائد الجيش مين أونغ هلاينغ. وأضاف: «ثقافة الجيش المؤسسية التي اعتاد عليها أدت إلى تأسيس نظام إقطاعي، حيث يكون قائد الجيش في المنصب الأكثر قوة ونفوذاً»، وحتى إن كان هناك تغيير في القيادة يخشى البعض من أن البديل يمكن أن يكون أكثر عنفاً.

وبات الجنود الذي ينفذون حرب الحكام العسكريين للبلاد منهكين، ومعنوياتهم منهارة، وبالنظر إلى الحملات الوحشية التي شنها الجيش في شتى أنحاء البلاد، أصبح من غير الممكن تجنيد مزيد من الجنود. وقال أحد الهاربين من الجيش أخيراً لصحيفة «الغارديان»: «الجميع يريدون الهرب من الجيش، وربما لايزال الجنود يحبون الجيش إلا أنهم لم يعودوا يحبون القادة».

• لجأ كثيرون إلى حمل السلاح لمواجهة قمع الجيش، وكانوا مسلحين على الأغلب بأسلحة مصنوعة يدوياً.

• يحذر محللون من أن المجموعات المشاركة في تحالف الأخوة لديها طموحاتها الخاصة في الاستيلاء على مناطق محددة.

تويتر