في وقت تتعرض فيه غزة لهجوم متواصل

بايدن يسعى إلى «حل الدولتين» في محاولة للحفاظ على مبدأ التسوية

صورة

يبدو التناقض صارخاً بين الحرب المتصاعدة، بلا هوادة في غزة، والتصريحات التي يُصدرها الرئيس الأميركي، جو بايدن، وغيره من زعماء العالم الذين يروّجون لرؤيتهم الدبلوماسية للشرق الأوسط بعد الحرب، خصوصاً أن هذه الرؤية، المتمثلة في «حل الدولتين» - حيث تعيش إسرائيل والدولة الفلسطينية جنباً إلى جنب في أمن وكرامة وحرية وسلام - تمت محاولتها دون نجاح، منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948. والآن، وبسبب الهجمات التي شنتها حركة «حماس» في السابع من أكتوبر، والخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين في غزة، أصبح العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر تردداً - من أي وقت مضى - في الحديث عن السلام.

ومع ذلك، هناك مجموعة من الأسباب المقنعة، لأن الأحداث التي وقعت منذ السابع من أكتوبر، جعلت مبدأ «حل الدولتين» أشبه بحتمية الدولتين بالنسبة للرئيس الأميركي.

إن المخاطر الجيوسياسية عالية. وعلى الرغم من أن هدف واشنطن الرئيس هو إعادة الحديث، على الأقل، عن إمكانية التوصل إلى سلام إسرائيلي فلسطيني نهائي، فإن هذا الهدف ليس سوى جزء من استراتيجية أوسع لمرحلة ما بعد الحرب.

وتأمل الإدارة الأميركية بدعم الشركاء ذوي التفكير المماثل، سواء الحلفاء الغربيين أو الدول العربية المعتدلة الرئيسة، للمساعدة في تعزيز بديل مستقر سياسياً وقوي اقتصادياً لإيران، التي يتزايد نفوذها ووكلاؤها الإقليميون.

ونظراً لفشل المحاولات السابقة للتفاوض على السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فليس من المستغرب أن يتم الترحيب بترويج بايدن لـ«حل الدولتين» من قِبل مجموعة من المتشككين، بما في ذلك النقاد الإعلاميون وخبراء المؤسسات البحثية، وحتى السياسيون السابقون والمفاوضون. وربما يكون العنوان الرئيس لمقال رأي، الشهر الماضي، في صحيفة «نيويورك تايمز»، هو أفضل تعبير عن الحالة المزاجية: «مبدأ الدولتين».

فلماذا إذاً يستمر بايدن في الضغط على حجة السلام على أساس الدولتين؟

كان المحفّز المباشر هو الحرب بين إسرائيل و«حماس»، وليس فقط بسبب وحشيتها. والمعاناة والصدمة لكلا الجانبين تهدّد بإحباط مجرد فكرة التوصل إلى حل وسط، على أساس الدولتين في أعقاب القتال مباشرة.

ولكن الأهم من ذلك هو أن الرئيس الأميركي يشعر بالحاجة الملحّة - بشكل خاص للدفاع - الآن، عن رؤيته على وجه التحديد، لأن القادة الرئيسين على جانبي الصراع، يريدون استبعاد أي تسوية إلى الأبد.

لقد سعت «حماس» منذ فترة طويلة إلى إقامة دولة واحدة في فلسطين، والقضاء على دولة إسرائيل.

مبدأ التسوية

وبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يؤيد في بعض الأحيان، فكرة السلام القائم على دولتين، إلا أنه حتى قبل السابع من أكتوبر، كان قد أوضح معارضته بشكل متزايد. ويتصور البرنامج السياسي لائتلافه الحالي - وهو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل - ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة.

إن تركيز بايدن على حل الدولتين، هو محاولة للحفاظ على مبدأ التسوية الإسرائيلية الفلسطينية على الأقل، لأسباب ليس أقلها أن احتمال الصراع المفتوح لن يترك للفلسطينيين أي بديل عن حركة «حماس»، وزعزعة استقرار الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتشجيع إيران.

ولكن يدرك بايدن أيضاً، أن مجرد الكلمات - العبارات المبتذلة بشأن حل الدولتين - لن تكون كافية.

إن الخطوات العملية التي قد تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها ستعتمد - إلى حد كبير - على نتيجة الحرب الحالية، فهل ستخرج «حماس» مكبلة أو سليمة بالقدر الكافي للمطالبة بقدر من النصر؟ وهل يتمكن الأميركيون من حشد الدعم والتمويل الدوليين لإعادة بناء غزة؟

وهل سيظل نتنياهو - الذي يتهمه العديد من الإسرائيليين بالفشل في منع الفظائع وعمليات الاختطاف التي ترتكبها «حماس» - رئيساً للوزراء؟

الانخراط الدبلوماسي

يبدو أن الرئيس بايدن قد قرر، على أقل تقدير، أنه يجب على واشنطن إعادة الانخراط دبلوماسياً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا في حد ذاته يمثّل تحوّلاً كبيراً عن العقدين الماضيين، في ظل الإدارات المتعاقبة، حيث أبرمت الولايات المتحدة اتفاق سلام لم يكن ممكناً، وبالتالي لم يكن يستحق استثمار رأس المال السياسي والدبلوماسي لواشنطن.

ومن المرجح أن يكون تركيز بايدن المباشر أقل على السلام الشامل، بقدر ما ينصب على إحياء عملية السلام التي تستند بوضوح، إلى مبدأ حل الدولتين، بدعم عربي ودولي أوسع، وهذا أيضاً من شأنه أن يمثّل تغييراً، فحتى قبل السابع من أكتوبر، لم تكن هناك مفاوضات ذات معنى بين إسرائيل والفلسطينيين منذ نحو عقد من الزمن.

والسؤال الرئيس الآن هو عما إذا كانت أي مبادرة تفاوضية جديدة قادرة على تحقيق تقدّم واضح وموثوق به.

ومن الواضح أن المتشككين على حق في ما يتعلق بنقطة واحدة، فقد باءت كل المحاولات السابقة لتأمين السلام النهائي القائم على حل الدولتين بالفشل. وفي أعقاب الحرب في غزة، من الصعب أن نتصور أي اختراقات سريعة، ولكن تاريخ تلك المحاولات الفاشلة معقّد، ولا يخلو من الأمل تماماً.

مساعٍ حثيثة

فمنذ عام 1947 عندما تبنّت إسرائيل الوليدة، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يدعم إقامة دولتين بفلسطين، في حين رفضته الدول العربية، تعثرت مساعي السلام بسبب مزيج من العمل والتقاعس من الجانبين.

ومع ذلك، فإن الجهود الكبرى الأخيرة (قمة كامب ديفيد عام 2000 التي حاول فيها الرئيس بيل كلينتون التوسط للتوصل إلى اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات)، كانت أقرب إلى النجاح من أي محاولة سابقة.

واليوم، يبدو أن بايدن والدول العربية المعتدلة وكثيراً من دول العالم الأوسع، قد توصلوا إلى أن العنف غير العادي الذي حدث خلال الشهرين الماضيين، جعل من الضروري بذل جهد جديد جاد ومستدام للتوصل إلى مثل هذه التسوية.

ومرة أخرى، يبدو أن حل الدولتين - وهو حل غير محبوب وغير مرحّب به، وغير قابل للتنفيذ، على الرغم من طرحه على مر السنين - أصبح لا غنى عنه أيضاً.

• 1993 كانت السنة التي وافقت فيها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف المتبادل.

 


موقف ضعيف

وافقت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسرعرفات على الاعتراف المتبادل بينهما في 1993، في المفاوضات التي توسطت فيها النرويج. وذلك مع استمرار التوسع العسكري وبناء المستوطنات، تحت مسمى “قضايا الوضع النهائي” التي تركت للتفاوض عليها لاحقا.

وبعد سنوات من التحركات الدبلوماسية، أثيرت هذه القضايا في قمة كامب ديفيد برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، ورئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات لم يتوصلا إلى اتفاق بينهما. وكان عرفات يتفاوض من موقع ضعف، بينما كان الوسيط الأميركي تربطه علاقة وطيدة تاريخية بإسرائيل، وظهرت عقبات صعبة أخرى في طريق حل الدولتين.

واعترضت حركة حماس، التي تأسست في غزة في عام 1987، على تنازلات حركة فتح، من أجل السلام، ووجدتها فرصة لتعطيل المفاوضات بالعمليات ضد إسرائيل منذ عام 1994.


تويتر