في وقت يضرب الجفاف القارة السمراء بسبب التغير المناخي

مزارعو إفريقيا يتسابقون لابتكار طرق جديدة لتعزيز الإنتاجية الزراعية

صورة

يعمل العلماء والمسؤولون الحكوميون والمزارعون على إحياء المحاصيل المهملة وتعزيز الإنتاجية الزراعية في سباق لحماية إفريقيا من النقص المتزايد في الغذاء الذي يتفاقم بسبب تغير المناخ. ولكن لا يتم توجيه سوى قدر ضئيل من أموال المانحين، وتقريباً لا يتم توفير رأسمال خاص لصغار المزارعين الذين ينتجون الأغلبية العظمى من الغذاء في القارة.

ويعني ارتفاع درجات الحرارة أن أجزاء كبيرة من إفريقيا تتأرجح بين موجات الجفاف الشديدة المتزايدة والأعاصير الأكثر تواتراً وشدة، ما يهدد الأغذية الأساسية لمئات الملايين من الناس. ويقول صندوق النقد الدولي إن كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة تعني انخفاضاً بنسبة 3% في الإنتاج الزراعي في البلدان النامية. ويُتوقع أن تنخفض غلات المحاصيل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة تراوح بين 5 و17% بحلول عام 2050، على الرغم من سرعة النمو السكاني.

ويقول المدير المؤقت للتنمية الزراعية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس، إينوك تشيكافا، إن زيادة الإنتاجية من الماشية والمحاصيل الإفريقية هي إحدى أسهل الطرق لخفض الانبعاثات وحماية موائل الحياة البرية ومساعدة المزارعين. لكن 1.7% فقط من تمويل المناخ العالمي يذهب إلى مشاريع لمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، الذين ينتجون نحو 80% من الغذاء في إفريقيا وآسيا. وفي حين أوفت الدول الغنية بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية على تحقيق أهداف المناخ، يقول الزعماء الأفارقة المجتمعون في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دبي إنهم يريدون زيادة التمويل للمزارعين بشكل كبير.

وتقول رئيسة منتدى النظم الغذائية الإفريقية، أماث باثي سيني: «لا يمكن أن يأتي التغيير إلا برأسمال من القطاع الخاص». وهذا بعيد المنال حتى الآن. وتضيف أن التسعير والتنظيم غير الواضحين والارتباك بشأن ما يعرف بـ«الحل المناخي» قد أبعد معظم كبار المستثمرين عن التكيف مع المناخ في إفريقيا. ووفقاً لمبادرة سياسة المناخ، فإن أكثر من 95% من التمويل يذهب إلى مشاريع تركز على الطاقة المتجددة والنقل منخفض الكربون وكفاءة الطاقة.

وتعتبر شركة «إيثيوتجيكن»، التي أنشأها في عام 2010 ثلاثة أميركيين في إثيوبيا في منتصف العشرينات من العمر، استثناءً، وهي شركة خاصة لإنتاج الدجاج تساعد في تخفيف آثار تغير المناخ على المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، ولكنها لاتزال تحقق أرباحاً. وينتج الدجاج جزءاً صغيراً من انبعاثات غاز الميثان التي تنتجها الماعز والأبقار ويحتاج إلى كميات أقل بكثير من المياه. هذا الدجاج عالي الإنتاجية يعني أن المزارعين يمكنهم التحوط ضد فشل المحاصيل من خلال تدفق نقدي منخفض الكربون أيضاً.

عملاء الشركة هم أشخاص مثل المزارع الإثيوبي، إليم جاراد. وفي العادة، يتوقع أن يكون سعر قمحه مرتفعاً، ولكن الجفاف الموضعي هذا العام والذي أدى إلى فشل المحصول اضطره لتقديم ما تبقى من سيقان القمح الذابلة طعاماً لصغار الماعز. ومع ذلك فإن الأسرة لا تشعر بأنها مهددة بالجوع لأن لديها نحو 80 دجاجة سمينة من نوع ساسو في حظيرة المزرعة. واستوردت «إيثيوتجيكن» السلالة الفرنسية لصلابتها وقدرتها على البحث عن الطعام وإنتاجها العالي للبيض. ويقول إليم إن دجاج «الفرينجي» أو الدجاج الأجنبي يبيض نحو ثلاثة أضعاف الدجاج المحلي «الحبشي» أو دجاج المرتفعات المحلي. ويتبقى لدى زوجته ما يكفي من البيض بعد إطعام أسرتها المكونة من ستة أفراد لبيعه وشراء الحبوب. الطيور التي تُباع من أجل اللحوم تجلب ضعف سعر الدجاج العادي، ولكن إنتاجها العالي من البيض هو ما يجعلها أكثر شعبية. ويقول إليم، وطفله الصغير يتشبث بساقه ويضحك: «إذا لم يكن لدينا هذه الدجاجات أثناء الجفاف، سيكون وضعنا بائساً للغاية، إنها تسعفنا عند فشل المحاصيل».

وقام مؤسسو شركة «إيثيوتجيكن»، التي تأسست قبل 13 عاماً، ببيع أول إنتاج لها من الكتاكيت في سلال محمولة على الدراجات النارية عندما لم تجد عمالة كافية لتوزيعها. ولكن الشركة توظف الآن 1600 شخص بشكل مباشر ولديها 10 آلاف وكيل، وقد وجدت الدعم من خلال استثمارات قدمتها مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، وأيضاً مؤسسة غيتس. وتتوقع الشركة أن تبيع 35 مليون كتكوت هذا العام وتوسّعت لتنشئ فروعاً لها في خمس دول أخرى تحت مظلة هاتش آفريكا.

ومع ذلك، فإن الكوارث المناخية تتغلب على الابتكار في الوقت الحالي. ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن 170 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا يواجهون الجوع الشديد هذا العام. لقد عانت منطقة شرق إفريقيا للتو من أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً، وأصبحت تربتها التي تعرضت لحرارة الشمس الحارقة غارقة هي الآن في أسوأ فيضانات منذ قرن من الزمان. ومن بين أكثر 30 حدثاً مناخياً هي الأكثر فتكاً في إفريقيا على الإطلاق، وقعت ستة منها في العامين الماضيين.

وكثيراً ما تفشل المحاصيل الأكثر حساسية مثل القمح والأرز والذرة في ظل هذه الظروف. ويقول مدير مشروع الجيل القادم والأستاذ المساعد في تربية النباتات وعلم الوراثة في جامعة كورنيل، شيدوزي إيجيسي، إن المحاصيل التقليدية الأكثر صلابة مثل الدخن والكسافا تحتاج إلى تربية سلالات أكثر صرامة.

وفي نيجيريا، يجري المزارعون في ولايتين تجارب على أشكال جديدة من الكسافا - وهو محصول أساسي لنحو 300 مليون شخص. وتعتبر الجذور السميكة أكثر مقاومة للجفاف من غيرها من المواد الغذائية الأساسية، لكن الأعاصير الشديدة ودرجات الحرارة المرتفعة تجعلها عرضة للتعفن والآفات. ومع ذلك، لا يوجد سوى القليل من التمويل أو الاهتمام بالكسافا - التي لا يتم استهلاكها عادة خارج القارة - في حين خصص بنك التنمية الإفريقي مليار دولار لتعزيز إنتاج القمح الأقل قدرة على التحمل.

وهناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ تتمثل في الإنذار المبكر، والتي سيتم ربطها ببيانات الطقس الخاصة بالإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، حيث سيتم إرسال تنبيهات حالة الطقس للمزارعين عبر الهواتف المحمولة. وتعمل المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، وهي شبكة عالمية للابتكار، على إنشاء بنوك الجينات وتهجين سلالات أكثر إنتاجية من محاصيل الأراضي الجافة التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن والبازلاء الهندية.

لكن ربما بدأ الوقت ينفد. يقول مدير مكتب الاتحاد الإفريقي التابع لبرنامج الأغذية العالمي، حميد نورو، إن الطقس المتطرف غالباً ما يغذي الصراعات، حيث يتقاتل الناس على المياه والأراضي الصالحة للزراعة والرعي، أو ينضمون إلى الجماعات المسلحة من أجل حماية أنفسهم أو الحصول على الغذاء.

كما يتسبب الجوع في تغذية عدم الاستقرار السياسي، حيث يتجمع السكان الذين يعانون التضخم والمجاعة للمطالبة بالتغيير. وتقول المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية إنه في عالم ترتفع فيه درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيعاني 189 مليون شخص إضافي من الجوع. وعند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار أربع درجات، سيعني ذلك معاناة 1.8 مليار. وقد كسرت درجات الحرارة العالمية حاجز الدرجتين لأول مرة في نوفمبر. ويقول نورو: «نحن نعيش في أوقات يائسة ونحتاج إلى إجراءات عاجلة وفورية، والغد لا يمكن أن ينتظر».

• يقول مدير مكتب الاتحاد الإفريقي التابع لبرنامج الأغذية العالمي، حميد نورو، إن الطقس المتطرف غالباً ما يغذي الصراعات، حيث يتقاتل الناس على المياه والأراضي الصالحة للزراعة والرعي، أو ينضمون إلى الجماعات المسلحة من أجل حماية أنفسهم أو الحصول على الغذاء.

• أجزاء كبيرة من إفريقيا تتأرجح بين موجات الجفاف الشديدة المتزايدة والأعاصير الأكثر تواتراً وشدة، ما يهدد الأغذية الأساسية لمئات الملايين من الناس.

تويتر