علماء يطالبون كل دولة بخفض الانبعاثات وتقديم إسهام «عادل» في الحد من الاحتباس الحراري

سنوات من العمل الدولي الدؤوب بشأن المناخ وضعت العالم على الطريق الصحيح

صورة

خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، الذي انطلق في الـ30 من نوفمبر 2023، في دولة الإمارات العربية المتحدة، تستعرض الدول مدى تعهدها بشأن اتفاق باريس المتعلق بالحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري لأقل من درجتين مئويتين، مع السعي لتخفيضه لما يصل إلى 1.5 درجة مئوية.

سنوات من العمل الدولي الدؤوب بشأن المناخ، وضعت العالم على الطريق الصحيح، وأصبح مستوى الاحترار العالمي أقل بكثير مما كان متوقعاً قبل عقد من الزمن. لكن وتيرة خفض الاحترار لاتزال بطيئة للغاية. إلا أن عالِم المناخ بمعهد نيوكلايمت غير الربحي، الذي يعمل في برنامج تعقب العمل المناخي، نيكلاس هوهني، يعتقد أنها ليست بطيئة، «وإنما متوقفة تماماً».

وقد حذرت مجموعة متزايدة من العلماء من أن الهدف 1.5 درجة مئوية ربما يكون قد تلاشى الآن، لكن هذا لا يعني أن هناك إلحاحاً أقل لخفض الوتيرة. وتقول مديرة العلوم والأبحاث والبيانات في برنامج المناخ العالمي، التابع لمعهد الموارد العالمية، تارين فرانسين، «كل جزء من الدرجة يحدث فرقاً كبيراً جداً في التأثيرات في الأرض».

ويعني الفرق بين 1.5 ودرجتين أن مئات الملايين من الأرواح ستكون معرضة للخطر بسبب الأحداث المناخية القاسية. وبالنسبة لبعض النظم البيئية، يعد هذا بالنسبة لها بمثابة حكم بالإعدام. وتعتقد فرانسين أنه بالنسبة للشعاب المرجانية، فإن هذا يعني «محوها عن وجه الأرض، أو القدرة على الحفاظ ببعضها». وتعتقد أن المهمة التي أمامنا تشبه «إعادة توجيه ناقلة ضخمة»، ولا يمكن القيام بذلك على الفور أو بسهولة، وأن المشكلة هي أن المهلة الزمنية قد استُنفدت، وعلينا الآن أن ندير السفينة بسرعة كبيرة جداً».

الصين تسعى لخفض انبعاثاتها

تشير السياسات الحالية إلى أنه بحلول عام 2030، سيشهد إجمالي الانبعاثات في الصين ركوداً، وستنخفض الانبعاثات الأميركية، وستتصاعد انبعاثات الهند، وفقاً لموقع «كلايمت آكشن تراكر». وارتفع معدل انبعاثات الغازات الدفيئة في الصين، حيث اعتمدت البلاد بشكل كبير على الفحم لتنمية اقتصادها. لكن انبعاثاتها بدأت في الاستقرار، ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها بحلول عام 2025، وفقاً لموقع «كلايمت آكشن تراكر». كما التزمت الصين للتو، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، بتعزيز الطاقة المتجددة، وخفض كل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.

ويقول أستاذ المناخ في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، بيير فريدلينغشتاين، إن البلاد تعاني مفارقة، ففي الوقت الذي تعمل فيه الصين على تطوير الطاقة المتجددة بشكل أسرع من أي مكان في العالم، فإنها تضيف أيضاً طاقة جديدة تعتمد على الفحم. وقال إن «الشيء الجيد في الصين هو أن لديها القوة والإرادة للدفع من أجل إحداث التغيير».

أوروبا وأميركا أكبر مسببين للاحترار

ظل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أكبر الملوثين للمناخ تاريخياً، مقارنة ببقية العالم مجتمعة، وفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ظلت مستويات التلوث الذي يؤدي لتسخين الكوكب في انخفاض لسنوات عدة، حيث يعمل كل منهما على تعزيز سياساته المناخية الطموحة. وفي العام الماضي، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن على قانون خفض التضخم، وهو أكبر استثمار مناخي في تاريخ البلاد، كما وضع الاتحاد الأوروبي خطة طموحة لتوسيع نطاق الطاقة النظيفة على مجال واسع.

ويقول هوهني: «لكن لايزال هناك طريق طويل لنقطعه». فكلاهما (أوروبا وأميركا) لديهما مستويات عالية من الانبعاثات الغازية، ولاتزال هناك مسافة كبيرة للوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، وهي خطة للحد من التلوث الغازي إلى ما يقرب من الصفر قدر الإمكان، وإزالة ما تبقى من تلك الغازات من الغلاف الجوي.

وتقول فرانسين، إن الهند، حيث ترتفع الانبعاثات بشكل حاد، غالباً ما يتم وضعها مع الصين، وهما اقتصادان ناشئان كبيران، والدولتان الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، «لكنهما في الواقع مختلفتان تماماً». لقد قطعت الهند شوطاً طويلاً في مسارها التنموي، ولم تسهم إلا بقدر ضئيل للغاية في الانبعاثات التاريخية. وتعتقد فرانسين أن الهند التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 1.4 مليار نسمة، لديها انبعاثات أقل بكثير للفرد من الصين، ومازالت تصارع مع «مستويات هائلة من الفقر».

ومع تطور الهند، من المتوقع أن تزيد انبعاثاتها بمستويات أكبر. وبينما تستثمر في مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى، فإنها تظل تعتمد أيضاً على الفحم.

غازات في الجو منذ الثورة الصناعية

عندما يتم حرق الفحم والنفط والغاز، فإن هذه المواد تطلق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث يظل هناك، ويعمل على رفع درجة حرارة الكوكب لمئات السنين. إن ما يسبب تغير المناخ اليوم ليس فقط كمية الانبعاثات التي حدثت هذا العام، كما تقول فرانسين: «إنها جميع الانبعاثات التي حدثت على الأقل منذ الثورة الصناعية». وفي حين أن الصين ربما كانت أكبر ملوث في عام 2022، إلا أن الولايات المتحدة كانت الأكبر على مر الزمن.

ولا تتحمل البلدان المتقدمة مسؤولية تاريخية كبرى عن تغير المناخ فحسب، بل إنها بنت اقتصاداتها وثرواتها عليها. ويجادل كثيرون في الجنوب العالمي بأن هذا يعني أن الدول الغنية تتحمل مسؤولية خفض الانبعاثات بشكل أسرع، والوصول إلى صافي أهداف الصفر في وقت أقرب. ويقول هوهني إن مفهوم العدالة ظل موضوعاً يبعث على التوتر في قمم مؤتمرات المناخ منذ أن بدأت قبل ما يقرب من 30 عاماً.

ما «الحصة العادلة»

يقوم برنامج «كلايمت آكشن تراكر» بتحليل عوامل مثل الانبعاثات التاريخية للبلدان، والثروة الحالية ويقترح المطلوب من كل دولة لخفض الانبعاثات، وتقديم إسهام «عادل» في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، للوصول إلى 1.5 درجة. وتقول فرانسين إن الإحصاءات تعكس حقيقة أن كل دولة تحتاج إلى العمل بشأن تغير المناخ، ولكن ليس جميعها بالوتيرة

نفسها. وتضيف «البلدان مختلفة، ولديها تاريخ مختلف، كما أن لديها قدرات مختلفة اليوم».

ويقول هوهني إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتصدران المشهد جزئياً بسبب مسؤوليتهما الضخمة عن الانبعاثات التاريخية. ويضيف أن الدول المتقدمة أطلقت الكثير من الانبعاثات على مدى ما يقرب من الـ200 عام الماضية، حتى إنها «أصبحت الآن مديونة». وعلى الطرف الآخر من الطاولة، تتحمل نيجيريا مسؤولية تاريخية بشأن أزمة المناخ أقل كثيراً، وموارد أقل للتعامل معها. وتقول الباحثة بمعهد نيوكلايمت، هانا فيكيت، التي تعمل في برنامج تعقب العمل المناخي، إن البلاد من الناحية الفنية لديها «مساحة كبيرة متبقية للانبعاثات». وأضافت أن هذا لا يعني أن نيجيريا لا ينبغي أن تتحرك، خاصة أن البلد منتج ومصدر كبير للوقود الأحفوري.

ويقول فريدلينغشتاين إن هناك العديد من الطرق المختلفة لتحديد الحصة العادلة لدولة ما في تخفيض الانبعاثات. إن حسابات «كلايمت آكشن تراكر» هي مجرد طريقة واحدة لمحاولة تحديد المسؤولية. ويضيف «لا توجد إجابة واحدة عن سؤال من يجب أن يفعل ماذا، حيث إن الأمر لا يتعلق بالفيزياء، ولا بالرياضيات، ولا بعلم المناخ، وإنما يتعلق بالقرار والسياسة والدبلوماسية».

• تشير السياسات الحالية إلى أنه بحلول عام 2030، سيشهد إجمالي الانبعاثات في الصين ركوداً، وستنخفض الانبعاثات الأميركية، وستتصاعد انبعاثات الهند، وفقاً لموقع «كلايمت أكشن تراكر».

تويتر