الإفراط في الري من بين أسباب أدت إلى تقلصه بنسبة 90%

بحر آرال.. من رابع أكبر مسطح مائي عذب في العالم إلى «صحراء»

صورة

كان بحر آرال في السابق رابع أكبر بحيرة عذبة في العالم، وكان معروفاً بمحمياته الطبيعية الغنية، لكنه بسبب بعض الممارسات الخاطئة للسلطات في أوزبكستان ظل يتعرض للجفاف منذ عقود. وكشفت صور الأقمار الاصطناعية أن منسوب المياه انخفض 40 مرة خلال العقود الخمسة الماضية. وعلى الرغم من كونه بحيرة مياه عذبة، أصبح أكثر ملوحة على نحو متزايد مع تحويل المياه من البحيرة لري المحاصيل. وقد أدى الدمار البيئي في المنطقة إلى تدمير النظام البيئي وأثر سلباً في المجتمعات المحلية التي كانت تعتمد على البحر لصيد الأسماك، وهي الآن تتعرض للعواصف الرملية والترابية المتكررة التي تؤثر في الإنسان والماشية، على حد سواء.

السير داخل بقايا ما كان يعرف ببحر آرال في أوزبكستان هو بمثابة الدخول للجحيم. وفي كل مكان تشاهد صحراء خالية من الحياة، باستثناء أشجار الساكسول الشائكة. ويقول الكاتب الصحافي، بصحيفة نيويورك تايمز، جاكوب دراير، والذي زار البحر قبل فترة قليلة «ظل الغبار يلفحني في درجة حرارة بلغت 110 فهرنهايت تحت شمس حمراء شديدة الاشتعال»، ويسترسل «وصلت إلى حافة إحدى البحيرات المتناثرة، وهي كل ما تبقى من هذا المسطح المائي الذي كان بحراً عظيماً في السابق، خلعت حذائي وخضت في البحيرة، كان الماء مملوءاً بالملح لدرجة أنني شعرت به وقد بدا لزجاً، وليس سائلاً كما هي الحال في المسطحات المائية الأخرى».

في بلدة مويناك القريبة، تتحدث نشرات الأخبار القديمة بالأبيض والأسود في المتحف المحلي عن ماضٍ عتيق، وتحكي عن حياة أفضل كانت هنا في الماضي. خلال الحقبة السوفييتية، كانت مجتمعات الصيد مثل مجموعات مويناك تجوب البحر، وتأخذ من خيراته: سمك الحفش، والسمك المفلطح، والكافيار وغيرها من المواد الأساسية التي كانت تزدان بها موائد العشاء السوفييتية. ويقول دراير «التقيت في المدينة بعالم الآثار المحلي أوكتيابر دوسبانوف، الذي نشأ على شواطئ آرال ويتذكر «الحياة السعيدة» في شبابه، عندما كانت قوارب الصيد وسفن الركاب وسفن الصيد تجوب عباب البحر على مدار الساعة.

لكن على مر عقود، حوّلت السلطات السوفييتية الأنهار التي تصبّ في البحر لري القطن والمحاصيل الأخرى. ونتيجة لذلك تقلص تدريجياً رابع أكبر مسطح مائي داخلي في العالم، والذي يغطي مساحة أكبر بنحو 15% من بحيرة ميشيغان، ما أدى إلى ما يعرف بتأثير الدومينو المتمثل في الانهيار البيئي والاقتصادي والمجتمعي، وهو نوع من الكارثة التي يمكن أن تحل بأجزاء أخرى هشة بيئياً من العالم، إلا إذا غير الإنسان طرقه السلبية.

جهود الترميم

وبحلول عام 2007، تقلصت مساحة سطح البحر بنحو 90%، ما جعل مويناك محطة للسياح الذين يأتون لمشاهدة هذه الكارثة البيئية، ويلتقطون صور السيلفي بالقرب من هياكل السفن الصدئة التي ترتفع عالياً في مسطحات الرمال الجافة التي لا نهاية لها.

على الرغم من أن جهود الترميم في السنوات الأخيرة أدت إلى تحسينات طفيفة في بعض المناطق، إلا أن الامتداد السابق لبحر آرال أصبح مكاناً يسوده الدمار والخراب، حيث تنتشر بحيرات قليلة الملوحة صغيرة للغاية. وأصبح بحر آرال الآن ما يطلق عليه بصحراء أرالكوم. فعلى مدى عقود، تلوثت التربة والمياه بالمبيدات الحشرية والملوثات الأخرى، التي يشتبه في أنها تسبب تشوهات خلقية ومشكلات صحية مزمنة أخرى لسكان المنطقة. ومع موت بحر آرال، بدأت المراعي والغابات، التي كانت غنية ومزدهرة في يوم من الأيام في المنطقة، في التدهور، وفقاً لدوسبانوف. واختفت الطيور والحشرات وغيرها من الحيوانات البرية التي تعتمد على البحر وبيئته الأوسع. لقد أصبح التنوّع البيولوجي في حالة سقوط حر.

وقد أثر الغبار المالح المنبعث من قاع البحر الجاف على المحاصيل بشدة. كما عانت سبل العيش الأخرى المرتبطة بالبحر، وانخفض الدخل المحلي على مر العقود وارتفعت معدلات البطالة، وانخفض عدد سكان المنطقة مع هجرة السكان إلى العاصمة الأوزبكية طشقند أو إلى موسكو، حيث يعمل الكثيرون في البناء أو غيره من الوظائف منخفضة الأجر وغالباً ما يواجهون التمييز. وتعرض النظام البيئي الطبيعي والبشري للتدمير الكامل. والأسوأ من ذلك أن السلطات السوفييتية كانت على علم بما كان يحدث، لكن الأولويات مثل النمو الاقتصادي بدت لها أكثر أهمية. وبحلول الثمانينات، فكرت السلطات في تلافي هذه الحماقة من خلال تحويل المياه من بحيرة بايكال في سيبيريا، على بعد أكثر من 2000 ميل، إلى منطقة آرال. ولكن انهار الاتحاد السوفييتي قبل أن يتم تنفيذ هذا المخطط.

تقلبات سياسية

العام الماضي، اندلعت الاحتجاجات في كاراكال، المنطقة التي يقع فيها بحر آرال، بعد اقتراح من حكومة أوزبكستان يقضي بتقليص الحكم الذاتي للمنطقة، وقد لاحظ العديد من المراقبين أن الصعوبات الاقتصادية والبيئية المرتبطة بزوال البحر قد زادت من التقلبات السياسية للمنطقة.

الشيء المخيف حقاً في بحر آرال هو أن الكوارث البيئية المشابهة له قد تتكرر في جميع أنحاء العالم، حيث نرى اللاجئين يفرون من أوطان غير صالحة للسكن؛ وتتفاقم الصراعات المريرة على الموارد النادرة والأراضي؛ وهناك أيضاً المدن المهددة بارتفاع منسوب مياه البحر.

وفي الولايات المتحدة، تتقلص بحيرة ميد وبحيرة سولت ليك الكبرى، وتتسابق مدن مثل لوس أنجلوس لموازنة احتياجاتها من المياه مع تغير المناخ. وتؤدي الزراعة والتكسير الهيدروليكي وصيانة الحدائق وغيرها من الأنشطة إلى استنفاد طبقات المياه الجوفية بسرعة في جميع أنحاء أميركا. فهل يمكننا التعايش مع احتمال أن تتعرض أماكن أخرى لمصير بحر آرال نفسه؟ والمخيف أيضاً هو أن الجنس البشري يستخدم مياهه وموارده الأخرى غير آبه بالمستقبل، ولكن كما اكتشف سكان مويناك، كان يوجد غد، ولكن ليس الغد الذي كانوا يأملون فيه.

بالنسبة لدوسبانوف، كان البحر نموذجاً مصغراً لارتباط البشرية الاقتصادي والاجتماعي العميق بالبيئة، لقد ازدهرت ثقافة وأسلوب حياة حول بحر آرال، من خلال التعايش معه والاعتماد عليه،. لكنه يعتقد أن الدمار الذي أحدثه البحر أدى إلى انهيار كل شيء آخر معه.

يختتم دراير حديثه عن بحر آرال بقوله «غادرت إلى طشقند للحاق برحلة العودة إلى الصين حيث أعيش، وكنت حريصاً على مغادرة كاراكال. ولكن كان عليّ أن أنتظر: فقد تعرضت بكين هي الأخرى لأمطار غزيرة لم تشهدها منذ سنوات (وهو ما أثار المناقشة حول ما إذا كان تغير المناخ هو المسؤول جزئياً عن ذلك)، ولهذا السبب تقطعت بي السبل لبعض الوقت في طشقند.

ويعتقد دراير أن بحر آرال يمثل مثالاً كئيباً، وتحذيراً لما يمكن أن يتمخض من أخطاء البشرية البيئية. ويقدم نصيحة غالية هي أنه «إذا واصلنا هذا الطريق، في انتظار أن تقوم جهة ما بتلافي هذه الأخطاء، أو تركنا المصالح الاقتصادية القصيرة الأجل تقف في طريقنا، فقد نجد أنفسنا مثل دوسبانوف.. نخبر الزائرين عن مدى جمال وطننا ذات يوم».

• على مر عقود، حوّلت السلطات السوفييتية الأنهار التي تصبّ في البحر لري القطن والمحاصيل الأخرى. ونتيجة لذلك تقلص تدريجياً رابع أكبر مسطح مائي داخلي في العالم، الذي يغطي مساحة أكبر بنحو 15% من بحيرة ميشيغان، ما أدى إلى ما يعرف بتأثير الدومينو المتمثل في الانهيار البيئي والاقتصادي والمجتمعي.

• الشيء المخيف حقاً في بحر آرال هو أن الكوارث البيئية المشابهة له قد تتكرّر في جميع أنحاء العالم.

 


الأمل الأخير

في إطار جهود استعادة الأمل الأخير، قام البنك الدولي بتمويل بناء سد لفصل السد الأصغر، الذي يعتبر أقل تلوثاً وملوحة من الجزء الجنوبي. ووفقاً لمقال نشر أخيراً على موقع صحيفة نيويورك تايمز، فمنذ اكتمال بناء السد في صيف عام 2005، امتلأ شمال بحر آرال بسرعة أكبر مما توقع المخططون.

ولمعالجة تدهور بحر آرال، اقترحت المنظمات الدولية والحكومات المحلية تدخلات تتميز بنهجين أساسيين؛ يتضمن الأول منها تخفيف العواقب الوخيمة لتملح التربة من خلال تنفيذ تدابير للحد من ملوحة التربة، وزيادة محتوى التربة من الماء، وتعزيز الأنشطة الأنزيمية. ويتم تحقيق ذلك من خلال إنشاء الغطاء النباتي على قاع البحيرة المكشوف في جنوب بحر آرال، بهدف إعادة تأهيل المنطقة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن المناطق التي تم تحديدها على أنها «مناسبة» و«مناسبة جداً» لمشروع إعادة التأهيل هذا لا تغطي سوى 13.6% و1.4%، على التوالي، من قاع البحيرة المكشوف ضمن منطقة دراسة مرجعية تبلغ مساحتها 9600 كيلومتر مربع على طول الساحل الشرقي.

ويهدف النهج الثاني إلى إعادة المسطحات المائية نفسها إلى مستوياتها التاريخية، مع التركيز بشكل خاص على شمال بحر آرال.

لمحة تاريخية

في الستينات، نفذ الاتحاد السوفييتي مشروعاً كبيراً لتحويل المياه للسهول القاحلة في كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان. وقد استخدم لهذا الغرض النهرين الرئيسين في المنطقة، سير داريا وآمو داريا، اللذين يتغذيان من ذوبان الثلوج والأمطار في الجبال البعيدة، لتحويل الصحراء إلى مزارع للقطن والمحاصيل الأخرى. قبل المشروع، كان النهران يتدفقان من الجبال، ويقطعان الشمال الغربي عبر صحراء كيزيلكوم، ثم يتجمعان معاً في النهاية في الجزء الأدنى من حوض آرال. وأصبحت البحيرة التي نتجت عن هذين النهرين رابع أكبر بحيرة في العالم.

وعلى الرغم من أن الري جعل الصحراء تزدهر، إلا أنه دمر بحر آرال. وفيما بعد انقسم بحر آرال الجنوبي إلى شقين شرقي وغربي ظلا متصلين ببعضهما بعضاً بشكل ضعيف عند كلا الطرفين. وبحلول عام 2001، انقطع الاتصال الجنوبي، وتراجع الجزء الشرقي الضحل بسرعة على مدى السنوات التالية. ويبدو أن التراجعات الكبيرة بشكل خاص في الجزء الشرقي لجنوب بحر آرال قد حدثت بين عامي 2005 و2009، عندما أدى الجفاف إلى الحد من تدفق نهر آمو داريا ثم انقطع تدفق النهر نهائياً، ثم تقلبت مستويات المياه سنوياً بين عامي 2009 و2018 في سنوات جافة ورطبة بالتناوب. وفي عام 2014، اختفى الشق الشرقي لجنوب بحر آرال بالكامل.

تويتر