تتنافس لقيادة العالم في التقنية الجديدة

الدول الغربية تتسابق لامتلاك قواعد الذكاء الاصطناعي

صورة

الإثنين الماضي، نشر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً (طال انتظاره) يتعلق بالذكاء الاصطناعي، بدءاً من تمويل الأشكال الجديدة من التكنولوجيا، وصولاً إلى تضييق الخناق على الانتهاكات المحتملة. وفي اليوم نفسه، أعلنت مجموعة الدول السبع ذات الاقتصادات الديمقراطية الرائدة عن قانون منفصل غير ملزم، لكبح جماح ما يُسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل برامج «شات جي بي تي»، وغيرها التي استحوذت على خيال الجمهور هذا العام.

مبادرة المملكة المتحدة

وحتى لا يتفوق عليها أحد، ستعقد المملكة المتحدة قمة تستمر يومين حول سلامة الذكاء الاصطناعي ابتداءً من اليوم، مع قائمة ضيوف تضم: نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين. وفي الخلفية، يعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً على صياغة قوانينه الجديدة التي من المتوقع الانتهاء منها بحلول ديسمبر المقبل.

ومع ذلك، فإن سلسلة الإعلانات التي تركز على الذكاء الاصطناعي والأحداث الجيوسياسية التي صدرت هذا الأسبوع، تؤكد على حقيقة رئيسة واحدة، وهي أن الحكومات الغربية لاتزال تسعى جاهدة إلى إبراز نفسها في سباق تكنولوجي أبهج مواطنيها وأزعجهم في الوقت نفسه.

كان العديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، الذين تحدثوا مع «بوليتيكو»، حريصين على إبراز كيف تسير الديمقراطيات في الاتجاه نفسه. لكن العديد منهم مازالوا يوجهون انتقادات تافهة لنظرائهم في ولايات قضائية أخرى، إما لعدم إصدار التشريعات بالسرعة الكافية، أو لفشلهم في تشجيع الابتكار.

مخاوف

ويقول أحد المسؤولين الغربيين المشاركين في المفاوضات العالمية بشأن الذكاء الاصطناعي - الذي طلب عدم الكشف عن هويته - لمناقشة الأمور الحساسة: «إننا جميعاً نردّد النشيد نفسه». ويضيف: «لكن الكثير من هذا يتعلق بسياسة التجزئة، ويريد السياسيون أن يظهروا للناخبين أنهم مسؤولون». وعلى المحك تقف الجهات التي تتحكم في التطوير المستقبلي للتكنولوجيا، والتي أثارت الآمال في تحقيق تقدم كبير في مجالات مثل العلوم الطبية، إضافة إلى إثارة المخاوف من أن هذه التقنية الجديدة قد تقوض الديمقراطية، وربما تتسبب في حرب نووية.

على مدار العام الماضي، أدى ظهور خدمات «شات جي بي تي»، التابعة لشركة «أوبن إيه إل»، وخدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «بارد»، التابع لشركة «غوغل» إلى ظهور نظرة مبكرة على ما قد يحدث في المستقبل، حيث يمكن لهذه الأنظمة إنتاج نصوص ومقاطع فيديو وصور واقعية بطرق تجعل الناس يعتقدون أن مثل هذه الخدمات الآلية لها عقل خاص بها. وكان الساسة وصُنّاع السياسات حريصين على استعراض مؤهلاتهم في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وكثيراً ما يتعاونون مع حكومات ذات تفكير مماثل، في حين يتنافسون أيضاً على تصوير أنفسهم باعتبارهم صانعي الاتجاه العالمي.

ذكاء اصطناعي مسؤول

في قمة المملكة المتحدة اليوم، من المتوقع أن يدعم القادة الجهود الجديدة لتعزيز ما يُسمى بـ«الذكاء الاصطناعي المسؤول»، وفقاً للبيان الختامي للحدث، الذي حصلت عليه صحيفة «بوليتيكو». وهذا المصطلح يعكس جهداً منفصلاً لحوكمة الذكاء الاصطناعي الذي أعلنته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، والذي يشير إلى منع التكنولوجيا من التسبب في ضرر مجتمعي.

وتنتشر جهود الحوكمة الغربية عبر دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية، بشأن التعهدات غير الملزمة التي أصدرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويتضمن ذلك تعهدات من جانب الشركات والحكومات بتعزيز الشفافية بشأن كيفية إنشاء أنظمة الذكاء الاصطناعي، وفحوصاً أكبر لكيفية وصول هذه النماذج إلى بيانات الأشخاص، وزيادة التعاون الدولي بشأن المعايير، وكيفية نشر هذه الخدمات المعقدة على مستوى العالم.

ويُعدّ الأمر التنفيذي المكون من 110 صفحات، الذي أصدره البيت الأبيض، مثالاً واضحاً على أن إدارة الرئيس جو بايدن تتحدث إلى جمهور معظمه محلي، بينما تصور نفسها زعيماً عالمياً. وبموجب المقترحات، سيتم منح الوكالات الفيدرالية الأميركية صلاحيات أكبر للإشراف على كيفية نشر الذكاء الاصطناعي في مجالاتها المحددة، مثل الإسكان وحماية المستهلك والأمن القومي.

وتستخدم واشنطن أيضاً قوتها الشرائية الواسعة عبر العقود الحكومية لدفع شركات الذكاء الاصطناعي لتحسين الشفافية وأنظمة حماية البيانات، والترويج للولايات المتحدة باعتبارها مبتكراً رئيساً للتكنولوجيا، والتي من المرجح أن تشكل السنوات الـ20 المقبلة في هذا المجال. وقال أحد المسؤولين الأميركيين - الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته - إن «الولايات المتحدة تريد أن تظهر للعالم أنها تستطيع تعزيز الشركات الرائدة في العالم والرقابة على تحديد الاتجاهات». ويقول السفير الأميركي المتجوّل للسياسة الرقمية والفضاء السيبراني، ناثانيال فيك: «هناك عنصر من السلطة الأخلاقية هنا». ويتابع: «إن ذلك يشير إلى أن الولايات المتحدة تمضي قدماً في وضع نفسها بأنها تلتزم بالمعايير المتبعة».

أوروبا تتشكك

إلا أن دفع واشنطن باتجاه حوكمة الذكاء الاصطناعي قوبل بقدر كبير من الشك في بروكسل، حيث كان مسؤولو الاتحاد الأوروبي حريصين على الترويج لنسختهم الخاصة من تشريعات الذكاء الاصطناعي - من خلال قانون الذكاء الاصطناعي القادم للكتلة - إلى أكبر عدد ممكن من البلدان. وقال ثلاثة مسؤولين في المفوضية الأوروبية لصحيفة «بوليتيكو»: «إنهم يرحبون بجهود إدارة بايدن. لكنهم تساءلوا عن مقدار ما يمكن عمله في حال عدم تحديث التشريعات الأميركية بشكل أساسي على غرار ما كان مخططاً له في الاتحاد الأوروبي». وقال أحد هؤلاء الأفراد: «إن بروكسل ستستمر في اتباع قواعدها الخاصة».

وستحظر مقترحات الاتحاد الأوروبي إصدارات معينة من التكنولوجيا، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي، لتوفير نتائج اجتماعية للأشخاص، وهو الأمر الذي كشفت عنه الصين بالفعل، والتي تعمل أيضاً على تعزيز قيادتها العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وقالت مسؤولة الشؤون الرقمية في الاتحاد الأوروبي، فيرا جوروفا: «إن الجميع يدرك المخاطر المحتملة».

حالياً، يعمل المسؤولون الأميركيون والأوروبيون معاً على المعايير الفنية للذكاء الاصطناعي. وسيجتمع كبار المسؤولين في مجلس التجارة والتكنولوجيا في واشنطن في ديسمبر لبحث هذا الموضوع. إلا أن اثنين من مسؤولي المفوضية قللا من أهمية فكرة تخلف أوروبا عن قيادة البيت الأبيض. وعلى عكس بروكسل، هناك نقص في التشريعات التي تركز على الذكاء الاصطناعي الصادرة عن «الكابيتول هيل». ولايزال ساسة الاتحاد الأوروبي أيضاً متفائلين بأن الدول الأخرى ستتبع تشريعات الكتلة، في تكرار لما حدث في المجالات الرقمية الأخرى، مثل حماية البيانات وقوانين وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال أحد مسؤولي المفوضية: «نرحب بما نراه في الأمر التنفيذي، لكنه لا يعكس ما نفعله هنا»، مضيفا: «نحن نصيغ التشريعات على العكس من البيت الأبيض».

وتتخذ لندن مساراً مختلفاً للتركيز بشكل شبه حصري على المخاطر الوجودية المحتملة، إذا وقع الذكاء الاصطناعي في الأيدي الخطأ. وكجزء من القمة التي تستمر يومين هذا الأسبوع، دعا المسؤولون البريطانيون الدول ذات التفكير المماثل، وكذلك الخصوم المحتملين مثل الصين، إلى بحث ما يجب فعله بشأن مخاوف السلامة المرتبطة بالأسلحة البيولوجية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت. كما يريدون أيضاً إنشاء شبكة جديدة من الباحثين على غرار اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، والتي ستنشر تقريراً سنوياً عن حالة الذكاء الاصطناعي.

كما أعلن رئيس وزراء المملكة المتحدة، ريشي سوناك، عن خطط لإنشاء ما يُسمى بـ«معهد سلامة الذكاء الاصطناعي»، الذي سيشرف على تطوير مؤسسات «أوبن إيه إل» و«ديب مايند» التابعة لشركة «غوغل» أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وأعرب أحد المسؤولين البريطانيين - الذي طلب عدم الكشف عن اسمه - عن أمله في أن تنضم الولايات المتحدة، التي أعلنت عن خطط مماثلة، إلى المبادرة البريطانية، خصوصاً في ما يتعلق بالمخاوف المحتملة المتعلقة بالأمن القومي. وقال سوناك قبل قمة هذا الأسبوع: «رؤيتنا وهدفنا النهائي يجب أن يتركز على العمل لنهج دولي أكثر سلامة»، مضيفاً: «الذكاء الاصطناعي لا يحترم الحدود، لذا لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا».

• حتى لا يتفوق عليها أحد، ستعقد المملكة المتحدة قمة تستمر يومين حول سلامة الذكاء الاصطناعي، ابتداءً من اليوم.

• تستخدم واشنطن قوتها الشرائية لدفع شركات الذكاء الاصطناعي لتحسين الشفافية وأنظمة حماية البيانات.

تويتر