تُشكل منصة ذات أهمية للصين في علاقاتها الخارجية

مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى معارضة سياسة الولايات المتحدة في العالم

صورة

بينما ظل العالم يواصل المشي وهو نائم في خضم الحروب التي تدور الآن، انعقدت قمة مبادرة الحزام والطريق العالمية الثالثة في بكين في فترة ما بين 17 و18 أكتوبر الجاري.

وانطلاقاً من المشاركة والنتائج الرئيسة تبدو هذه القمة مختلفة تماماً عن الأولى التي انعقدت في مايو 2017، أو حتى عن الثانية في أبريل 2019. أولاً، شهدت هذه القمة عدداً أقل من رؤساء الدول، 23 رئيساً، مقارنة بـ37 في القمة الثانية. وثانياً، كان العديد من المشاركين من الأنظمة المناهضة للغرب، حيث حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كضيف شرف. ومن العلامات المميزة في هذه القمة حضور «طالبان» أفغانستان، ورئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، الذي شارك في القمتين السابقتين، حيث أعلن أوربان رسمياً معارضته لاستراتيجية التخلص من المخاطر ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للأمن الاقتصادي.

وفي الناحية الأخرى من الطيف السياسي لم ينضم أي من أعضاء الاتحاد الأوروبي في ندوة مبادرة الحزام والطريق غير أوربان، في حين أن ستة وسبعة من أعضاء الاتحاد شاركوا على التوالي في القمة الأولى عام 2017 والثانية عام 2019. ولم تشارك في هذه القمة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي شاركت في القمتين السابقتين، ولكنها أوضحت في شهر سبتمبر الماضي أنها لن تشارك.

التجارة والاستثمار

وبعيداً عن الحضور، كانت هذه القمة مختلفة لأنها ركّزت على تحسين التجارة وقللت كثيراً من اهتمامها بتحسين الارتباط التجاري والاستثماري من خلال بناء البنية الأساسية، وركّزت كثيراً على السياسة الخارجية. وقد يكون هذا مرتبطاً بتزايد انفصال الصين عن بعض هذه البلدان، على الأقل في ما يتعلق بالإقراض والاستثمار في هذه البلدان.

وربما يعود انخفاض استثمارات الصين بشكل كبير على مستوى العالم، بما في ذلك في دول مبادرة الحزام والطريق، إلى التجارب السيئة حيث حدث بعض الهبوط، إذ تشير التقارير إلى أن ثلث مشاريع مبادرة الحزام والطريق واجهت بعض المشكلات. كما أن النمو الاقتصادي الصيني ليس على ما يرام، خصوصاً في مجال العقارات ناهيك عن تزايد عبء الديون، ما يجعل من الصعوبة بمكان تمويل مشاريع مبادرة الحزام والطريق.

وأمّا في مجال السياسة الخارجية، فقد كانت الفكرة العامة للقمة تتمثل في معارضة الولايات المتحدة وحلفائها. وينطوي ذلك على نتائج مهمة بالنسبة للحرب في أوكرانيا، والتي يعانها الاتحاد الأوروبي حالياً وكذلك الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، عند التصويت على القضايا الأوكرانية. وجاءت الحرب لتُشكل سبباً آخر للخلاف بين الولايات المتحدة والصين في مجال السياسة الخارجية.

بكين ودول الجنوب

وبصورة عمومية أكثر، أصبحت علاقات بكين مع دول جنوب الكرة الأرضية أساسية بالنسبة للصين، وتمثل مبادرة الحزام والطريق منصة مفيدة للغاية بالنسبة لها. ومع ذلك، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست الأداة الأكثر أهمية للسياسة الخارجية في الصين، حيث تأتي بعد «المجتمع العالمي للمستقبل المشترك»، وهي رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ الأوسع للمكانة التي تضع فيها الصين نفسها في العالم.

وحتى لو كانت السياسة الخارجية هي المسيطرة والأكثر أهمية، فإن أي قمة أخرى تحتاج إلى بعض النتائج المعينة كي تدعي أنها ناجحة، ومن بين الإجراءات الكثيرة التي تم الإعلان عنها، لم يكن بعضها جديداً بصورة كلية، كما أن عدداً قليلاً منها كان مميزاً.

وجاء كل من «الاعتماد على النزاهة» (الذي يعادل مكافحة الفساد) و«النظيف» أي الصديق للبيئة بمثابة الأهداف الرئيسة التي رافقت معظم الإشارات إلى مبادرة الحزام والطريق. وثانياً، تم الإعلان عن مبادرة عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي.

الموارد المالية

وأمّا بالنسبة للموارد المالية فقد كان هناك إعلانان، حيث تم الإعلان عن تخصيص 48 مليار دولار كموارد إضافية لسياسة البنوك، إضافة إلى 11 مليار دولار لمبادرة الحزام والطريق وهي أرقام أقل مما كانت عليه في الماضي.

وفي نهاية المطاف، لم يكن هناك إعلان ذو صلة عن إطار متعدد الجوانب يتم تشكيله لدعم مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وبناءّ عليه يجب على المرء أن يحترم هذه المبادرة، على الرغم من ميلها حالياً إلى السياسة الخارجية، لأنها ستظل مركزاً ونظاماً محورياً في العالم.

وبالنظر إلى ما سبق، فإن السؤال الأخير يتمثل في مدى الأهمية التي ستظل عليها مبادرة الحزام والطريق. وحسب الكتاب الأبيض الذي تم إعداده لمبادرة الحزام والطريق في بكين، الذي كان معداً للقمة، فإن «الصين ستواصل الترويج لهذه المبادرة باعتبارها خطتها الشاملة ومشروعها الأكثر أهمية بالنسبة للانفتاح والتعاون الدوليين».

وفي ظل هذه الخلفية، فإن مبادرة الحزام والطريق لن تختفي وإنما ستحوّل نفسها من أداة اقتصادية إلى سياسة خارجية، ولم تعد الصين تتحمل تمويل الكثير من البنى التحتية في هذا العالم النامي والصاعد اقتصادياً.

والمسألة المهمة حالياً بالنسبة للصين هي الترتيبات السياسية والاقتصادية، التي مفادها أن مبادرة الحزام والطريق لا تحتاج إلى الكثير من الأعضاء وإنما أولئك الذين ينخرطون ضمن هذه الترتيبات. وهذا أمر أساسي لدفع المعايير والمشاريع المشتركة التي ربما تواجه معارضة من الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة.

• أصبحت علاقات بكين مع دول جنوب الكرة الأرضية أساسية بالنسبة للصين، وتمثل مبادرة الحزام والطريق منصة مفيدة للغاية بالنسبة لها.

• تواصل الصين الترويج لهذه المبادرة باعتبارها خطتها الشاملة ومشروعها الأكثر أهمية بالنسبة للانفتاح والتعاون الدوليين.

تويتر