الاستثمار الحقيقي يمكن أن يعالج التهديدات

التغير المناخي وراء أكبر أزمات العالم الصحية

صورة

يعيش العالم حالياً في حالة طوارئ مناخية، إذ تضاعفت الكوارث المرتبطة بالمناخ بمقدار خمسة أضعاف على مدى السنوات الـ50 الماضية، ما أثر في بيئتنا وصحتنا ورفاهنا المجتمعي. ولنكن واضحين، فإن أزمة المناخ هي أزمة صحية، وهي تقتلنا.

وفي العام الجاري، تسببت حرائق الغابات، في الولايات المتحدة، بمقتل 97 شخصاً في جزيرة ماوي. وفي العام الماضي، غمرت الفيضانات مئات القرى في باكستان، ما أدى إلى نزوح ما لا يقل عن 130 ألف شخص وانتشار الأمراض. لقد أدى الجفاف المتواصل الذي دمر منطقة القرن الإفريقي إلى تعرض أكثر من 20 مليون شخص لانعدام الأمن الغذائي الحاد. وبالفعل، يموت سبعة ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء، أي أكثر من عدد الوفيات العالمية خلال جائحة «كوفيد-19» بأكملها.

واليوم، يسير العالم في مسار واضح نحو ارتفاع درجات الحرارة، بما يتراوح بين 2.4 و2.6 درجة مئوية، بحلول نهاية القرن، حيث تتحمل الفئات السكانية الأكثر ضعفاً في استخدام الموارد ــ والتي تسهم بأقل قدر من الانبعاثات الكربونية ــ وطأة التأثيرات المدمرة. إن الأزمات المناخية والصحية تحاصر الناس في دائرة من الفقر واليأس. وتشير التقديرات إلى أن 1.2 مليار شخص سوف ينزحون بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050. والتحرك مطلوب اليوم، لأننا لسنا مستعدين للغد.

إن الأنظمة الصحية الوطنية، التي عانت من نقص الاستثمار لفترة طويلة، غير مجهزة لمواجهة تحديات اليوم. وأبلغ نحو 90% من البلدان عن انقطاع الخدمات الصحية خلال الجائحة. وكانت البلدان الأقل موارد هي الأكثر معاناة؛ وقد شهدنا تراجعاً في النتائج الصحية، بما في ذلك انتشار الملاريا ووفيات الأمهات.

تحسين النتائج

ويعد التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة والحد منها أمراً بالغ الأهمية للحد من آثار تغير المناخ، ويمكن لقطاع الرعاية الصحية، المسؤول عن 4-5٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، أن يلعب دوراً مهماً في هذا الجهد. ويمكن تقليل ما يصل إلى 95% من إجمالي انبعاثات القطاع؛ بدءاً من سلسلة التوريد وحتى مسار تقديم رعاية المرضى. ومن الممكن أن يؤدي إعادة اختراع مسار رعاية المرضى، أيضاً، إلى تحسين النتائج الصحية، بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات، بطرق

عدة تتراوح من إزالة الكربون من المرافق الصحية إلى تقديم الرعاية عن بعد أو بالقرب من المنزل.

ومع ذلك، فإن التخفيف وحده لا يكفي. ولمعالجة الضرر الذي يحدث اليوم، يجب علينا أن نتعامل بشكل عاجل مع التأثيرات الحالية والمستقبلية لتغير المناخ في صحتنا من خلال بناء أنظمة صحية أقوى وأكثر مرونة، مدعومة بقوى عاملة مناسبة للغرض وقادرة على التعامل مع عبء المشكلة التي نحن بصدد مواجهتها.

ويبدأ الأمر بتغيير السرد وتوضيح أن الرعاية الصحية هي استثمار وليست كلفة. وأظهرت الدراسات أن العائد الاقتصادي لكل دولار يتم استثماره في الصحة يتراوح بين 2-4 دولارات على الأقل. والاستثمارات في المناخ والصحة تعود بالنفع على الجميع.

على سبيل المثال، الاستثمارات في الحد من تلوث الهواء من شأنها أن تنقذ الأرواح ولكنها تمنع، أيضاً، خسارة مستقبلية لما يقرب من 50 تريليون دولار أنفقت منذ عام 2010 لمعالجة عواقبه. وإعطاء الأولوية للصحة لا يؤدي إلى نتائج صحية أفضل، فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تنمية الاقتصادات، وخلق فرص العمل، وتعزيز الاندماج الاجتماعي.

احتياجات التكيف

إن أحد العوائق الحاسمة أمام معالجة أزمة المناخ والصحة هو حجم التمويل وتركيزه. ومن الممكن أن ترتفع احتياجات التكيف في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى ما يصل إلى 340 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. ومع ذلك، يبلغ تمويل التكيف اليوم أقل من عُشر هذا المبلغ، مع أقل من 5٪ من التمويل المتاح الذي يستهدف الصحة على وجه التحديد. والتمويل ببساطة ليس موجوداً اليوم. وستكون هناك حاجة إلى نهج تمويل متنوع، لأن المساعدة الإنمائية الرسمية لن تكون قادرة على تلبية احتياجات التمويل وحدها.

ويتعين علينا أن نضمن أن أغلب التمويل يركز على تسريع جهود التكيف المحلية. وأفضل فرصنا لمعالجة الآثار المدمرة لتغير المناخ هي من خلال الاستثمار في المجتمعات المحلية التي تعرف ما تحتاجه، وضمان أنظمة صحية قوية ومرنة، مدعومة بقوى عاملة صحية جيدة الموارد يمكنها الاستجابة لتحديات تغير المناخ. ويجب أن تكون المجتمعات في قلب عملية صنع القرار وتحديد الأولويات. ويمكنها المساعدة في توسيع نطاق التدخلات الفعالة بسرعة وبشكل مستدام. وعلى سبيل المثال، في بنغلاديش، أنشأت المجموعات المحلية نظاماً مجتمعياً للإنذار المبكر، من أجل تقديم المشورة للسكان بشأن الفيضانات الوشيكة.

خيارنا الوحيد هو العمل الجريء من أجل صحتنا ورفاهيتنا. وينبغي أن تبدأ الآن. ويمثل هذا العام لحظة محورية. ولأول مرة، سيكون هناك يوم صحي مخصص في مؤتمر المناخ الـ28، ما يؤكد الفهم المتزايد لهذا التهديد الخطير. وبينما نطمح إلى التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الاستجابة الصحية العالمية لتغير المناخ والتركيز على التكيف الصحي، يجب أن تترجم مناقشاتنا بشكل عاجل إلى عمل يغير السرد.

آليات التمويل

ويتعين علينا أن ندرج النتائج الصحية في المقاييس التي نقيس بها التقدم المناخي. ونحن في حاجة إلى إنشاء آليات تمويل أكبر وأكثر فعالية لتعزيز جهود التكيف. ويتعين علينا أن نحفز جميع الدول على العمل، وأن نتخذ قرارات تتطلع إلى ما بعد الدورة المقبلة. ويجب على الشركات أن تدرك أن استدامتها ونموها يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بصحة كوكبنا وسكانه.

لا يمكننا تسلق هذا الجبل دون مزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص؛ ولا دون التزام عاجل وحاسم وجماعي على المستويات العالمية والوطنية والمحلية، لتسريع التكيف المحلي والتقليل بشكل فعال من الآثار الصحية لتغير المناخ، من أجل مجتمع صحي ومتكامل، ومستقبل قادر على التكيف مع المناخ.

لدينا خيار للقيام به؛ إذ إن المخاطر أعلى من أي وقت مضى. ومع وجود مستقبل البشرية على المحك، حان الوقت لرسم مسار جديد.

• 340 مليار دولار احتياجات التكيف في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل سنوياً.

• 1.2 مليار شخص سوف ينزحون بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050.

• يتعين علينا أن ندرج النتائج الصحية في المقاييس التي نقيس بها التقدم المناخي.

• أفضل فرصنا لمعالجة الآثار المدمرة لتغير المناخ هي من خلال الاستثمار في المجتمعات المحلية التي تعرف ما تحتاجه، وضمان أنظمة صحية قوية ومرنة.

تويتر