فشلت القارة في التعامل مع مشكلة الهجرة

أزمة العالقين في لامبيدوزا تهدد بتقسيم الاتحاد الأوروبي

صورة

ترجمة: مكي معمري

باتت السيطرة على التدفق المتسارع للهجرة من الجنوب العالمي تشكل صداعاً لن يختفي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، والمشاهد الفوضوية الأخيرة التي شهدتها جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قبالة سواحل شمال إفريقيا، حيث إن وصول أكثر من 10 آلاف مهاجر من غرب إفريقيا خلال الأسبوع الماضي (أكثر من سكان الجزيرة البالغ عددهم 6000 نسمة)، كان سبباً في تأجيج أزمة تشمل عموم أوروبا.

وبدلاً من ذلك وجدت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي وصلت إلى السلطة متعهدة بوقف تدفق المهاجرين، نفسها أمام ضعف عدد الوافدين مقارنة بالعام الماضي (127 ألفاً حتى الآن في عام 2023). وفي حين يعتزم معظم المهاجرين الانتقال إلى البلدان الأكثر ثراءً في شمال أوروبا، أعلنت ألمانيا أنها سترفض قبول الوافدين من إيطاليا، وتبعها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، الذي لاحظ أنه في حين أن أوروبا مُلزمة باستضافة اللاجئين الحقيقيين، فإن التدفق الحالي للمهاجرين لأسباب اقتصادية من دول مثل غينيا وغامبيا وكوت ديفوار، مسألة مختلفة تماماً.

وقال دارمانين للإذاعة الفرنسية: «لا ينبغي توجيه رسالة للأشخاص المقبلين إلى أراضينا مفادها أنهم مرحب بهم في بلادنا مهما كانت الظروف»، متابعاً: «يجب علينا بالتأكيد أن نعيد أولئك الذين ليس لديهم سبب لوجودهم في أوروبا»، وعلاوة على ذلك تعهد الوزير الفرنسي بـ«مساعدة إيطاليا على حماية حدودها».

ولكن في حين يتم تأطير الخطاب باعتباره خطاً أوروبياً جديداً أكثر صرامة بشأن الهجرة، فمن الصعب أن نفهم ما يعنيه كل هذا في الممارسة العملية، وقد راهنت ميلوني برأسمالها السياسي على دعم «الحصار» البحري الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على السواحل الليبية والتونسية للحفاظ على «مستقبل أوروبا»، ولكن عندما وصلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى لامبيدوزا في «مهمة تضامن» نأت بنفسها عن ذلك، وبدلاً من ذلك كشفت عن خطة عمل من 10 نقاط، تركز على نشر وكالة «فرونتكس» لمساعدة خفر السواحل الإيطاليين على إدارة مسألة القادمين الجدد، وعلى إقناع بلدان المنشأ باستعادة المهاجرين غير المرغوب فيهم.

ومع ذلك لم تتخلّ ميلوني عن طموحاتها في الحصار، وتعهدت بمتابعة الفكرة في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة، في حين أكدت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، أنيتا هيبر: «لقد أعربنا عن دعمنا لاستكشاف هذه الاحتمالات»، لكن التفاصيل حول كيفية عمل الحصار المشابه لعملية أستراليا الناجحة لإعادة قوارب المهاجرين قليلة، ويشكك المراقبون في أن القانون البحري الأوروبي والدولي سيسمح له بالعمل بفاعلية.

ومن ناحية أخرى يجد الزعماء الأوروبيون أنفسهم مهددين من قِبَل الناخبين المتذمرين على نحو متزايد، ويعتمدون على حسن نوايا الزعماء الأفارقة، ومن الواضح أن اتفاق الهجرة الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي أخيراً مع الرئيس التونسي قيس سعيد لم يُؤت ثماره بعد على الرغم من حملته المتزايدة على المهاجرين الأفارقة داخل حدوده، ويتلقى الآن انتقادات من مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، لتجاوزه حدود الكتلة وتداخل الاختصاصات القضائية.

وفي كل هذا يلقي وباء الانقلابات الأخير في منطقة الساحل عنصر آخر لا يمكن التنبؤ به في هذا المزيج، وتشكل الدول المتعاطفة مع روسيا في المنطقة الآن طريق التهريب البري من بلدان غرب إفريقيا الفقيرة والمكتظة بالسكان، لكن قادتها يرفضون على نحو متزايد العمل مع نظرائهم الأوروبيين، والأكثر من ذلك من المرجح أن يستسلموا للمحاولات الروسية لاستخدام الهجرة سلاحاً ضد استقرار أوروبا، كما كان الحال مع أزمة الحدود البولندية في عام 2021.

ربما يؤدي تزايد العنف وعدم الاستقرار في منطقة الساحل إلى جعل الطريق غير مرغوب فيه بالنسبة للمهاجرين كما هو الحال في ليبيا الآن، ما يؤدي إلى وقف التدفق، أو ربما يؤدي تضاؤل قدرة الدولة الليبية وأعمال الأذى الروسية إلى تسريع التدفق، وفي كلتا الحالتين لا يملك الزعماء الأوروبيون القدرة الكافية على وقف التدفقات البشرية بالقرب من مصدرها، الأمر الذي يؤدي إلى تعميق الاعتماد المثير للجدل بالفعل على تونس.

وكما لاحظ الكاتب الإيطالي، جوزيبي توماسو دي لامبيدوزا، الذي كان أسلافه ذات يوم الحكام الإقطاعيين للجزيرة المنكوبة اليوم، في روايته الكلاسيكية «الفهد»: «لكي تظل الأشياء على حالها فلابد أن يتغير كل شيء». ويجد الزعماء الأوروبيون أنفسهم يتصارعون مع مفارقة مماثلة؛ فمن أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي في القارة لابد من القيام بشيء جذري وبسرعة، ولكن التوترات الداخلية في الاتحاد الأوروبي والإطار القانوني الخانق يحدان من قدرتهم على إيجاد حل عملي.

• 127000 مهاجر إفريقي وصلوا إلى إيطاليا خلال العام الجاري.

• 10000 مهاجر من غرب إفريقيا وصلوا خلال الأسبوع الماضي.

• لا يملك الزعماء الأوروبيون القدرة الكافية على وقف التدفقات البشرية بالقرب من مصدرها.

تويتر