بسبب تحقيقهن في أنشطة وفساد بعض المسؤولين الأقوياء

صحافيات يتعرضن للمضايقة والتشهير والتهديد بالاغتصاب والقتل

صورة

تتعرض الصحافيات في العديد من البلدان للتهديد بالاعتداء الجسدي والتهديد بالقتل والإيذاء والاغتصاب بسبب تحقيقهن في أنشطة بعض المسؤولين الأقوياء، والكشف عن أخطاء الحكومة والفساد؛ فقد كشفت دراسة استقصائية أجراها المركز الدولي للصحافيين، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) شملت 714 صحافية في 215 دولة عام 2021، أن ما يقرب من ثلاث من أصل أربع صحافيات أكدن أنهن عانين الإساءة عبر الإنترنت في عملهن. وقال ما يقرب من أربع من كل 10 صحافيات إنهن أصبحن أقل ظهوراً في العلن نتيجة لذلك. ويعتبر العنف على الإنترنت ضد الصحافيات أحد أخطر التهديدات المعاصرة لحرية الصحافة على الصعيد الدولي، إذ أنه يلحق ضرراً نفسياً حقيقياً للغاية بهن، ويحرم المجتمع من أصوات ووجهات نظر مهمة. وتُظهر الأبحاث على نحو متكرر أن المؤسسات الإخبارية التي توظف صحافيات تتعرض للاعتداء وتشويه السمعة.

تجربة صحافية مريرة

عندما أجرت الصحافية الباكستانية غريدة فاروقي مقابلة مع سياسي في التلفزيون خططت مسبقاً لأسئلتها بشكل جيد، كما يفعل أي صحافي، فهي صحافية محترفة، حسنة الملبس، تطرح أسئلة ذات صلة، لكن كل حركة كانت تقوم بها وكل إيماءة وتعبير يتم رصدها من قبل حشود من المراقبين عبر الإنترنت. كل شيء حتى الملابس التي ترتديها، والأسئلة التي تطرحها أثناء إجراء مقابلة مع شخص ما تصبح وقوداً يغذي سيلاً من الإساءات المجهولة عبر الإنترنت، وظل بعض المستخدمين يسخرون منها ومن عملها على مدى سنوات. وتقول: «أرى نظرائي الرجال يتعرضون أيضاً للإيذاء، لكن ليس بسبب أجسادهم أو أشكالهم الخارجية، بل هم مستهدفون فقط بسبب آرائهم السياسية، فعندما تتعرض صحافية للهجوم فإنها تتعرض للهجوم بسبب أجزاء معينة في جسدها».

تعكس محنة فاروقي، التي تغطي الأخبار السياسية والوطنية في باكستان وباءً عالمياً للمضايقات والإذلال عبر الإنترنت الذي تعانيه الصحافيات، فقد ظلت أصوات الكثير منهن في جميع أنحاء العالم مكتومة في الوقت الذي يكافحن فيه لإجراء مقابلات أو يشهدن أحداثاً عامة، أو يحاولن الحفاظ على وظائفهن في مواجهة حملات تشهير لا هوادة فيها. وتقول فاروقي إنها تعرضت للمضايقة والمطاردة والتهديد بالاغتصاب والقتل، وظهرت صور مزيفة لها بشكل متكرر على مواقع الويب الإباحية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

حماية الأبناء

واجهت الصحافية الليبيرية آري ديفيس (35 عاماً) رد فعل عنيفاً وساحقاً بعد أن ذكرت في أحد مقالاتها أن برلمانياً قوياً كذب بشأن شهادته الجامعية، حيث زعم هذا المشرع أنه التحق بجامعة في نيجيريا إلا أن الحقيقة هي أنه لا توجد سجلات عنه كطالب، ومنذ تلك الحادثة لم تعد قصصها في المقدمة أو على الصفحات الأولى، ولأسباب تتعلق بالسلامة اختفى اسمها وتم استبداله بأنه «كاتب مساهم».

وتقول: «شعر الناس بأنني أتصرف كرجل أكثر من امرأة، يقولون إن مثل هذه الموضوعات يجب أن يحقق فيها رجل وليس امرأة». وتسترسل: «يهيمن الرجال على وسائل الإعلام في ليبيريا، أما النساء اللاتي لديهن الشجاعة للانضمام للعمل الصحافي الجاد فيتعرضن للمضايقة والتخويف، ويعتقد الناس أن على المرأة أن تكتب فقط قصصاً ذات اهتمام إنساني، تتحدث مثلاً عن طفل في الشارع يبيع شيئاً ما، أو تكتب عن رجل تخلى عن زوجته». أصبحت الهجمات على ديفيس والتهديدات الموجهة لعائلتها شديدة للغاية لدرجة أنها أخرجت أطفالها من المدرسة أسابيع عدة حفاظاً على سلامتهم.

لا فائدة من الهرب

هربت الصحافية النيجيرية كيكي موردي من وطنها بعد أن أصبحت هدفاً للإساءة عبر الإنترنت، وبعد إنتاج فيلم وثائقي في عام 2019 لـ«بي بي سي» عن التحرش الجنسي والاعتداء على النساء في الجامعات في البلاد، وتعرضت لموجة شرسة من الهجمات عبر الإنترنت. وتقول إن حملة التشهير أضرت إلى حد بعيد بقدرتها على التحدث بحرية والقيام بعملها، ويتم تحريف منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي وتشويه الحقائق فيها، وأصبحت موضوعاً للعديد من نظريات المؤامرة حول عملها، ما ألقى بظلال من الشك على مصداقيتها كصحافية، وبدأت حملة لتشويه سمعة تحقيقاتها على مواقع «يوتيوب» و«تويتر» و«إنستغرام» و«فيس بوك» وعبر وسائل الإعلام النيجيرية الرئيسة. غيرت مكان إقامتها مرات عدة بعد أن هددها المتصيدون على وسائل التواصل الاجتماعي ونشروا تفاصيل شخصية عنها، بما في ذلك عنوان منزلها وأرقام هواتفها ومعلومات عن أفراد عائلتها وأصدقائها.

يقول الخبراء إن مهاجمة الصحافيات طريقة سريعة وسهلة لمن يريد المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة ييل عام 2021، «تضخم منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعبيرات الغضب الأخلاقي، لأن المستخدمين الذين يستخدمون لغة معينة يكافأون من خلالها بعدد متزايد من (الإعجابات) و(المشاركات)».

البحث عن اسم موردي على «يوتيوب»، على سبيل المثال، يكشف عن العديد من مقاطع الفيديو التي تروّج لأكاذيب حول حياتها الشخصية ومسيرتها المهنية. وتقول إن المتصيدين عبر الإنترنت يستخدمون أدوات عبر هذه المنصة لتغيير صورتها ووضعها في إطار إباحي، وتقول إن هذا دفعها إلى الابتعاد عن الإنترنت. وتضيف: «ظللت أعاني القلق أياماً عدة، وعدم القدرة على العمل والتركيز، واضطررت إلى إغلاق هاتفي كي لا يستطيع أحد الوصول إليّ، ولم أستطع إنجاز عملي بشكل صحيح».

انتقلت إلى لندن العام الماضي لتنأى بنفسها عن الهجمات التي لا هوادة فيها على الإنترنت، لكن الإنترنت ليس له حدود جغرافية، وفشلت هذه الخطوة في فصلها عن واقعها الأليم، ثم توقفت عن إنجاز تقاريرها الخاصة، وبدلاً من ذلك صارت تنتج أفلاماً وثائقية للعملاء، لكن الهجمات عبر الإنترنت جعلت عملها في هذه الوظيفة أمراً صعباً.

ضحية يمين متطرف

جوليانا دال بيفا (36 عاماً)، صحافية برازيلية، ظلت تعمل في هذه المهنة نحو 15 عاماً، ويغطي نشاطها الصحافي الفساد السياسي والمعلومات المضللة وصعود الزعيم السياسي اليميني الرئيس السابق جايير بولسونارو. وفي عام 2015 استغل البعض «فيس بوك» للترويج لمعلومات مضللة عنها، وفي العام التالي كان أحد أبناء بولسونارو، فلافيو بولسونارو، يستعد للترشح لمنصب عمدة ريو دي جانيرو. قامت دال بيفا بالتحقق من صحة عدد من الحقائق عنه في موقع «اجنسيا لوبا»، وهو منفذ يقيِّم دقة النص وتقارير الصوت والفيديو والكراهية. وفي السنوات التالية بدأ سياسيون ومؤثرون من اليمين المتطرف في نشر أكاذيب عنها وعن عملها وحياتها الشخصية، وأنشأ أحدهم ملفاً عنها يحتوي على معلومات مفصلة، بما في ذلك مكان عملها، والمكان الذي درست فيه، وصورة لها، ووزعها على الإنترنت.

وتقول دال بيفا معلقةً على تحققها من الحقائق حول ابن بولسونارو: «ورد بشأني الكثير من التعليقات التي تحتوي على كلام يحض على الكراهية». حاولت حماية عائلتها، وطلبت منهم تغيير أسمائهم على وسائل التواصل الاجتماعي وحذفها كصديقة. هدأت الأمور بعض الوقت، لكن عندما وصل بولسونارو إلى السلطة في عام 2019 تصاعدت الهجمات ضدها.


معاقبة الضحية

ذكرت صحافيات في جميع أنحاء العالم أنهن يتعرضن للمعاقبة من قبل أرباب العمل بسبب تحدثهن عن الإساءات الموجهة إليهن من بعض الأشخاص على الإنترنت أو بسبب الرد على من يهاجمونهن. وتطلب بعض المؤسسات الصحافية من الصحافيات المستهدفات تجنب النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي إسكاتهن وسحب منصاتهن وفقدانهن فرصهن الوظيفية. وكشف تقرير عام 2021 صادر عن المركز الدولي للصحافيين واليونسكو أن العديد من الصحافيات فقدن وظائفهن أو عوقبن من قبل مؤسساتهن الإخبارية بعد أن تعرضن لهجمات عبر الإنترنت. وأفادت الصحافيات اللائي اتخذن خطوات لحماية أطفالهن وأفراد أسرهن الآخرين بأنهن عوقبن من قبل أصحاب العمل الذين تعاملوا مع مشكلتهن بوصفها مشكلة علاقات عامة وليست مسألة كيدية. وتقول الصحافية جولي بوسيتي، من المركز الدولي للصحافيين: «إنه أمر مزعج للغاية عندما ترى الصحافيات يتعرضن للعقاب، سواء بتوقيفهن أو فصلهن في بعض الأحيان من العمل، في وسط حملة عنف عبر الإنترنت، وهذا يحدث للصحافيات في جميع أنحاء العالم».


التحرش ينتقل من العالم الافتراضي للواقع

ذكر تقرير جديد أن الرسائل التعسفية والتهديدات الشخصية وانتقاد المظهر أو الصراخ في الشارع من أمثلة الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في الصحافة. وجاء تقرير يحمل عنوان «وسائل التواصل الاجتماعي والعداء عبر الإنترنت» بعد بحث أجراه الدكتور دون ويتلي من جامعة مدينة دبلن. وأجريت مقابلات مع 36 صحافية على المستوى الوطني، بالإضافة إلى 40 طالبة صحافية. وكشف التقرير أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل جزءاً أساسياً من العمل اليومي لمعظم الصحافيين، وتستخدم لمراقبة قصصهم وقياس الرأي العام، بالإضافة إلى الترويج لعملهم وعمل منظمتهم؛ لذلك يشعر معظم المراسلين بأنهم لا يستطيعون القيام بعملهم من دونه، ولا يمكنهم ببساطة قطع الاتصال به إذا واجهوا مشكلات عبر الإنترنت.

ومع ذلك تمثلت التجارب السلبية لأولئك اللاتي تمت مقابلتهن في مجموعة من الانتقادات البسيطة والتعليقات الجنسية والتهديدات الصريحة والمخاوف بشأن سلامتهن الجسدية عندما ينتقل التحرش عبر الإنترنت إلى «الحياة الحقيقية». وتقول إحدى المجيبات إنه بينما قد يواجه الرجال انتقادات بسبب آرائهم السياسية، فإن خلفية الصحافية وخبرتها ومظهرها تشكل باستمرار مادة دسمة للمتحرشين في العالم الافتراضي والحقيقي.

■ عن موقع «آر تي إيي» الأيرلندي

• تُظهر الأبحاث على نحو متكرر أن المؤسسات الإخبارية التي توظف صحافيات تتعرض للاعتداء وتشويه السمعة.

• يعتبر العنف على الإنترنت ضد الصحافيات أحد أخطر التهديدات المعاصرة لحرية الصحافة على الصعيد الدولي، إذ إنه يُلحق ضرراً نفسياً حقيقياً للغاية بهن، ويحرم المجتمع من أصوات ووجهات نظر مهمة.

تويتر